الأسد قد يكون الخاسر الأكبر في حسابات بوتين وخامنئي
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
يبدو المعسكر المؤيد للنظام السوي وكأنه يتذوق مرارة انتصار فظيع على أنقاض حلب المنكوبة. مشهد غريب تتعقد فيه حسابات الربح والخسارة وتتدافع فيه الأجندات الروسية والإيرانية قد يدفع بشار الأسد ثمنها في نهاية المطاف.
إعلان
سقوط حلب يعني عمليا استحالة إسقاط النظام السوري من قبل المعارضة، إلا أن المفارقة هي أن هذا الانتصار يُضعف الأسد على المدى البعيد بدلا من أن يُقويه، ذلك أنه أصبح، أكثر من أي وقت مضى، مرهونا لحسابات حلفائه في الخارج خصوصا روسيا وإيران.
وبهذا الصدد يرى الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس في حوار مع DW أن "هذا الانتصار العسكري الذي حققه المحور الروسي الإيراني السوري يعتبر حقا انجازا من الناحية العسكرية، ويشكل منعطفا في الحرب السورية. لكن طبيعة الانتصار على أنقاض مدينة حلب المدمرة، مع ما يفرز ذلك من أحقاد ورغبة في الانتقام.. كل هذا يعني أن روسيا تكرر نفس أخطاء الولايات المتحدة في العراق، حين أعلن جورج بوش الأمن في مايو/ أيار 2003 الانتصار الكامل في العراق، فيما نحن في ديسمبر/ كانون الأول 2016 والمأساة العراقية لم تنته بعد".
انتصار بطعم الهزيمة لبوتين؟
بشأن الدور الروسي، يرى الخبير الألماني في الشؤون السورية مارتن غيلين في صحيفة "برلينه تسايتونغ" في عددها الصادر يوم (الأربعاء 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) أن "روسيا تلقت ضربة كبيرة وأنها تعيش هذه الأيام تجربة متاهات الشرق الأوسط. ففي ظرف أسبوع خسرت موسكو ماء وجهها ثلاث مرات بعد فشل إخلاء حلب". وتم ذلك، يضيف الخبير، حينما أعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف في جنيف هدنة إنسانية، فتم تجاهلها من قبل الجيش السوري وميليشيات حزب الله.
وبعدها سقطت تدمر من جديد في يد "الدولة الإسلامية" التي تشكل رمزا بالنسبة لبوتين فبسببها تدخل رسميا في الحرب السورية. وادعت موسكو أن خمسة آلاف جهادي شنوا الهجوم على المدينة الأثرية، فيما يرى المراقبون أن عددهم لا يتعدى بضع مئات. فسقوط تدمر السريع رغم التواجد العسكري الكثيف للحلف الروسي الإيراني السوري يذكر بالسيناريو العراقي. وهذه تعتبر بلا شك نكسة لبوتين.
وأخيرا ما أعلنه مندوب روسيا في مجلس الأمن بإجلاء المدنيين والثوار من شرق حلب في ظرف ساعات، وبدلا من ذلك نزل طوفان من القصف الجوي والبري على المدينة. إضافة إلى مشاهد الدماء والدمار التي وضعت موسكو في موقف صعب وزادت من ضغط المجتمع الدولي اتجاهها. وفوق ذلك يرى أبودياب أن "الأخطر في الحالة السورية هو خلق بيئة حاضنة للإرهاب، وبالتالي جيل جديد من المتطرفين سيترعرع في كنف مظلومية كبيرة لدى العرب السنة في منطقة تعاني من النزاع السني الشيعي".
الأسد بين فكي بوتين وخامنئي
ويذهب خطار أبو دياب في نفس الاتجاه معتبرا أن "السيد بوتين يتصور أن أسلوب الشيشان وغروزني يمكن أن يطبق على سوريا وهذا خطأ جلي". واستطرد موضحا أن "هذا لانتصار، هو انتصار مرحلي سريع، لكنه غير مضمون النتائج على المدى المتوسط والبعيد" خصوصا بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد والذي يدين في بقائه للسلطة منذ البداية، (منذ 2012) للدعم الإيراني والمشاركة السريعة لحزب لله والمليشيات العراقية. وبعدما فشل المحور الإيراني السوري في الصمود تدخل بوتين عام 2015 وبفضله تمكن الأسد من الصمود إلى اليوم. صمود قد لا يدوم إذا تناقضت مصالح طهران وموسكو في المستقبل.
ويرى أبو دياب أن "الأسد، أو المنظومة الأسدية رقم محدود في المعادلة"، مؤكدا على ضرورة الانتظار إلى ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل. "رأينا أمس خلال تطبيق ما يسمى الاتفاق حول حلب بين روسيا والمعارضة السورية، كيف حاولت إيران، التي لم تكن على علم عرقلة العملية (..) هذه بداية التناقض". وأكد أبو دياب أن التجارب التاريخية علمتنا أنه "ما بين قوتين نافذتين، إن لم نقل محتلتين على نفس الأرض، سيكون بالضرورة تناقضات يجعل تعايشهما مستحيل".
وبهذا المعنى فإن أهمية الأسد تختلف بين حسابات بوتين وخامنئي. "بالنسبة لخامنئي فمنظومة الأسد هي جوهرة على تاج المشروع الإمبراطوري الفارسي. وبالنسبة لروسيا، ليست منظومة الأسد هي الأساس بل سوريا كنقطة انطلاق للوصول للمياه الدافئة ومن أجل العودة للساحة الدولية".
