الأزمة مع كندا - رسالة سعودية لوقف الانتقادات الغربية؟
مريم مرغيش
٧ أغسطس ٢٠١٨
تتجه العلاقات السعودية الكندية نحو تصعيد غير مسبق. الأزمة بين البلدين تستلزم الوقوف عند رد الفعل السعودي على انتقاد ملف لطالما دُعيت الرياض لإصلاحه. فهل الرد السعودي رسالة للغرب عموما كي يوقف انتقاداته للمملكة؟
إعلان
قطع للعلاقات.. فمن المتضرر − السعودية أم كندا؟
01:53
تتجه الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا، على خلفية قضية حقوق الإنسان في المملكة، نحو التصعيد، خاصة أمام ردود فعل السعودية "السريعة" والتي شملت مجالات كثيرة.
وبدأت الأزمة حين نشرت السفارة الكندية بالرياض تغريدة لها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، تعبر فيها عن قلقها البالغ إزاء اعتقال نشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، ومن بينهم الناشطة سمر بدوي، كما طالبت بالإفراج الفوري عن جميع النشطاء السلميين في مجال حقوق الإنسان.
وردت الخارجية السعودية ببيان بعد أقل من ست ساعات، تؤكد فيه أن "الموقف السلبي والمستغرب من كندا يعد ادعاء غير صحيح جملة وتفصيلا، ومجافيا للحقيقة، ولم يبنَ على أية معلومات أو وقائع صحيحة، وأن إيقاف المذكورين تم من قِبل الجهة المختصة، وهي النيابة العامة، لاتهامهم بارتكاب جرائم توجب الإيقاف، وفقا للإجراءات النظامية المتبعة".
قرارات السعودية لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى إعلان عدم رغبتها في السفير الكندي داخل أراضيها وطالبته بمغادرة البلد مع إمهاله 24 ساعة لذلك، فضلا عن استدعاء سفيرها في كندا وتجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية، وإيقاف كل برامج التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا.
من جانبها، قالت الحكومة الكندية إنها ستظل دائما تدافع عن حماية حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة وحرية التعبير، وأنها تسعى لاستيضاح تصريحات سعودية عن تجميد التعاملات التجارية الجديدة. وقالت المتحدثة باسمها: إن كندا "قلقة بشدة" من الإجراءات التي اتخذتها السعودية.
"رد مبالغ فيه"
الخارجية السعودية اعتبرت رأي كندا تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمملكة، ورأت أنه يعدّ تجاوزا كبيرا على أنظمة الدولة والسلطة القضائية، وإخلالا بمبدأ السيادة، و"هجوما" يستوجب اتخاذ موقف حازم يردع كل من يحاول المساس بسيادتها، وفق بيانها.
في هذا الاتجاه، تحدث عضو مجلس الشورى سابقا والمحلل السياسي السعودي، محمد آل زلفة، لـDW عربية، مؤكدا أن كندا أخطأت في حق بلده، وقال: "لا يريد ولي العهد ولا السعودية تصعيد أي خلاف مع أي دولة كانت، ولكن حين يصل الأمر للتدخل السافر في الشؤون الداخلية للمملكة فهذا أمر طبيعي".
في المقابل اعتبر الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، غيدو شتاينبرغ، في تصريحه لـ DW، أن رد فعل ولي العهد السعودي مبالغ فيه. الخبير الألماني صرح بوجود احتمالين يفسران رد الفعل السعودي، أولهما أن محمد بن سلمان لا يحس بالأمان لدرجة أن وجد نفسه مضطرا للقيام بهذا الرد تجاه ما أعتبره نقدا غير ضار. أما بالنسبة للاحتمال الثاني، فقد ربط شتاينبرغ رد الفعل السعودي بتلقي النقد الغربي بشكل دائم. كما كشف على أنها رسالة تعني أن السعوديين لا يريدون سماع هذا النوع من الانتقادات مر أخرى.
ملف شائك؟
مراقبون كثر يرون في رد الفعل السعودي دليلا على أن ملف حقوق الإنسان يشكل مصدر إزعاج للبلد سواء تعلق الأمر بالسياسة الداخلية أو حتى الخارجية.
