1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ما مصير مشروعات مصر العملاقة في ظل الأزمة الاقتصادية؟

١٢ فبراير ٢٠٢٣

تعاني مصر، مثل دول كثيرة، من أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع معدلات التضخم وتدني قيمة الجنيه، فكيف سيؤثر ذلك على المشروعات العملاقة مثل "العاصمة الإدارية الجديدة" خاصة مع تكهنات عن ربط دول الخليج مساعداتها للقاهرة بشروط؟

تقول الحكومة المصرية إن العاصمة الإدارية الجديدة مصممة لاستيعاب ستة ملايين ونصف مليون نسمة
تقول الحكومة المصرية إن العاصمة الإدارية الجديدة مصممة لاستيعاب ستة ملايين ونصف مليون نسمةصورة من: picture-alliance/dpa/Matthias Toedt

في طريقه من منزله بمنطقة "حدائق الأهرام" غرب القاهرة إلى العمل في حي "التجمع الخامس" الراقي شرق القاهرة، يرصد المحاسب أحمد على نحو شبه يومي أعمال التشييد والبناء لتنفيذ "المشروعات العملاقة" التي تقوم بها الحكومة المصرية منذ سنوات.

وفي مقابلة مع DW عربية، قال أحمد – الذي طلب عدم الكشف عن هويته – "بالتأكيد هذه مشروعات هامة إذا كانت لها دراسة جدوى للاستفادة منها وفي هذه الحالة سيكون لها تأثير قوي على الاقتصاد المصري مستقبلا، إلا اني اختلف مع الحكومة في ترتيب الأولويات".

وأضاف "أعتقد أن العاصمة الإدارية الجديدة مشروع هام إلا أنه كان من الأفضل تأجيله وتقديم المبالغ التي تم صرفها عليه لأمور أجدها ذات أهمية أكبر من وجهة نظري الشخصية مثل الاستثمار في الزراعة والصناعة وبناء المصانع".

ويعد مشروع "العاصمة الإدارية الجديدة" أحد المشاريع العملاقة التي شرعت الحكومة المصرية في بنائها والتي شملت أيضا  توسيع قناة السويس وشق طرق واسعة النطاق مما دفع الحكومة إلى إنفاق عشرات المليارات من الدولارات لتنفيذها.

ويرى عمرو عادلي، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن هذه المشروعات العملاقة كان لها "الأثر الإيجابي في رفع معدلات النمو والتشغيل بعد التباطؤ الاقتصادي بين عامي 2011 و2015 مما أدى إلى رفع معدلات الاستثمار".

لكن عادلي، مؤلف كتاب "الرأسمالية المهشمة: الأصول الاجتماعية لفشل بناء السوق في مصر"، قال في مقابلة مع DW عربية إن المشكلة أن جُل هذه المشروعات كان في "قطاعات غير تجارية مثل التشييد والبناء".

وأضاف "هذه قطاعات لا تسهم بشكل مباشر لا في زيادة الصادرات ولا في تخفيض الواردات، وهو ما انعكس على استمرار العجز في الميزان الجاري دون تغيير كبير منذ تبني برنامج صندوق النقد في نهاية 2016".

بدأت الحكومة المصرية منذ عام 2014 تنفيذ مشاريع قومية وعملاقةصورة من: picture-alliance/AP Photo/N. El-Mofty

قرارات اقتصادية أم سياسية؟

ومنذ بدء مصر في تنفيذ المشروعات العملاقة عام 2015، ما زال الجدل داخل المجتمع حيالها إذ يرى أنصار الرئيس  عبد الفتاح السيسي  أن هذه المشروعات تخلق فرص عمل جديدة وتعالج نواقص البنية التحتية وستقضي على الفوضى العمرانية والازدحام خاصة في القاهرة، التي هي واحدة من أكثر العواصم ازدحاما بتعداد سكاني يتجاوز عتبة الـ 20 مليون نسمة.

بيد أنه في المقابل، يشكك المنتقدون في جدوى هذه المشاريع العملاقة وسط تساؤلات حيال سبب ضخ الحكومة  عشرات المليارات من الدولارات  في هكذا مشاريع في وقت تكافح فيه مصر لاحتواء عبء ديونها وتوفير الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم لتعداد سكاني يبلغ أكثر من مئة مليون نسمة.