وانطلاقا من هذا التحليل فإن العلاقة الروسية الإيرانية محكومة بالتصادم، فالتناقضات التي تبدو اليوم ثانوية قد تصبح غدا أساسية. ويرى أبو دياب أن هناك تنسيق استراتيجي بين طهران وموسكو، غير أن العلاقة بينهما لا ترقى لمستوى الحلف الاستراتيجي، وقد يؤدي الأسد ثمن ذلك في المستقبل.
حسن زنيند
حلب تئن تحت القصف والجوع ـ كارثة إنسانية بامتياز
فر آلاف الأشخاص من الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في شرق حلب. وتفيد الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني بات كارثيا هناك، وحثت على وقف العمليات الحربية لإيصال المساعدات الضرورية، كما طالبت بتوفير الحماية للمدنيين.
صورة من: Getty Images/AFP/G. Ourfalian
حذرت الأمم المتحدة من وضع "مخيف" في أحياء حلب الشرقية بعدما دفع التقدم السريع لقوات النظام على حساب الفصائل المعارضة أكثر من 20 ألف مدني إلى الفرار من شرق المدينة. وفي خسارة هي الأكبر منذ سيطرتها على شرق المدينة في 2012، فقدت الفصائل المعارضة الاثنين كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية.
صورة من: picture-alliance/AA
دعا بريتا حاجي حسن، رئيس المجلس المحلي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، في حلب المجتمع الدولي والحكومة السورية لفتح ممر آمن لمساعدة المدنيين على مغادرة المدينة المحاصرة. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الحكومة السورية اعتقلت المئات من الأشخاص الذين اضطروا للهرب من المناطق التي تسيطر عليه المعارضة في شرق المدينة.
صورة من: picture alliance/abaca/J. al Rifai
أعرب رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن اوبراين عن "غاية القلق على مصير المدنيين بسبب الوضع المقلق والمخيف في مدينة حلب". كما كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 20 ألف شخص فروا من مناطق شرق حلب خلال الأيام الثلاثة الماضية. وشاهد مراسلون دوليون في شرق حلب عشرات العائلات، معظم أفرادها من النساء والأطفال، تصل تباعاً سيراً على الأقدام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي بتينا لوشر قالت في جنيف إن المدنيين في شرق حلب يواجهون ظروفاً "رهيبة" واصفة الوضع بأنه "انحدار بطيء نحو الجحيم". ويعاني أفراد العائلات الفارة، ومعظمهم من النساء والأطفال، من الإرهاق والبرد الشديد والجوع، حتى أن بعضهم ليس بحوزته المال لشراء الطعام.
صورة من: REUTERS/A. Ismail
مشاهد الدمار تظهر في كل مكان في شرق حلب حيث أعلن جهاز الدفاع المدني نفاذ كامل مخزونه من الوقود، ودعا جميع "المنظمات الإنسانية والإغاثة والطبيّة التدخل السريع لوقف الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون". ويصطف الناس للحصول على شيء من الماء الذي تنقله حاويات.
صورة من: REUTERS/A. Ismail
غداة توجيه الأمم المتحدة نداء عاجلاً إلى الأطراف المتحاربة لوقف قصف المدنيين في شرق حلب، طالب وزير الخارجية الفرنسي الثلاثاء (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع "فوراً" من أجل "النظر في الوضع في هذه المدينة الشهيدة وبحث سبل تقديم الإغاثة لسكانها". ولا يبقى في مقدور مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا سوى المناداة والتحذير دون نتيجة.
صورة من: Getty Images/AFP/L. Beshara
في ظل عجز دولي كامل إزاء إيجاد حلول لتسوية النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات في سوريا، يبقى الأطفال السوريون الضحية الأولى التي تدفع الثمن بالموت أو الجوع والتشرد، علماً أن الأمم المتحدة أعربت عن "غاية القلق على مصير المدنيين بسبب الوضع المخيف في مدينة حلب"، وتحدثت عن توقف عمل جميع المستشفيات و"استنفاد شبه تام للمخزون الغذائي".
صورة من: Reuters/A. Ismail
قُتل 21 مدنياً، بينهم طفلان الأربعاء في قصف مدفعي لقوات النظام السوري استهدف الأحياء الشرقية في حلب، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، في حين أفادت وكالة الأنباء السورية عن ثمانية قتلى بينهم طفلان في الأحياء الغربية. وأشار المرصد إلى إصابة العشرات في القصف المدفعي الذي استهدف حي جب القبة الذي يقع تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في شرق حلب.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Alhabi
وتبذل جمعية "الخوذ البيضاء" قصارى جهدها لانتشال ضحايا القصف. وكان عدد سكان شرق حلب قبل بدء الهجوم حوالي 250 ألفاً يعيشون في ظل حصار خانق تفرضه القوات النظامية منذ تموز/يوليو الماضي، ويعانون من نقص حاد في الغذاء والكهرباء والأدوية. وتظهر حلب حالياً وكأنها - في بعض أجزائها - مدينة أشباح يسودها الدمار.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Al-Masri
أعلن التحالف العسكري الذي يدعم الحكومة السورية أن الجيش السوري وحلفاءه يهدفون لانتزاع السيطرة على شرق حلب بالكامل من أيدي المعارضة المسلحة قبل تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب السلطة في يناير/ كانون الثاني المقبل، ملتزمين بجدول زمني تؤيده روسيا.