تصاعد القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم ومدن أخرى ينذر بالأسوأ. ومع مغادرة منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية السودان، باتت المنظمات المحلية طوق نجاة المدنيين.
إعلان
شهدت مدن سودانية عديدة تصاعداً في القتال بين قوات الجيش من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى خاصة في الخرطوم الخاضعة أجزاء منها لسيطرة الدعم السريع.
وقال متطوع في مبادرة "غرف الطوارئ" إن العشرات قُتلوا خلال الأسبوع الماضي فقط في سوق بالخرطوم. و"غرف الطوارئ" واحدة من المبادرات التي أطلقها مجموعة من الشباب بهدف توفير الخدمات الأساسية للمواطنين الذين يواجهون خطر الموت والجوع والمرض.
وفي الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أعلن معهد أبحاث السلام في أوسلو، عن ترشيح غرف الطوارئ السودانية لجائزة نوبل للسلام للعام 2024، واصفاً إياها بأنها "رمز للأمل والصمود" في وقت تمر فيه البلاد بأزمة إنسانية حادة.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان العام الماضي، مازال القتال مستمراً بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و قوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي" على وقع الخلاف حول تقاسم السلطة في أعقاب انقلاب عام 2021. ومنذ ذلك الحين، قُتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص مع ترجيحات بأن الحصيلة النهائية أكبر في ضوء صعوبة الوصول إلى كافة المناطق مع استمرار القتال وانهيار النظام الصحي.
وبات السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم مع تشرد أكثر من 11 مليون شخص إلى مخيمات اللاجئين والدول المجاورة. وأفادت الأمم المتحدة مطلع الشهر الجاري بتفشي المجاعة وأمراض مثل الكوليرا مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في البلاد.
مخيم أبو شوك.. "وضع كارثي"
وفي دارفور، اشتدت وتيرة أعمال القصف في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. وفي مقابلة مع DW، قال صلاح آدم، أحد سكان مخيم أبو شوك للنازحين وعضو في مبادرة "غرف الطوارئ"، إن القصف "بات أكثر شدة خلال الأيام العشرة الماضية". وأضاف "ذهبت إلى السوق في الساعة التاسعة صباحاً لشراء بعض المواد الغذائية، وبينما كان السوق مزدحماً، بدأت قوات الدعم السريع في الهجوم. هرع الناس للنجاة. ورغم ذلك، قُتل ثلاثة وأصيب عشرة".
إعلان
وشدد على صعوبة الوضع في المخيم، قائلاً: "لا يمكن للمرء تخيل وضعنا الكارثي. لا توجد منظمات تدعم أو تقدم المساعدات، نحن فقط الوحيدون من يعمل على الأرض، لكن نفتقر إلى كل الوسائل". وحذر من خطورة تفاقم الوضع، قائلاً: "كل يوم أرى أمام عيني أطفالاً تُزهق أرواحهم. هذه اللحظات هي الأشد مرارة".
وأفادت رويترز بان العصابات الموالية لقوات الدعم السريع باتت تستهدف منظمات إنسانية دولية.
بدورها، قالت ميشيل دارسي، مديرة منظمة "المساعدات الشعبية” People's Aid النرويجية في السودان، إنه يتعين حماية المنظمات المحلية مثل غرف الطوارئ. وفي مقابلة مع DW، أضافت: "هذه المنظمات تواجه الآن تهديدات وتعمل في بيئة ينعدم فيها الأمن".
تزامنا مع محادثات السلام.. معاناة نازحي حرب السودان
03:03
مخيم زمزم.. "خسائر مروعة بين المدنيين"
وقبل شهر، حذر مفوض حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك، من وقوع "خسائر مروعة بين المدنيين" في مخيمي أبو شوك وزمزم. وأضاف أن "النازحين معرضون لخطر مواجهة هجمات انتقامية على أساس هويتهم القبلية، تحت زعم أنهم ينتمون إلى نفس المجتمعات التي ينتمي إليها زعماء الحركات المسلحة المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية".
ويحذر مراقبون من خطورة تفاقم الوضع في مخيم زمزم، الذي يقطنه أكثر من 80 ألف شخص.
وقبل أيام، قالت منظمة أطباء بلا حدود إنها اضطرت إلى تعليق عملها في مخيم زمزم في أعقاب عرقلة المساعدات قرب مدينة الفاشر من قبل قوات الدعم السريع التي تحاصر المدينة منذ أشهر، فضلاً عن عرقلة الجيش السوداني لوصول المساعدات إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرته.
وقالت كلير سان فيليبو من أطباء بلا حدود إنه "بسبب عرقلة الإمدادات اضطرت منظمة أطباء بلا حدود إلى وقف دعم مخيم زمزم وترك خمسة آلاف طفل يعانون من سوء التغذية، منهم 2900 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، دون دعم. من المحزن أن نضطر إلى تعليق أنشطتنا".
من جانبه، قال محمد عثمان، الباحث المتخصص في الشأن السوداني بمنظمة هيومن رايتس ووتش، إن "القوات المسلحة السودانية لا تزال تمنع وصول المساعدات الحيوية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع التي تستمر هي الأخرى في نهب الإمدادات والمساعدات التي تصل إلى بعض المدنيين في مناطق سيطرتها". وفي مقابلة مع DW، أضاف "لا يوجد اهتمام دولي بالقدر الكافي حيال ما يحدث هنا. هذه أزمة منسية".
وفي السياق ذاته، ترى هاجر علي، الباحثة في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية" (GIGA)، أن الوضع يتسم بالتعقيد. وأوضحت في حديث إلى DW أنه مع بدء القتال، كان الصراع بين الجيش وقوات الدعم منحصراً على السلطة، لكن "الآن أصبح التحزب أمراً مقلقاً. لقد اتسع خط المواجهة".
وأضافت: "هذا الوضع دفع الجيش والدعم السريع إلى تجنيد عناصر جديدة والاستعانة بمصادر خارجية خاصة قوات الدعم التي عمدت إلى تجنيد عناصر جديدة بشكل سريع، ومن المحتمل أن هذه العناصر لم تخضع لتدريب حقيقي". وتابعت: "هذا الوضع يضعف منظومة الإدارة والسيطرة التي تصدر الأوامر، خاصة إذا شككت هذه العناصر في السلطة المحلية لقوات الدعم السريع". وشددت على وجود علامات ترجح أنطرفي القتال لم يعدا يسيطران بشكل كامل على قواتهما في البلاد.
ومع تفاقم الوضع الإنساني، دعا صلاح آدم، أحد سكان مخيم أبو شوك للنازحين وعضو في مبادرة "غرف الطوارئ"، المنظمات الإنسانية والنشطاء الحقوقيين "إلى اتخاذ إجراءات فورية لإنقاذ سكان الفاشر". وقال "إذا لم يتغير شيء، فإن الأمل في تحسن الوضع سوف يتلاشى إلى الأبد".
أعده للعربية: محمد فرحان
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.