بدوره، يرى تيموثي قلدس، زميل السياسات في "معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط" ومقره الولايات المتحدة، أن القرار وراء تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية "سياسي أكثر من كونه قرارا اقتصاديا."

 

وفي مقابلة مع DW عربية، قال "تم إطلاق العاصمة الإدارية الجديدة التي ستتكلف حوالي 50 مليار دولار قبل فترة وجيزة من لجوء مصر إلى  صندوق النقد الدولي  للحصول على خطة إنقاذ طارئة."

وأضاف "شرعت الحكومة بعد ذلك في بناء أطول برج في إفريقيا في العاصمة الإدارية الجديدة بالإضافة إلى مشروع المونوريل (خط قطار كهربائي أحادي الخط)، الذي سيكون أطول خطوط المونوريل في العالم وكلاهما يفتقدان المنطق الاقتصادي نظرا لبناء المشروع في منطقة صحراوية مترامية الأطراف".

وتتفق في هذا الرأي كريستين سميث ديوان، الباحثة البارزة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.

وقالت في مقابلة مع DW عربية "أعطت (الحكومة المصرية) الأولوية للعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشاريع الحضرية ذات الصلة رغم الانتقادات والضغوط على موارد البلاد المالية".

السيسي يدافع عن سياسته

وفي أواخر يناير / كانون الثاني الماضي، دافع السيسي عن المشروعات العملاقة حيث أكد أنها ليست السبب وراء الاضطرابات الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وتسارع التضخم.

 وخلال الاحتفال بيوم الشرطة الذي يوافق 25 يناير / كانون الثاني ذكرى انطلاق  ثورة يناير  التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك  في 2011، تحدث السيسي عن الاستثمارات التي جرى ضخها في شبكة الكهرباء في بداية حكمه والتي نتج عنها فائض كبير في الطاقة.

فقد الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس/ آذارصورة من: Fayed El-Geziry/NurPhoto/picture alliance

وقال السيسي "هل كان ممكن النهاردة واحنا كان عندنا أزمة كهرباء إنه ما يتمش عمل التطوير للبنية الأساسية في الكهرباء علشان تجابه الطلب وأيضا التنمية اللي بنستهدفها؟..الخلاصة اللي أنا عايز أقولها إنه ما كنش عندنا ترف أو سوء تقدير في الموضوع".

ما مصير المشروعات العملاقة؟

بالتزامن مع إنجاز مصر عدة مشاريع كبرى في البنية التحتية والتنمية، واجه الاقتصاد المصري الكثير من الضغوط بداية مع تحديات جائحة كورونا ثم تداعيات حرب أوكرانيا وتخفيض سعر الجنيه مقابل الدولار.

ويعتقد عمرو عادلي، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن الأزمة الاقتصادية سوف تلقي بظلالها على مسار تنفيذ المشروعات العملاقة.

وقال "أعتقد أن الأزمة الاقتصادية الحالية ستؤثر في الأغلب على الاستمرار في هذه المشروعات خاصة تلك التي تعتمد على مكون دولاري في صورة معدات أو تكنولوجيا مستوردة أو معتمدة على ائتمان خارجي للتنفيذ".

وأضاف "حتى المشروعات الأخرى غير المرتبطة ارتباطا مباشرا بالاستيراد مثل البناء والتشييد قد لا تتعرض لنفس الضغط المباشر، لكنها بالتأكيد ستعاني من ارتفاع التضخم ما قد يدفعها للركود، وبالتالي تضعف قدرة الدولة على مواصلة تمويل مشروعات البنية الأساسية المرتبطة بها."

 وأصدرت الحكومة الشهر المنصرم أمرا بتأجيل المشروعات التي تحتوي على مكون كبير من العملات الأجنبية وخفض الإنفاق غير الضروري فيما تعهدت في خطاب نوايا صادر بتاريخ 30 نوفمبر / تشرين الثاني للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة بما في ذلك المشروعات القومية وذلك للحد من الضغوط على سوق الصرف الأجنبي والتضخم.

وفي ذات السياق، يعتقد تيموثي قلدس، زميل السياسات في "معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسطومقره الولايات المتحدة، أن إصرار صندوق النقد الدولي على "كبح جماح الإنفاق على المشاريع العملاقة" يحمل انتقادات ضمنية لأسلوب الحكومة المصرية السابق في تحقيق النمو.

