اقتفاء آثار شيلر في جنوب ألمانيا
٨ أبريل ٢٠٠٩يمثل فريدريش شيلر ويوهان فولفغانغ فون غوته قطبا الأدب الكلاسيكي الألماني. وإذا كان غوته هو أمير الشعراء وشاعر الأمراء، فإن شيلر هو الشاعر الفقير الثائر على البلاط والأمراء. وعلى الرغم من تباين ظروف حياة الشاعرين تبايناً كبيراً، وكذلك حظهما من الشهرة والمجد التي حظي بها المُقرب من الأمراء ونعِمَ بها، بينما عاش الآخر معدماً ومات مريضاً بالسل الرئوي ولما يتجاوز السادسة والأربعين. ورغم ذلك فإن صداقة عميقة فريدة في الأدب الألماني كله ربطت بينهما إنسانياً وأدبياً منذ لقائهما في مدينة فايمَر. غير أن فايمَر ليست مسقط رأس شيلر، الذي ولد في المنطقة التي يُطلق عليها حالياً اسم ولاية بادن فورتمبرغ جنوب غربي ألمانيا. هناك – في منطقة شفابيا - قضى شيلر سنوات طفولته وشبابه.
في هذا العام تحل ذكرى مرور 250 عاماً على ميلاد شيلر، وبالطبع سوف ينتهز عديد من المعجبين هذه المناسبة للاحتفاء بالمفكر العظيم وزيارة المناطق التي أمضى بها سنوات حياته الأولى. وهناك سيرون الكثير من المناظر الطبيعية الخلابة إلى جانب عدد من المباني الأثرية المهمة.
منزل شيلر في مارباخ
ويمكن لراكب القطار من شتوتغارت أن يصل بسهولة إلى مدينة مارباخ، مسقط رأس شيلر. وقد جرى ترميم المنزل الذي ولد به، فيما يجري حاليا تجديد متحفه المجاور. ويقول فرانك دروفنر المسئول في هيئة أرشيف الأدب الألماني في مارباخ إن الهيئة "بصدد إتمام المشروع حيث سيتبرع القطاع الخاص بحوالي 2,3 مليون يورو لترميم متحف شيلر الذي شيد عام 1903".
ومن المقرر إعادة افتتاح المتحف في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل في الذكرى الـ 250 لميلاد شيلر. وحتى حدوث ذلك سيجرى افتتاح متحف الأدب الحديث الذي يقع على بعد أمتار قليلة أمام الجمهور الراغب في الحصول على معلومات عن شيلر.
وأقيم في وقت سابق من العام الحالي معرض في المنزل الذي شهد ميلاد شيلر ليحكي حياته وأعيد افتتاحه في 31 "نيكلاستور شتراسه". ويحكي هذا المنزل تفاصيل حياة أسرة شيلر كما يلقي نظرة عن التقدير الذي حازه في العالم.
الشاعر في الأكاديمية العسكرية
بعد أن قضى شيلر عامين في مدينة لورش بغرب شتوتغارت، انتقلت أسرة شيلر إلى لودفيغسبورغ. وشهد قصر المدنية المشيد على الطراز الباروكي في البلدة أول عرض لمسرحيات شيلر. وفي عام 1777 انصاع الكاتب المسرحي للأمر الصادر عن دوق كارل أويغين بدخول الأكاديمية العسكرية في قصر "سوليتويده". وبني القصر أساساً كدار للصيد بين عامي 1763/ 1764 بالقرب من شتوتغارت، وهو الآن مقر لأكاديمية دولية للفنون.
وجرى نقل الأكاديمية العسكرية التي وصفها شيلر بأنها "مؤسسة غبية لا تُحتمل" إلى شتوتغارت عام 1775. ولم يتبق أثرٌ من المبنى التاريخي الذي دمر بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1961 أصبحت مقراً لبرلمان ولاية بادن فورتمبرغ.
وفي الواقع لم يبق إلا القليل جداً من المباني التي عرفها شيلر أثناء الفترة التي قضاها في شتوتغارت، إذ أصاب دُمر أثناء الحرب المنزل الذي عاش به والحانات التي تردد عليها والتي ألصقت به صفة معاقرة الخمر.
في شتوتغارت كتب شيلر مسرحية "قُطّاع الطرق" التي ربما تكون أشهر مسرحياته. أما أولى مسرحياته فكانت بعنوان "عذراء أورليانز"، وقد تغيب عن الأكاديمية العسكرية ليشاهد عرضها الأول في مدينة مانهايم. وأعاد مسرح المدينة تقديم "عذراء أورليانز" في السادس من كانون الثاني/ يناير الماضي، ومن المقرر عرض مسرحيته "دون كارلوس" في التاسع عشر من حزيران/ يونيو المُقبل.
الشاعر الثائر و"قُطّاع الطرق"
وما زال اسم شيلر يرتبط في أذهان الألمان بباكورة أعماله المسرحية "قطاع الطرق" (أو "اللصوص"). كانت هذه المسرحية هي الترجمة الأدبية لمشاعر شيلر الكارهة للطغيان، وعندما عرضت لأول مرة في مدينة مانهايم عام 1781، لاقت نجاحاً جماهيرياً فائقاً. ولما علم الدوق الذي يعمل شيلر في جيشه أنه يؤلف المسرحيات، وأنه سافر لحضور عرض الافتتاح بدون إذنه، أصدر أوامره باعتقاله ومنعه من كتابة تلك "التفاهات". كان هذا الحادث بمثابة الزيت الذي أُلقي على نار شيلر الثائر، فهرب من شتوتغارت إلى مانهايم حيث عاش متخفيا مطارداً وفقيراً، إلى أن استقر به المقام في مدينة فايمر الشهيرة شرقي ألمانيا إلى جوار صديقه الشاعر غوته الذي كان يشرف على مسرح المدينة.
وفي فايمَر لقي شيلر نحبه عام 1805 بعد حياة قصيرة ولكن غزيرة الإبداع، وهي حياة لم تخلُ أيضاً من التناقضات، لعل أبرزها أن هذا الشاعر الثائر على سلطة الاستبداد والإقطاع كان يعيش في بعض فترات حياته على منح وهبات من الإقطاعيين.
(س.ج/ د ب أ)
تحرير: عماد م. غانم