الأغلبية الصامتة - كيف ترى الأوضاع في مصر؟
٢٨ يناير ٢٠١١تواصلت اليوم الاحتجاجات غير المسبوقة التي تشهدها مصر والتي بلغت ذروتها في المظاهرات التي انطلقت في عدد من المدن المصرية بعد صلاة الجمعة، وضمت عشرات الآلاف الذين طالبوا بإسقاط نظام الرئيس حسني مبارك. قاد المظاهرات في الأساس مجموعات من الشباب الغاضب المتعطش للتغيير. ولكن ماذا عن المواطنين المصريين الذين اشتهروا في الماضي بالسلبية السياسية؟ ما هو موقفهم من هذه الاحتجاجات بعدما كسر شباب الفيس بوك حاجز الخوف واللامبالاة؟
المهندس سيد حسن (46 سنة) يسكن في حي الهرم بالقاهرة، وهو يعبر لدويتشه فيله عن مروره بحالة "عدم اتزان" منذ تفجر هذه الاحتجاجات. "لم أكن أتوقع أن تصل الأمور إلى ما هي عليه، كما أن هناك تبايناً كبيراً بين المناطق المختلفة في مصر. هناك مناطق ساخنة ومتفجرة، وهناك مناطق هادئة تماماً وليس فيها ما يُشعِر بوجود المظاهرات مثل منطقة الهرم".
بين التأييد والخوف
ويعبّر المحاسب أشرف حنا (48 سنة) الذي يعيش في حي المعادي عن سعادته لهذا "الحراك المتميز" الذي يقوم به الشباب المصري، وخصوصاً أنهم "منضبطون جداً، ويرفعون مطالبهم في سلام". أما زوجته لوسي قازان (47 سنة) فتعرب عن أسفها لأنها لم تشارك في المظاهرات، غير أنها تابعتها بحماس على شاشات التلفزيون. وتقول "أؤيد المظاهرات بالطبع، ولكن أخشى أن يهتز أمن مصر. أنا في حيرة بين التأييد وبين الخوف من الوقوع في الفوضى". التخوف من الفوضى هو ما يسيطر على سيد حسن أيضاً الذي يقول إن "المتظاهرين يقومون بشيء مشروع، ولكني أتخوف من الفوضى والسلب والنهب. إذا لم تحدث فوضى فأنا مع المتظاهرين قلباً وقالباً."
وتُرجِع لوسي سبب اندلاع هذه الاحتجاجات إلى لامبالاة الحكومة المصرية بهموم الناس. "الناس يشعرون أن لا أحد يستمع إليهم – هذا ما جعلهم يضطرون إلى النزول للشارع، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة. منذ سنوات والناس يشتكون بصوت خافت، والآن لم يعد أحد يستطيع التحمل."
ورغم إيمانه بأهمية التغيير وتداول السلطة فإن أشرف حنا يرى أن "نظام مبارك في الوضع الراهن هو الأنسب، وما زال هو الرجل المناسب للحكم في مصر". هذا الرأي تتبناه زوجته لوسي أيضاً وتقول: "لا أرفض نظام حسني مبارك، لكني أرفض السلبية التي يتعامل بها مع الفساد المستشري في البلد وفي طبقة رجال الأعمال التي لا تفيد إلا نفسها". وتتخوف لوسي قازان من أن تكون نتيجة المظاهرات تولى التيار الإسلامي الحكم في مصر، وتعلن معارضتها لذلك قائلة: "لا وألف لا لنظام إسلامي في مصر".
"البرادعي بعيد عن هموم الشعب"
هل يعول المواطنون على محمد البرادعي، حامل جائزة نوبل للسلام ورئيس وكالة الطاقة الذرية سابقاً، كرئيس لمرحلة انتقالية بعد رحيل مبارك؟ عن ذلك يقول أشرف حنا: "من وجهة نظري يمثل البرادعي بارقة أمل للتغيير بالنسبة للمصريين". غير أنه يرى أن البرادعي "وبحكم تاريخه" غير صالح لأن يتولى الحكم، كما أنه غير متواجد في مصر باستمرار، وبالتالي "ليس في يديه مفاتيح اللعبة". ولذلك يرى حنا أن "من الأفضل أن يظل البرادعي في صفوف الشعب، لا أن يقود الشعب."
ويتفق سيد حسن مع هذا الرأي ويقول عن البرادعي إنه "شخصية رمزية نُجمع عليه، غير أنه بعيد تماماً عن هموم الشعب. لم يعش لمدة ثلاثة أسابيع – مثلاً - في منطقة ليست فيها مرافق صرف صحي". ولذلك يعرب عن مخاوفه من رحيل "الرموز الرئيسية في البلد"، ويتساءل: "من سيأتي عندئذ؟" ويعتقد حسن أنه سيحدث فراغ في السلطة، "لأنه ليس لدينا هناك صف ثان". ويرى حسن أن الحل يكمن في تشكيل "مجلس حكماء لا يطمع في السلطة"، وعلى هذا المجلس أن يتمتع بالخبرة في الحكم، وأن يسعى إلى نقل البلد من مرحلة إلى مرحلة أخرى. "ولكني لا أرتاح لأعضاء الحكومة، ولا أرتاح لمن في الخارج".
دويتشه فيله تحدثت أيضاً مع الدكتورة شريفة مجدي (70 عاماً) التي عملت فترة طويلة في ألمانيا قبل أن تعود للاستقرار في مصر. من شقتها في حي المهندسين الراقي تراقب مجدي ما يحدث عن كثب، وهي ترى أن من أهم ما أفرزته هذه الاحتجاجات هو "التلاحم في صفوف الشعب المصري" بعد جريمة كنيسة الإسكندرية." أما بخصوص البرادعي فترى مجدي أنه "تأخر جدا في الحضور، ولا أعتقد أن اسمه يلعب دوراً لدى المتظاهرين. الفائدة الوحيدة التي جناها المتظاهرون من حضوره هي أنه شخصية عالمية سلط الإعلام الغربي الأضواء عليها، وبذلك اهتم الإعلام بالمظاهرات".
مظاهرات المصريين في الخارج
ولم تقتصر المظاهرات على مصر فحسب، بل امتدت إلى عدد من بلدان العالم، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، حيث قام المصريون الذين يعيشون هناك بالتظاهر أمام السفارة المصرية مطالبين بإنهاء حكم الرئيس مبارك. ومن أمام سفارة برلين تجمع في عصر "جمعة الغضب" نحو مئة شخص من المصريين والعرب والألمان يهتفون "يسقط حسني مبارك" أو "الشعب يريد إسقاط النظام". ومن بين المتظاهرين كان المترجم أحمد علي (39 سنة) الذي أعرب عن توقعه بأن لا يصمد النظام أمام هذا "الغضب الشعبي". ويرى علي أن البرادعي "كوجه سياسي معروف من الممكن أن يتولي كفترة انتقالية إلى أن تجرى انتخابات حرة نزيهة، أو قيادة سياسية أخرى مثل حمدين صباحي"، غير أن احتمال الفوضى – يضيف علي - قائم أيضاً.
سمير جريس
مراجعة: عارف جابو