وفي الوقت الذي نددت فيه جهات كثيرة باعتقال السعودية لعدد من النشطاء منهم سمر بدوي، شقيقة المدون السعودي المسجون منذ 2012 رائف بدوي، رد المحلل السعودي أن بلده يقود أكبر حركة إصلاحية، كما أوضح أن "السعودية تعلن الحرب على أصحاب الفكر المتشدد والمتطرف الرافضين لهذه الإصلاحات". المتحدث نفسه أشار إلى استغراب السعودية من ردود فعل بعض الدول تجاه الإصلاحات، حسب تعبيره.
في الجهة الموازية، قال شتاينبرغ: "عادة هذا هو أسلوب الدكتاتوريات الأقل شهرة في العالم"، وأضاف: "لم تكن سياسة المملكة العربية السعودية أبداً على هذا النحو من قبل" وفق تصريحه.
وفي السياق نفسه، أوضح الخبير الألماني أن السعوديين لم يعودوا في حاجة إلى ربط علاقات بأوروبا أو كندا، وأن ولي العهد يتجه بشكل صريح نحو بناء علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية على عكس عهد الملك عبد الله الذي عمل على تنويع علاقات بلده الخارجية.
دبلوماسية على المحك!
الأزمات التي تعانيها السعودية في علاقاتها الخارجية تعرف تزايدا كبيرا، حسب ما ذكرته وسائل إعلامية أجنبية. ويُرجع البعض ضعف الدبلوماسية السعودية إلى "السياسة المتهورة" لمحمد بن سلمان الذي يميل نحو ترامب ويعتمد على تقديم اغراءات لاستمالة حلفائه والعمل على إسكات المتحدثين عن الملفات الشائكة بالبلد.
وبالرغم من أن آل زلفة نفى وجود علاقة بين الأزمة والشريك الأمريكي لبلده معتبرا إياها مجرد علاقة قائمة على مطالح مشتركة لا أكثر، يؤكد شتاينبرغ أنه من الممكن أن يكون ترامب نموذجا يتبعه بن سلمان، وأن لرد الفعل هذا بعد سياسي أيضا. وفي معرض تصريحه قال: "ترامب دعم السعودية بشدة، لاحظ ما فعله حين عزل قطر دون أي سبب يذكر"، وأضاف: "مجلس التعاون الخليجي ميت تقريبا، وقد هاجم اليمن بفضل دعم ترامب كما وجه انتقادات لإيران أيضا".
كندا ليست الوحيدة..
ويبدو أن هذه ليست المرة الأولى التي تتأزم فيها علاقات الرياض بدول أخرى، فقد حصل ذلك من قبل مع السويد وألمانيا، على خلفية ملف حقوق الانسان نفسه أو سياساتها في المنطقة. وإلى ذلك أشار شتاينبرغ إلى أنه من غير الممكن أن تصعد الرياض مع برلين بهذه الطريقة مثلا، وأن رغبة الرياض حاليا لا تتجاوز محاولة إيقاف النقد الغربي.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات السعودية الألمانية عرفت توترا هي الأخرى بسبب تصريحات لوزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل.
وكان غابرييل قد اتهم السعودية بشكل غير مباشر بانتهاج سياسة "المغامرة" في منطقة الشرق الأوسط. وعلى خلفية تورط السعودية في استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي تراجع عنها لاحقا، قال غابرييل في ذلك الحين: "إنه يتعين أن تكون هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا بأن روح المغامرة التي تتسع هناك منذ عدة أشهر لن تكون مقبولة ولن نسكت عنها".
مريم مرغيش
بالصور: قلق حول حقوق الإنسان في الدول العربية والعالم
تقرير منظمة العفو الدولية 2013 يعطي معلومات شاملة عن الأوضاع الحالية لحقوق الإنسان في 159 دولة. وقد شهدت الشهور الماضية في بعض الدول العربية العديد من التغييرات في ظل ما يعرف بالفترة الانتقالية، نستعرضها في هذه الصور.
صورة من: Reuters
السعودية: أوضاع صعبة لحقوق الإنسان
يسجل التقرير الدولي اعتقالات تعسفية دون محاكمة بحق منتقدي الحكومة وناشطين سياسيين، بعضهم يخضع لمحاكمة سريعة ليس فيها أي احترام لحقوق المدَّعى عليه. كما يسجل تمييز ضد الأقلية الشيعية في المناطق الشرقية. الحريات العامة تعاني كثيرا. أوضاع المرأة في السعودية استمرت على حالها. كذلك أوضاع العمال الأجانب سيئة في ظل عدم توفر حماية لهم من السلطات. مئات حكم عليهم بالإعدام. وجرى تنفيذ العقوبة بحق 79 شخصا.
