الأزمة في حزب جبهة التحرير مرآة للصراع حول خلافة بوتفليقة
٨ سبتمبر ٢٠١٣لم تنه تزكية عمار سعيداني أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني خلفا لعبد العزيز بلخادم الذي تم تنحيته مطلع العام الجاري، الأزمة التي تعصف بالحزب منذ سنوات، ولازال خصومه يتوعدونه بالقضاء وأعضاء في الحزب لإسقاط ما أصطلحوا على تسميته "المؤامرة على الحزب".
وصرح عمار سيعداني، رئيس المجلس الشعبي سابقا، عقب دخوله لمقر الحزب وتسلم مهام الأمانة العامة للحزب أنه سيعمل على توحيد الصفوف ورأب الصدع، مؤكدا على أن الذين يزرعون الفتنة والبلبلة في صفوف جبهة التحرير الوطني لا مكان لهم فيها. وبدا الأمين العام الجديد واثقا وغير قلق من خصومه الذين تقدموا بطعن بالاستئناف بغرض إلغاء نتائج دورة اللجنة المركزية التي خرج منها سعيداني قائدا جديدا للحزب.
حزب الصراعات
وبرأي المراقبين فإن الأزمة الحالية لحزب جبهة التحرير الوطني تفوق في خطورتها كل الأزمات السابقة التي عرفها الحزب، وأن الشرخ الحاصل هو امتداد لكل الأزمات السابقة، مما يجعل البحث عن أرضية توافق لحوار بين الفرقاء مستحيل في الوقت الراهن، وأن الانتخابات الرئاسية القادمة التي كانت من أهم أسباب الأزمة ستزيد من الهوة بين قطاع كبير من المناضلين والقيادة الحالية.
ويرى لزهر ماروك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن الوضع السياسي والتنظيمي في الحزب الحاكم وصل إلى مرحلة التعفن، وتحريك الأمور لحلحلة الأزمة كان مفروضا على وزارة الداخلية "لإنهاء المأزق الذي دخل فيه الحزب وأطراف في السلطة، لأن الحزب لازال الترمومتر(مقياس الحرارة) العالي الجودة لقياس موازين القوى داخل هرم السلطة".
ويعتقد الأستاذ ماروك بأن الصراع داخل حزب جبهة التحرير الوطني ظاهرة حيوية، ولا يمكن تصور استمرار الحزب دون صراعات، لذلك فالطرف الخاسر في هذه المعركة وما يمثله من ثقل تاريخي وسياسي لن يسكت على ما حدث في فندق الأوراسي بالعاصمة (انعقد فيه اجتماع الحزب)، وأنه سوف يبدأ حلقة صراعية أخرى للإطاحة بالخصوم حين تسنح الفرصة بذلك.
أزمة تموقع في خارطة السلطة
ويعتقد أحمد عظيمي أستاذ الاعلام بجامعة الجزائر أن حزب جبهة التحرير الوطني انتهى بعد الاستقلال مباشرة، ومنذ ذلك التاريخ وهو يستعمل كجهاز له وعاء انتخابي وقدرة كبيرة على التعبئة والتجنيد لمختلف المواعيد الانتخابية والقضايا الوطنية والدولية، ورموز وقيادات الحزب على اختلاف مرجعياتهم الفكرية مستعدون لتقديم أي شىء مقابل البقاء في حضيرة السلطة، وظاهرة صراع الأجنحة داخل الحزب.
وأوضح عظيمي أن "اللجوء إلى الأساليب المختلفة للإستقواء ليست جديدة فقد حدثت في إزاحة المرحوم عبد الحميد مهري، وبعده علي بن فليس والآن جماعة بلعياط، فالأزمات داخل حزب جبهة التحرير منذ الاستقلال هي أزمة أشخاص ومصالح، ولم تكن يوما إيديولوجية أو فكرية، بل هي صراعات تموقع داخل السلطة والحزب".
ويؤكد أحمد عظيمي بأن الصراع داخل جبهة التحرير يعكس الصراع في أعلى هرم السلطة. وأن التجربة تقول بأن من ينجح في معركة السيطرة على حزب السلطة يستطيع أن يحسم الانتخابات الرئاسية لصالحه.
وحول افرازت أزمة الحزب على المسار السياسي بالبلاد يقول عظيمي لـDW " بأن الصورة لم تتضح بعض، وأن حديث البعض عن وقوف شقيق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى جانب سعيداني لا يعني شيئا، وأن أعضاء اللجنة المركزية في الحزب يغيرون بسرعة وجهتهم للطرف الأقوى في أي لحظة، وهذا ما حدث مع سعيداني الذي كانت تدعمه أقلية لكن سرعان ما أصبحت أغلبية".
انتصار في انتظار الحسم
وفي قراءته لتزكية سعيداني أمينا عاما لحزب الأغلبية في البلاد، يرى الكاتب الصحفي عبدالعالي رزاقي، بأنه انتصار للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وجماعته، وأن خصومه سيتجهون إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي، لدعم مرشحهم في الانتخابات القادمة، ويضيف رزاقي لـ DW بأن الانتخابات الرئاسية القادمة ستعرف تنافسا بين حزبي السلطة (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي) وما يمثلانه لجناحي الحكم في البلاد على رئاسة البلاد في الدور الثاني، ما لم يحدث اتفاق ما في الايام القادمة.
غير أن أحمد عظيمي يرى بأن " الحديث عن انعكاس أزمة حزب جبهة التحرير على الانتخابات الرئاسية المقبلة لا يمكن التكهن بها في ظل الضبابية التي تسود المشهد السياسي الراهن، وما يريد الرئيس الحالي للجزائر، هل العهدة الرابعة أو التمديد أو توريث حكمه لأخيه أو يفكر في شخص آخر، والكثير من الأوراق لم تلعب بعد وفي انتظار الاسابيع القادمة التي قد تحمل الإجابات لكل الغموض الراهن".
بعيدا عن سيناريو 2004
ويذهب الكاتب الصحفي بجريدة الخبر، محمد شراق إلى إعتبار تولي سعداني لقيادة الحزب بدون مقاومة الخصوم، ينم على أن القرار بخصوص خيارات السلطة ازاء الانتخابات الرئاسية قد استقر وأن الانقسام داخل الحزب، اصبح لا معنى له حتى وان تمسكت جماعة بلعياط بحقها في الاستمرار في العدالة، ويضيف شراق لـDW ، وبأن جناح محيط بوتفليقة قد فاز بجهاز الحزب العتيد.
وأضاف الكاتب الصحفي "أن الاستمرار في المعارضة داخل الحزب أو توقيفها سيان" وأن الحزب لن يدخل منقسما إلى الرئاسيات القادمة، لأن خصوم سعيداني ليس لهم مرشح يوفر صفة الندية مع مرشح السلطة كما حدث مع بن فليس وبوتفليقة في رئاسيات 2004.
وحول دور الأمين العام الجديد للحزب يقول شراق"السيناريو المطروح الآن هو أن يزكي سعيداني تعديلات دستورية على المقاس، إما بالتمديد للرئيس أو الذهاب إلى عهدة رابعة مع استحداث منصب نائب الرئيس ينهل من بعض صلاحيات الرئيس طيلة العهدة الرئاسية المقبلة، وإذا حدث طارئ، فان نائب الرئيس موجود وهو الرئيس الفعلي للبلاد مستقبلا.