ألقت الأزمة الاقتصادية الطاحنة وجائحة كورونا بظلالها الثقيلة على ملاهي بيروت الليلية إذ أوصدت الكثير منها أبوابها. بيد أن المدينة بحاجة إلى الحفلات أكثر من أي وقت مضى، فعسى ولعل تخفف من الضغوط النفسية على المواطنين.
إعلان
على مر العقود، ظلت بيروت قبلة عشاق ومحبي الحياة الليلية ليس فقط في لبنان وإنما في سائر بلدان الشرق الأوسط حيث كان يُطلق على بيروت "باريس الشرق" إذ تستقطب ملاهي المدينة محبي السهر من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية. وتقول ريا التي تعمل كمنسقة موسيقى "كان يأتي إلى بيروت نهاية كل أسبوع اثنان أو ثلاثة فنانين عالميين مشهورين للعزف. كانت أجور الفنانيين تصل إلى ما يزيد عن 100 ألف دولار. حيث كانت بيروت تتنافس مع أشهر أماكن السهر والحفلات في دبي لاستقطاب أكبر الأسماء".
بيد أنه ومنذ الأزمة السياسية والاقتصادية التي بدأت شرارتها عام 2019، أصبح كاهل سكان بيروت مثقلا بالمتاعب المالية خاصة مع خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمائة من قيمتها خلال عامين. مما دفع ثلاثة أرباع سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 6,7 مليون نسمة إلى براثن الفقر. وما زاد الطين بلة أن هذه الأزمة المالية رافقتها حالة من عدم الاستقرار السياسي. ولم تكن الحياة الليلية في بيروت في منأى عن هذا الكم الكبير من الأزمات رغم أن أصحاب الملاهي الليلية والعاملين فيها حاولوا إبقاء هذا القطاع على قيد الحياة وإن كان بشق الأنفس. وفي هذا السياق، يقول رائد الحلبي، مدير Ballroom Blitz أو "بال روم بليتز" وهو أحد النوادي الليلية التي لا تزال تستقبل عشاق السهر في بيروت، إن "الذهاب (إلى الملاهي الليلية) يعد المتنفس الوحيد بعيدا عن التفكير في أباطرة (السياسة والمال) وعن التفكير في تفاقم الأمور يوما بعد يوم".
فرصة لرعاية المواهب اللبنانية
يعد الملهي الذي يديره الحلبي واحدا من ملهيين ليليين يعتمدان على الموسيقى الإلكترونية ونجا من الإغلاق بسبب الأزمة المالية التي لا تزال تعصف بالبلاد منذ سنوات فيما تضرر ملهيان آخران هما "ذا غاردن" و "غراند فاكتوري" جراء تفجير مرفأ بيروت العام الماضي، ما أدى إلى إغلاقهما منذ التفجير. وتعليقا على العصر الذهبي للملاهي الليلية في بيروت قبل الأزمات الحالية، يقول رائد الحلبي إن الملهي الذي يديره كان بمقدوره في الماضي جلب عدد من الأسماء الكبيرة في عالم الموسيقى من أجل "تقديم أصوات جديدة للجمهور اللبناني". لكنه يضيف بأنه وبسبب انهيار الليرة لم يعد الملهى قادرا على دفع أجور مثل هؤلاء الفنانيين. وفى الوقت الذي كان فيه هذا الأمر بمثابة نقمة للقائمين ورواد الحياة الليلية في بيروت، كان بمثابة نعمة للموسيقين اللبنانيين الشباب، إذ عاد ملهى "بال روم بليتز" إلى ما كان عليه في أول الأمر معهدا ثقافيا وتلقى مؤخرا تمويلا من الصندوق العربي للفنون والثقافة الذي مقره في بيروت لدعم منسقي الموسيقى والمنتجين المحليين. وفي هذا السياق، يقول الحلبي "لدينا فجوة، إذ لا ليس بمقدورنا استقدام المواهب من الخارج. لذلك من المهم للغاية التعاون والعمل مع المواهب اللبنانية".
الأجانب وحدهم قادرون!
ومع تخفيف قيود كورونا، أعادت بعض الملاهي الليلية فتح أبوابها، بيد أن التكاليف أصبحت باهظة الثمن حتى مع استثناء استقدام فنانين دوليين. وفي ظل انهيار سعر الليرة ، أصبح الطلاب الأجانب والعاملون مع منظمات غير حكومية ممن يتقاضون رواتبهم بالدولار من بين القلة التي تستطيع دفع سعر الدخول إلى الملاهي الليلية، وفقا لما ذكرته ميرا باربرا، وهي منسقة موسيقى مقيمة في بيروت وتشتهر باسم Duchesse. أما إيلي عون، وهو منسق آخر للموسيقى، فقال إن هذا الأمر أدى إلى إحياء الحفلات التي تقام في المنازل حيث أنها توفر بديلا أرخص للأشخاص الذين يعانون من صعوبات مالية. ومن أجل مساعدة الناس الذين باتوا في أتون الأزمة المالية وجائحة كورونا، قام ملهي "بال روم بليتز" بتنظيم مشروع خيري أُطلق عليه اسم " The Great Oven" من أجل تقديم مواد غذائية للأسر الفقيرة.
لا بديل عن الرحيل
وفي الوقت الذي استطاعت فيه بعض الملاهي الليلية إيجاد حلول، لم يستطع كثير منها التغلب على التحديات الناجمة عن حالة عدم الاستقرار في لبنان. ففي الوقت الذي لجأ بعض منسقي الموسيقى أو (دي جي) إلى العمل في حفلات الزفاف، اضطر المشاهير منهم إلى شد الرحال عن لبنان. وفي ذلك، تقول ريا التي تعمل منسقة موسيقى إن "العديد من منسقي الموسيقى انتقلوا إلى دبي أو مصر، فيما حصل آخرون على ما بين 5 إلى 9 فرص عمل في بلدان عربية أخرى". ويعد ليو أحدث منسق موسيقى يرغب في الرحيل عن لبنان، ويقول "في أوروبا ، يمكن التفكير في الخطوات المستقبلية. وفي أوروبا سأكون قادرا على التخطيط للمستقبل". وريا هي الأخرى تفكر في الرحيل إذ تشعر أن إنتاج موسيقي في بيروت سيكون مؤلما ومكلفا خاصة بعد أن آتى تفجير المرفأ على الاستديو الذي كانت تمتلكه. وتقول إنها حاولت تنظيم حفل قبل بضعة أشهر، غير أن الأمر توقف بسبب إحراق المتظاهرين لإطارات السيارات وقطع الطرق فضلا عن نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي.
وتؤكد ريا على ضرورة تضامن وتضافر المجتمع في لبنان البلد الذي يعاني الكثير من الانقسامات. وكانت أعمال العنف التي اندلعت في 14 من أكتوبر/ تشرين الأول وأسفرت عن مقتل ستة أشخاص، مما أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الأهلية المريرةالتي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وعلى وقع كل هذا، لم يعد رائد الحلبي- مدير "بال روم بليتز" – يرمي إلى كسب المال "لأنه لم يعد هناك في بيروت مال"، على حد وصفه. لكنه يرغب في إبقاء الملهي الذي يديره مفتوحا بسبب حبه للمكان، ولأن "هذا المكان كان ملتقى الكثيرين وجلب سائحين إلى لبنان".
كيت مارتر / م ع
في صور.. عام على جراح لم تندمل لدى اللبنانيين!
تحل الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروع وجراح اللبنانيين لم تندمل. انهيار اقتصادي متسارع فاقمته تداعيات مأساة المرفأ وتفشي فيروس كورونا، فيما تعجز القوى السياسية على التوافق وتشكيل حكومة تضمد جراح لبنان.
صورة من: Reuters/A. Taher
شرارة الاحتجاجات
إعلان الحكومة اللبنانية أواخر عام 2019 عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب، فجّرغضب لبنانيين لمسوا قبل أسابيع مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، أبرز ملامحها كان انهيار سعر الليرة وأزمة الخبز فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار ورغبتهم في إسقاط النظام. من هنا انطلقت شرارة الإحتجاجات مع توالي الأزمات على اللبنانيين، أسوؤها انفجار مرفأ بيروت.
صورة من: Marwan Bou Haidar/Zuma/picture alliance
استقالة حكومة الحريري
على الرغم من تراجع حكومة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، استمرت الاحتجاجات الشعبية. وخلال أيام بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد مطالبين برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة. على وقع غضب الشارع، استقالت حكومة سعد الحريري في 2019.
صورة من: Imago-Images/ITAR-TASS
أزمة كورونا
في فبراير/ شباط 2020، سجل لبنان أول إصابة بفيروس كورونا. وتراكمت الأعباء تدريجياً على القطاع الصحي الذي أنهكه الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه البلاد. وفي طل غياب الخطط الحكومية للتعامل مع الفيروس وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية بدأ الوضع الوبائي للبلاد يتخذ منحنى أكثر سوءاً مع تفشي المتحور دلتا.
صورة من: Emma Freiha/Reuters
فشل حكومة دياب
في السابع من مارس/ آذار 2020 أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب عن خطة إنعاش اقتصادي في لبنان وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. بعد نحو أسبوعين انطلقت المفاوضات بين الطرفين، إلا أنها توقفت في صيف 2020 بعد عدة جلسات جراء خلافات بين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم.
صورة من: Getty Images/AFP
انفجار مرفأ بيروت
في الرابع من أغسطس / آب 2020، دوى انفجار ضخم في بيروت دمر أحياء فيها وقتل أكثر من مئتي شخص. بعد ساعات قليلة على وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى كميات ضخمة من مادة نترات الأمونيوم مخزنة في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت منذ عام 2014. ألحق الانفجار، الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، دماراً ضخماً في المرفأ والأحياء القريبة منه، وأسفر عن مقتل 214 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.
صورة من: Ahmad Terro/picture alliance
الانفجار يفاقم مآسي لبنان!
شكل الانفجار صدمة غير مسبوقة لللبنانيين، الذين أنهكتهم الأزمات المتتالية. بدأ سكان بيروت في اليوم التالي يبحثون عن المفقودين ويتفقدون منازلهم وأبنيتهم المتضررة، فيما انهمك عمال الإغاثة بالبحث عن ناجين محتملين تحت الأنقاض. ووصف محافظ بيروت مروان عبود وقتها الوقع بأنه "كارثي". وأعلنت حالة الطوارئ وبدأت المساعدة الدولية تتدفق إلى البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani
ماكرون يمدّ يد الإنقاذ
في السادس من أغسطس/ آب زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت حيث تفقد المرفأ والأحياء المتضررة وسط حشد من اللبنانيين الغاضبين على طبقة سياسية متهمة بالفساد وسوء الإدارة. في ختام زيارته، دعا إلى "تغيير" في النظام. ثم رعى مؤتمراً دولياً لدعم لبنان، تعهد خلاله المجتمع الدولي بتقديم مساعدة طارئة بقيمة نحو 300 مليون دولار، على ألا تمر عبر مؤسسات الدولة.
صورة من: Reuters/G. Fuentes
استقالة حكومة دياب
في الثامن من أغسطس/ آب، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين حمّلوهم مسؤولية مأساة انفجار مرفأ بيروت. وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاطي. وأعلن عدة وزراء تباعاً استقالتهم، إلى أن أعلن رئيس الحكومة حسان دياب في العاشر من آب/أغسطس استقالة حكومته.
صورة من: Reuters/H. Mckay
أزمة تليها أخرى!
على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما ارتفعت أسعار المواد والبضائع كافة، حتى أن أسعار مواد غذائية أساسية ارتفعت بأكثر من 70 في المئة خلال عامين. كما تشهد البلاد منذ أسابيع أزمة وقود وشحاً في الدواء وتقنيناً شديداً في الكهرباء يصل الى 22 ساعة.
صورة من: Reuters/A. Konstantinidis
إجهاض تشكيل حكومة جديدة
بعد تسعة اشهر من تكليفه، اعتذر سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة بعدما حالت الخلافات السياسية الحادة مع رئيس الجمهورية دون إتمامه المهمة وتم تكليف نجيب ميقاتي الذي ترأس حكومتين في 2005 و2011، بتشكيل حكومة جديدة. عادة ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية. لكن الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا، عوامل تجعل تشكيلها أمراً ملحاً.
صورة من: Dalati Nohra/Lebanese Official Government/AP Photo/picture alliance
الدعم مقابل الاستقرار السياسي
منذ عام كامل، لم يعلن القضاء اللبناني عن تحقيق أي تقدّم في التحقيق بشأن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم المخزنة منذ سنوات في مرفأ بيروت من دون أي إجراءات وقاية. كما لا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، فيما يشترط المجتمع الدولي تسريع تشكيل حكومة تباشر بتنفيذ إصلاحات ملحة، مقابل تقديم الدعم المالي للبنان.
صورة من: Aziz Taher/REUTERS
لبنان في ذكرى أسوأ أزماته
في الذكرى الأولى لإنفجار مرفأ بيروت، ينظم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرا دوليا من أجل مساعدة لبنان، وهو الثالث بالتعاون مع الأمم المتحدة. تسعى باريس من خلال هذا المؤتمر إلى جمع مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 350 مليون دولار من أجل شعب لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، كما صنفها البنك الدولي. فهل تندمل جراح لبنان قريباً؟ إعداد: إيمان ملوك