صورة من: picture-alliance/dpa
البحرين: بعض الإصلاحات ولكن..
شهد العام الماضي استمرار التعدي على المتظاهرين. ورغم أن الحكومة قامت ببعض الإصلاحات بناء على توصيات لجنة التحقيق المستقلة بانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنها أهملت أهم توصية قدمتها اللجنة وهي: تقديم المسؤولين عن الانتهاكات للمحاكمة. هناك العديد من المعتقلين القابعين في السجون، والسجناء السياسيين. كما سجل التقرير حالات تعذيب من قبل الشرطة لمعتقلين.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر في ظل حكم الإخوان
في مصر، التي تولى فيها محمد مرسي الرئاسة في يونيو/ حزيران 2012 خلفا للمجلس العسكري، قتل 28 متظاهرا على الأقل على يد قوات الأمن في القاهرة والسويس. كما لوحظ تسجيل عنف وتعذيب للمعتقلين، وكذلك ملاحقات قضائية ضد صحفيين وناشطين بتهمة إهانة الرئيس. التمييز ضد المرأة مستمر، وكذلك التمييز ضد الأقليات الدينية. 91 شخصا حكم عليهم بالإعدام. لا توجد معلومات حول ما إذا نفذت تلك الأحكام.
صورة من: Reuters
العراق: انتهاكات مستمرة
اعتقال آلاف الأشخاص وإعدام المئات بتهم تتعلق بالإرهاب بعد محاكمات غير نزيهة. التعذيب وصور أخرى للانتهاكات ضد المعتقلين كانت أمرا يوميا. فيما تم إطلاق سراح المسؤولين عن قضايا التعذيب. 129 شخصا على الأقل أعدموا، بينهم 3 نساء. جماعات مسلحة تقاتل ضد الحكومة مسؤولة عن انتهكات لحقوق الإنسان أيضا، فقد قامت بهجمات انتحارية أسفرت عن مصرع مئات المدنيين. وسُجلت الكثير من الانتهاكات ضد الصحافيين.
صورة من: Getty Images
اليمن: تحسن في حالة حقوق الإنسان
أشار تقرير منظمة العفو إلى تحسن الحالة العامة لأوضاع حقوق الإنسان في اليمن، ورغم ذلك بقي مصير الأشخاص الذين اعتقلوا أو فقدوا خلال عام 2011 غير معروف. وأعطى قانون خاص الحصانة للمسؤلين عن انتهاكات خطيرة خلال فترة حكم الرئيس صالح. معظم حالات القتل التي تعرض لها متظاهرون خلال عامي 2011 و 2012 بقيت دون ملاحقة قضائية. وأشار التقرير إلى استمرار التمييز ضد النساء والبنات بموجب القانون وفي الحياة اليومية.
صورة من: Reuters
سوريا: جرائم ضد الإنسانية...
النزاع المسلح في سوريا، رافقته جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية من طرفي النزاع. ويؤكد التقرير أن القسم الأكبر من هذه الجرائم نفذته القوات الحكومية، كالهجمات العشوائية على المناطق السكنية باستخدام الطيران والمدفعية والقنابل العنقودية. التعذيب والانتهاكات الجسيمة أمر يومي. ووفقا لتقارير المنظمة فإن 550 شخصا على الأقل لقوا حتفهم في المعتقلات بسبب التعذيب. كما جرى استهداف الطواقم الطبية التي تسعف الجرحى.
صورة من: AP
... ومأساة لاجئين
الوضع الإنساني في سوريا مأساوي. مئات الآلاف فروا من بيوتهم. وقدرت الأمم المتحدة عدد الفارين خلال عام 2012 فقط بحوالي مليوني شخص. أوضاع النازحين داخل سوريا صعبة للغاية مع صعوبات في إغاثتهم. وكذلك أرقام اللاجئين إلى دول الجوار تتصاعد، مع تحذيرات من حصول كارثة إنسانية.
صورة من: Reuters
الأردن: تضييق على الإعلام وحرية الرأي
تصدت قوات الأمن بعنف لاحتجاجات اندلعت في البلاد وجرى اعتقال المئات. مع تواصل التضييق الشديد على حرية التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات والأحزاب، إضافة للتضييق على الإعلام الإلكتروني. وهناك تقارير عن التعذيب وأشكال أخرى من قمع المعتقلين. واعتقالات تعسفية لمئات وربما لآلاف الأشخاص. 10 نساء على الأقل جرى قتلهن تحت ما يسمى "جرائم الشرف". وجرى إعادة عدد من اللاجئين السوريين إلى بلدهم رغما عنهم.