وأضاف "يوضح برنامج صندوق النقد الدولي أن الإنفاق المستقبلي على  المشاريع الكبيرة  يحتاج إلى التبرير الاقتصادي، مما يرسل إشارة واضحة مفادها أن المشاريع السابقة كانت غير سليمة اقتصاديا وغير مبررة وذلك وفقا لتقييم صندوق النقد الدولي".

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن المشروعات العملاقة التي نفذت ليست الاضطرابات الاقتصادية في البلادصورة من: Soeren Stache/dpa/picture alliance

 

من جانبها، تؤكد الحكومة المصرية أن المشروعات العملاقة غير منحصرة في مشاريع البُنى التحتية، إذ تقول إنها ترمي إلى زيادة الرقعة الزراعية من خلال مشروعي "المليون ونصف فدان" و"الدلتا الجديدة" فضلا عن مشروع لبناء صوامع من أجل تخزين القمح حيث تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.

وفي منتصف العام الماضي، أبرمت  شركة سيمنز الألمانية اتفاقا مع الحكومة المصرية على بناء شبكة سكك حديدية  للقطارات فائقة السرعة بطول ألفي كيلومتر من المتوقع أن تكون سادس أكبر نظام للسكك الحديدية عالية السرعة في العالم.

المشروعات العملاقة.. هل هي السبب؟

ويرى قلدس أن "الإنفاق الاستثنائي" على تنفيذ بعض المشاريع العملاقة "ساهم في أزمة الديون في مصر"، محذرا من أن الأمر "قد يعمق التحديات الاقتصادية في البلاد".

وقال إن "الفشل في استثمار أموال الدولة بشكل أكثر حكمة في المشاريع والبرامج التي يمكن أن تحسن الميزان التجاري لمصر جعل الأزمات المستقبلية أمرا لا مفر منه بشكل أساسي".

ووفقا لتقديرات البنك الدولي فإن ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين يعيشون تحت خط الفقر بينما ثلث آخر "معرّضون لأن يصبحوا فقراء".

وأفادت دراسة نشرت عام 2020 بأن متوسط الأجور في مصر يبلغ 69 ألف جنيه سنويا (2300 دولار) في معدل أعلى قليلا من خط الفقر الذي حدده البنك الدولي والذي يصل إلى 3,8 دولار يوميا.

وتزايدت متاعب الاقتصاد المصري مع بلوغ   عبء الديون مستويات قياسية خلال السنوات الماضية خاصة مع وصول الجنيه إلى أضعف مستوياته منذ تعويمه عام 2016.

المساعدات الخليجية... إلى متى؟

ويقول اقتصاديون إن مصر قد تكون في حاجة إلى "دعم خارجي إضافي" لخدمة الديون مع تزايد عجز الحساب الجاري وسط غموض حيال الخطوات التي سوف تقوم بها دول الخليج التي ما زالت الأكثر دعما لمصر حيث قدمت مساعدات في السابق للقاهرة في شكل ودائع ومنح وإمدادات طاقة فضلا عن ضخ استثمارات ضخمة.

شركة سيمنس عملاق الصناعة الألمانية ستنشئ أول شبكة سكك حديدية كهربائية في مصرصورة من: Siemens AG/dpa/picture alliance

بيد أن شكل المساعدات الخليجية لمصر قد لا يكون كسابق عهده، وفقا لما ذكرته كريستين سميث ديوان، الباحثة البارزة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.

وقالت "قامت دول الخليج مثل السعودية مؤخرا بتمديد شروط تقديم مساعدات لدعم مصر في تعزيز التمويل الخارجي، لكنها تقول أيضا إن المساعدات المستقبلية ستأتي بمزيد من الشروط."

وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد تحدث خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي في سويسرا في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي عن تغيير في النهج الذي دأبت عليه الرياض منذ عقود في تقديم مساعدات ومنح لبلدان عديدة في منطقة الشرق الأوسط لا سيما مصر ولبنان فيما كان معظم المساعدات في صورة منح مباشرة وودائع مصرفية غير مشروطة.

وقال الجدعان "إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات. نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهداً. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم".

محمد فرحان

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW