الأزمة الأوكرانية ـ لماذا تسعى تركيا للعب دور الوسيط؟
٢ فبراير ٢٠٢٢
بالنسبة لأنقرة، هنالك الكثير لتخسره. فهي تقيم علاقات مع كل من أوكرانيا وروسيا، وفي حالة غزو روسي محتمل لأوكرانيا، ستكون أمام اختيار صعب.
لذلك، يسعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى التوسط في هذا الملف، ويسافر يوم الخميس إلى كييف. عقب ذلك يُتوقع أن يزور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تركيا. فهل يتمكن أردوغان عبر مساعيه الدبلوماسية من درء الأزمة ومنع غزو روسي محتمل؟ خبراء كثيرون لا يعتبرون ذلك ممكناً.
"أردوغان لا يتصرف كوسيط محايد"
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشؤون الروسية، أيدين سيزر، أن أردوغان لا يتصرف كوسيط محايد، لأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وموقفها بالتالي يتفق بالضرورة مع مواقف الحلف. وإلى غاية اللحظة، تجاهلت موسكو كل اقتراحات أنقرة.
أيضاً راغب قطاي كاراتشا، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة آيدن في اسطنبول، لا يؤمن بنجاح مبادرة أردوغان، إذ كان الرئيس التركي أكد – خلال القمة التركية الأوكرانية الأخيرة – مجدداً على دعم بلاده الكامل لأوكرانيا. وبالفعل، فقد رفض أردوغان خلال تلك القمة أيضاً الاعتراف بشبه جزيرة القرم كمنطقة تابعة لروسيا، وقدم نفسه حامياً لعرقية تتار القرم، وتحدث ببهجة عن بناء مساجد ومشاريع سكنية لهم.
مُسيّرات تركية تخيف روسيا
إلى ذلك، فإن تركيا قامت بتزويد أوكرانيا بطائرات مسّيرة هجومية، وهو ما أعلنته وزارة الدفاع الأوكرانية عبر فيديو منشور في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والذي يظهر تدمير طائرة مسيّرة من طراز "بيرقدار تي بي 2" لقطعة مدفعية روسية في منطقة الدونباس شرقي أوكرانيا.
هذا أغضب ذلك موسكو بشكل كبير، لأن حصول أوكرانيا على هذه التقنية المتقدمة من دولة عضو في الناتو يعني أن أي خطط عسكرية روسية ضد أوكرانيا قد تواجه بمقاومة عنيفة باستخدام أسلحة متقدمة تقنية، ما يصعّب من أي عمل عسكري روسي محتمل.
لا عجب، إذن، في أن الرئيس الروسي بوتين انتقد، قبل عدة أسابيع، تواجد المُسيّرات التركية في أوكرانيا، واتهم أنقرة بدعم كييف بشكل كبير، مطالباً الرئيس التركي بـ"إعادة النظر" في سياسته.
اعتماد تركي على الغاز الروسي
العلاقات بين تركيا وروسيا معقدة، لأن الأولى – وهي عضو في الناتو – تقبل على شراء أنظمة دفاع جوي روسية، رغم الانتقادات الموجهة لها من أعضاء الحلف والولايات المتحدة. لكنها في ليبيا وسوريا وناغورني قرة باغ، وحتى في أوكرانيا، تقف على الطرف الآخر من روسيا.
رغم ذلك، ما يزال الطرفان محافظين على علاقات اقتصادية جيدة. فتركيا تغطي احتياجاتها بالكامل من الطاقة تقريباً عبر الاستيراد، وهي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، الذي استوردت منه 33.6 مليار متر مكعب عام 2020، من أصل إجمالي استهلاك في نفس العام وصل إلى أكثر من 48.1 مليار متر مكعب.
مدى اعتماد تركيا الكبير على استيراد الغاز كان واضحاً الأسبوع الماضي، إذ أدى توقف تدفق الغاز الإيراني إلى تركيا بسبب عطل تقني لشلل تام في القطاع الصناعي التركي دام عدة أيام.
لذلك، جاء تصريح المدير التنفيذي لشركة الغاز التركية "غاز داي"، محمد دوغان، قلقاً للغاية: "إذا نظرنا لأسوأ الاحتمالات، وتصاعد الصراع (الروسي الأوكراني) خلال الصيف، وقامت روسيا بوقف تصدير الغاز لنا، فإن أسعار الغاز ستقفز بشكل كبير". لكن إذا وقع ذلك خلال الشتاء، فإنه لن تكون أمام تركيا أي فرصة: "سنكون قد انتهينا"، بحسب دوغان.
الاعتماد التركي لا يقتصر فقط على مجال الطاقة، بل يمتد إلى السياحة أيضاً، حيث يفد الكثير من السياح الروس إلى تركيا. إضافة إلى ذلك، فإن روسيا تعتبر سوقاً هاماً، وبالأخص للمنتجات الزراعية التركية.
علاقات اقتصادية مع أوكرانيا أيضاً
ومع كل ذلك، فإن أهمية أوكرانيا بالنسبة لتركيا في ازدياد أيضاً. فطبقاً لبوراك بهليفان، رئيس جمعية رجال الأعمال التركية الأوكرانية، والذي يعيش في كييف منذ 12 عاماً، كانت تركيا عام 2020 أكبر جهة مستثمرة في أوكرانيا، إذ بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين، بحسب معطياته، نحو 7.5 مليار دولار.
لذلك، تسعى أنقرة جاهدة من أجل منع المزيد من التصعيد في الملف الأوكراني، لأن الاقتصاد التركي – المتعثر حالياً – سيمنى بخسائر كبيرة من وقوع نزاع بين روسيا وأوكرانيا، وقد يفشل خطط الرئيس إردوغان في جذب المزيد من الاستثمارات إلى بلاده من خلال خفض أسعار الفائدة.
من المتوقع، بناءً على ذلك، أن يعلن إردوغان تضامنه مع نظيره الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، خلال زيارته إلى كييف. لكن هذه الزيارة لن تكون الأمر الحاسم، بل ما سيحصل بعدها، وتحديداً زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى أنقرة.
فهل سيعطي بوتين مساعي الوساطة التركية فرصة؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فماذا سيكون المقابل؟
غولزن سولاكر/ ي.أ