صورة من: picture-alliance/dpa
ليبيا: مرحلة انتقالية مليئة بالانتهاكات
ارتكبت ميليشيات مسلحة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كالاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل، وبقيت تلك الجماعات دون محاكمة. استمرار الاعتقال التعسفي دون محاكمة لآلاف من أنصار نظام معمر القذافي الذي أطيح به في عام 2011. عشرات الآلاف ممن يعتبرون مناصرين للقذافي والذين غادروا ديارهم عام 2011، مازالوا حتى الآن ملاحقين وتتهددهم إجراءات انتقامية. كما سجلت انتهاكات بحق أجانب بدون إقامة شرعية.
صورة من: DW
لبنان: تمييز بحق اللاجئين
تقارير عن تعذيب وانتهاكات أخرى بحق سجناء. وتواصل التمييز بحق اللاجئين الفلسطينيين سواء في سوق العمل أو في المؤسسات التعليمية والمرافق الصحية، وحتى الحصول على مسكن ملائم. سوء معاملات العمال الأجانب من أرباب العمل وأحيانا من قوات الأمن. الكثير من اللاجئين وطالبي اللجوء - جزء كبير منهم فر من الجارة سوريا - وجدوا أنفسهم رهن الاعتقال التعسفي. 170 ألف شخص على الأقل فروا من سوريا إلى لبنان.
صورة من: dapd
تونس: قوانين قديمة تلاحق النشطاء
لوحق العديد من الأشخاص بتهم جنائية وفقا لقوانين أصدرها النظام السابق ولم يتم تعديل تلك القوانين. هناك تقارير عن استخدام قوات الأمن للعنف بحق متظاهرين وتعذيبهم . ذوو ضحايا مظاهرات 2011 التي أسقطت الرئيس زين العابدين بن علي، استمروا في عام 2012 بالمطالبة بالعدالة ومحاكمة الجناة. كما سجلت منظمة العفو الدولية تضييقا على حرية التعبير.
صورة من: dapd
ألمانيا: بعض المعاناة لدى طالبي اللجوء
لم تشكل السلطات جهة مستقلة لتلقي الشكاوى. كما أن الهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب مازالت لا تتلقى الدعم المالي الكافي من الحكومة. العديد من طالبي اللجوء أعادتهم السلطات الألمانية إلى بلدانهم الأصلية، رغم التهديدات التي تنتظرهم هناك. كما صدر حكم قضائي في ولاية راينلاند- بفالتس، أدان موظفي الشرطة الاتحادية بخرق المبدأ الدستوري الذي يحرم التمييز.
صورة من: picture-alliance/dpa
إيران: معاناة الناشطين ومنعهم من السفر
تواصل التضييق الشديد على حرية التعبير وحرية التجمع في إيران. مع وجود تمييز ضد الأقليات الدينية. وأشار التقرير إلى اعتقال وتعذيب المئات من المعارضين وناشطي حقوق الإنسان والمناضلين من أجل حقوق الأقليات والنساء المدافعات عن حقوق المرأة، وبعدها حوكموا في ظل إجراءات قضائية سريعة وغير عادلة لتصدر بحقهم أحكام تعسفية بالسجن والمنع من السفر إلى الخارج.
صورة من: MEHR
إسرائيل: حصار واعتقالات مستمرة
في عام 2012 كان عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يزيد على 4500. حصار قطاع غزة المستمر منذ سنوات لازال يؤثر بشكل بالغ على حياة 1.6 مليون إنسان يسكنون القطاع. في نوفمبر/ تشرين الثاني ضربت إسرائيل جماعات فلسطينية مسلحة في غزة أطلقت صواريخ على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 150 فلسطينيا و6 إسرائيليين. معظم الضحايا من المدنيين. وفي الصورة حالة حزن على موت المعتقل عرفات جرادات.
صورة من: Hazem Bader/AFP/Getty Images
الولايات المتحدة: إجراءات مكافحة الإرهاب تثير القلق
في عام 2012 جرى إعدام 43 رجلا. هناك ظروف سجن سيئة تدعو للقلق. في معتقل غوانتانامو مازال هناك عدد من المعتقلين. وكذلك التقارير المستمرة عن استخدام الشرطة العنف داخل أمريكا. وتشير المنظمة إلى أن إجراءات مكافحة الإرهاب خارج الولايات المتحدة مقلقة.