التزم الرئيس السوري بشار الأسد الصمت "ضمنيا" حيال ضربات إسرائيل الأخيرة في إيران، لكن هل يمكن أن تدفعه طهران، الحليف الوثيق، إلى فتح جبهة جديدة في الصراع؟ خبراء يرون أن الأيام القادمة "قد تكون الأكثر تعقيدا" لنظامه.
إعلان
جاءت الضربات التي شنتها إسرائيل على إيران الأسبوع الماضي، جزءا من تصعيد أوسع منذ اندلاع حرب غزة العام الماضي، لكن الهجوم يرمي أيضا إلى تعطيل أنظمة الدفاع الجوي والرادار في سوريا التي قد تستخدم لتحذير إيران من أي هجمات جوية.
ونفذت بقية الطائرات الإسرائيلية الهجوم على أهداف إيرانية بالتحليق فوق أجواء سوريا و العراق الذي تقدم بمذكرة احتجاج رسمية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تدين انتهاك إسرائيل "الصارخ" لأجوائه في هجومها على إيران، وفق بيان الخارجية العراقية.
وعلى وقع الهجوم، سارعت دول مجاورة مثل الأردن و السعودية إلى التأكيد على أن الطائرات الإسرائيلية لم تمر فوق أجوائها في محاولة ضمنية للنأي بنفسها عن أي إشارة قد تُفهم على أنها تساعد إسرائيل. وتخشى الإمارات والسعودية الانجرار إلى الصراع، إذ حاولتا في السابق طمأنة إيران بأنهما لن تكون لهما أي علاقة بأي عمل عسكري إسرائيلي ضدها.
ويقول مراقبون إن الرئيس السوري بشار الأسد يواجه ضغوط هائلة. وفي ذلك، قالت الخبيرة المستقلة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس، إن الأيام المقبلة "قد تكون الأكثر تعقيدا بالنسبة لنظام الأسد."
وفي مقابلة مع DW، أضافت أن "سوريا تقف بين شقي رحى إيران وإسرائيل. كحليف لإيران، يجد الأسد نفسه مضطرا إلى استخدام كل أوراقه الاستراتيجية لحماية أمنه القومي ومصالحه الإقليمية، وأيضا يواجه الأسد حكومة إسرائيلية تريد إعادة رسم خطوط النفوذ في الشرق الأوسط وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني".
هل توسع اسرائيل معركتها ضد إيران إلى سوريا؟
23:03
التحالف "التاريخي" بين إيران وسوريا
يعود التحالف بين سوريا وإيران إلى ثمانينيات القرن الماضي، إذ تعد دمشق من أكثر الحلفاء العرب لطهران منذ الحرب العراقية-الإيرانية. ومنذ دعم إيران لحزب الله منذ تشكيله، أضحت سوريا قناة لنقل الأسلحة من إيران والجماعات الموالية لها خاصة حزب الله.
إعلان
ومع اندلاع الأزمة السورية، ساعد حزب الله، نظام الأسد في بسط سيطرته على مناطق كثيرة في سوريا وترجيح كفة الحكومة أمام المعارضة.
ورغم التحالفات، التزم النظام السوري الهدوء بشكل نسبي عقب قيام إسرائيل بقتل العديد من قادة حزب الله والبدء في عمليات برية عسكرية في جنوب لبنان حيث تتبادل إسرائيل إطلاق النار مع حزب الله المدعوم من طهران منذ أن بدأت الجماعة إطلاق الصواريخ عبر الحدود اللبنانية.
في المقابل، سعت الحكومة السورية إلى البقاء بعيدا عن المعارك منذ تصاعد التوتر الإقليمي و اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
ونشرت رويترز في يناير /كانون الثاني الماضي تقريرا أفاد بأن الأسد أحجم عن اتخاذ أي إجراء لدعم الفصائل الفلسطينية في غزة بعد تهديدات إسرائيلية. كما "أبعد" حزب الله عن نشر أي قوات في الجزء الخاضع لسيطرة سوريا في الجولان، بحسب التقرير.
الأسد..."البقاء في السلطة.. الأولوية"
ويقول مراقبون إن الأسد رغم تحالفه الوثيق مع طهران، إلا أنه حافظ على نوع ما من التوازن مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، ذكرت مجموعة "سوفان" المتخصصة في الاستشارات الأمنية ومقرها نيويورك، أن الأسد يدرك أن التورط بشكل كبير في الصراع الآن "سيؤدي إلى عمل إسرائيلي يمكن أن يضعف بشكل حاسم قدرة الجيش (السوري) على حماية قبضته على السلطة".
وفي مقابلة مع DW، قال حايد حايد، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز "تشاتام هاوس" البحثي في لندن، "أعتقد أن الأمر يتعلق في المقام الأول بالبقاء في السلطة. من الصعب التكهن بشأن ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، لكن إسرائيل أوضحت منذ البداية بطرق عدة بأن أي تورط (سوري) سيأتي بثمن باهظ".
وأشار حايد إلى أن طهران أوضحت للأسد أن طريق تسليح حزب الله يجب أن يظل مفتوحا، مضيفا: "يمكن القول بإن إيران حاولت الحصول على المزيد من (الدعم) من الأسد، لكن الأخير حاول الممانعة، بينما تحدثت تقارير عن هذا الأمر تسبب في بعض التوتر".
وتعتقد كولوريوتيس أن الأسد منع اندلاع مظاهرات مؤيدة لحزب الله فضلا عن سحبه قوات من قرب الجولان، طالبا من روسيا استبدالها بقوات روسية، بهدف إرضاء إسرائيل، لكنه في المقابل أرسل جنود إلى حلب وإدلب حتى يتمكن مسلحو حزب الله من التوجه إلى لبنان فضلا عن تسلحيهم، وذلك في محاولة لإرضاء إيران.
وفي هذا السياق، قال حايد إن إيران لم تخف حقيقة مفادها أن أحد أهدافها في سوريا يتمثل في إنشاء قوات يمكن استخدامها ضد إسرائيل إذا لزم الأمر، مضيفا "لذا من هذا المنطلق، يمكن القول إنه إذا لم يتمكن الأسد من إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة، فقد يكون هذا أحد طلبات إيران. وسيكون لسان إيران في ذاك الموقف: (إذا كنت لا تريد التورط مباشرة، فاسمح لنا بتنفيذ هجمات من سوريا)".
ويشير حايد إلى أن الأسد يمكنه - حتى هذه الحالة - أن ينأى بنفسه ويزعم "عدم المعرفة بالأمر".
ماذا عن التقارب العربي؟
ورغم قوة التحالف مع إيران، إلا أن الأسد سعى إلى التقارب مع بلدان عربية.
وفي ذلك، يتفق كلا من حايد وكولوريوتيس على أن الأسد لن يتخلى عن تحالفه مع إيران لصالح إعادة التطبيع مع دول الخليج.
ورجحت كولوريوتيس بأن النظام السوري ربما سيسعى إلى تكرار نوع من التوازن على غرار توازن مواقفه بين إسرائيل وإيران، مشددة على أن الأسد "لن يضحي بهذه العلاقات إلا إذا كان نظامه وهو شخصيا في خطر وجودي".
وأكد حايد على أن السوريين من يدفعون ثمن سياسات الأسد، قائلا: "بسبب توقف خطوط الإمداد وحركة البضائع من لبنان وفي ضوء تدفق النازحين، فإن الجميع في سوريا يئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار. حتى بدون تورط النظام المباشر في التصعيد العسكري في المنطقة، فإن السوريين من يدفعون الثمن".
أعده للعربية: محمد فرحان
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م