اكتساح حزب البديل لشرق ألمانيا - محاولة للوقوف على الأسباب
٣٠ سبتمبر ٢٠١٧
اكتسح "حزب البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات الأخيرة ولاية سكسونيا في شرق ألمانيا. DW زارت مدينة غورلتز، الواقعة بالقرب من الحدود مع بولونيا، واستطلعت آراء وأمزجة السكان عن النتيجة وأسباب الخسارة المدوية لحزب ميركل؟
إعلان
جاءت النتائج الأولية للانتخابات الألمانية مساء الأحد الماضي (24 أيلول/سبتمبر 2017) صادمة بالنسبة ليوهانس هوبنر. في تلك الليلة كان يوهانس مشغولاً بالاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لافتتاح مقهاه Cafe Hotspot. "كان للأمر وقع الصاعقة عليّ. وأعتقد أن معظم الناس كان ينتابهم نفس الشعور"، يقول يوهانس لـDW وينفث دخان سيجارته، بينما كانت عيناه تحملقان في جدران المقهى المكسية بنبات اللباب.
يقع المقهى في ساحة تتوسط المدينة القديمة. وافتتح المقهى ليكون نقطة لقاء وتعارف بين اللاجئين والألمان. والمقهى واحد من الأماكن القليلة التي توفر تلك الإمكانية. يعج المقهى ذو الجدران الرمادية بالشباب والطلاب، الذين يرتادونه لحضور الحفلات أو الأمسيات السينمائية. يقول يوهانس أنه يتلقى تعليقات عنصرية على صفحة المقهى في فيسبوك. ومع بروز "حزب البديل" الآن كأكبر قوة سياسية في المدينة يخشى من أن يزداد الوضع سوءًا. "أخشى أن يتجه الرأي العام أكثر نحو اليمين وتصبح معاداة الأجانب والعنصرية مقبولة اجتماعياً وأكثر شعبية. ولكن علينا الانتظار لنرى ما تحمله لنا الأيام"، يفضي لنا يوهانس عما يجول في خاطره من توجس.
الجدير ذكره أن "حزب البديل من أجل ألمانيا" فاز بـ32.9 بالمائة من الأصوات تاركاً المركز الثاني لحزب المستشارة ميركل "الحزب المسيحي الديمقراطي".
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: فوز "البديل"
لم يرغب إلا قلة من الناس، الذين كان يتمتعون بشمس الخريف اللطيفة، بالحديث لنا عن الانتخابات. "ابتعد عني"، نهرتنا امرأة جالسة على مقعد بجانب النافورة. "لا أريد الحديث مع صحفيين"، دمدم رجل يرتدي معطفاً رمادياً ويجلس في المقعد الملاصق للمرأة ويقرقع البيرة.
أدت المخاوف من تدهور الحالة المادية للسكان إلى تغير وتعكير المزاج العام. وأعطت سيدة في منتصف العمر ذات شعر أشقر بعض القرائن على ذلك: "يمكن فهم ما حدث. ببساطة لم يرَ الناس أي سبيل آخر لحل مشاكلهم"، قالتها وهي تحث الخطى مسرعة إلى بيتها.
سيدة أخرى متقدمة في السن ترتدي معطفاً أحمر قالت: "حدث ما حدث بسبب الإحباط والإهمال. نعاني من مشاكل عدة كرواتب التقاعد على سبيل المثال".
نتائج الانتخابات لم تفاجئ جولنتا تيدي مان التي ولدت في بولونيا وقدمت إلى ألمانيا قبل 38 عاماً. وهي لا تعتقد أن نجاح حزب "البديل" يعود إلى رسالة الحزب نفسه وبرنامجه: "صوّت الكثيرون لحزب البديل لأنهم أدركوا أن الأحزاب الأخرى لا تهتم لشأنهم. كانت تلك الأحزاب مغرورة. ولا أعتقد أن الناس هنا عنصريون".
يواجه السكان هنا معضلات ومشاكل جمة. على الرغم من أن نسبة البطالة قد انخفضت في السنوات الماضية، غير أنها ما تزال عند 8 بالمائة، مقارنة بـ5.7 % على الصعيد العام في ألماينا. كما غادر الكثير من الشباب المنطقة بحثاً عن العمل. وتعاني المنطقة أيضاً من السرقة والسطو أكثر من باقي مناطق ألمانيا. ويلقي الكثير من الناس باللائمة على عصابات الجريمة المنظمة من البلد الجار بولونيا.
لم يعد الناس يثقون في حزب ميركل، الذي ما زال في السلطة منذ عام 2005، لحل تلك المعضلات. "لسنا قريبين بما فيه الكفاية للناس وإلا لكانت النتائج مختلفة. علينا الاستماع للناس الآن ونعثر على الطريقة المناسبة لحل مشاكلهم"، يقول أوكتافين أورزو، رئيس فرع حزب المستشارة ميركل في المدينة.
اقتناص هواجس الناس
اقتنص حزب "البديل" الفرصة وعرف كيف يستفيد من مشاعر اليأس والإحباط تلك. "قدم الحزب للسكان منصة للتعبير عن آمالهم وآلامهم وتطلعاتهم" تقول مسؤول الحملة الانتخابية لحزب البديل في المدينة لـDW. وتتابع المسؤولة تبريرها للنتائج: "نواجه مشاكل اجتماعية ضخمة هنا. يخشى الكثيرون على لقمة عيشهم وعلى تقاعدهم. يتقاضى البعض تقاعداً لا يزيد عن 700 يورو شهرياً. ويتسأل البعض عما إذا كان بمقدوره توفير إيجار المسكن أو حتى شراء هدية عيد ميلاد لأحفادهم".
في واقع الحال، ركز "حزب البديل من أجل ألمانيا" في حملته الانتخابية على قضايا أخرى كالتخويف من الإسلام واللاجئين والأجانب بشكل عام. ووصف قادة الحزب قادة ألمان بارزين بـ"الخونة". كما طالب مرشح الحزب الرئيس، الكسندر غاولاند، برمي وزيرة دولة من أصول تركية في الأناضول، كما يتم رمي النفايات والتخلص من القمامة.
ترويع اللاجئين
يعمل حوالي خمسة آلاف مواطن بولندي في غورلتز والمنطقة المجاورة لها. ويعود ذلك لارتفاع الأجور مقارنة ببولندا. كما يعيش لاجئون هنا. وقد نجح "حزب البديل من أجل ألمانيا" في ترويع اللاجئين، ومنهم السوري محمد العلاوي. يقول السوري ذو الـ23 ربيعاً: "إنهم لا يحبون اللاجئين ويريدون التخلص منا. ونحن نخشى ذلك. أتمنى أن لا تتدهور الأمور أكثر من ذلك. الكثير من الألمان ما يزالون يحبوننا وربما يمكننا مواصلة العيش في ألمانيا ونبنى مستقبلاً ما لنا هنا".
دانيل بيلز/خ.س
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.