الأفراح الشعبية في مصر: مهرجانات للألتراس وموسيقى جديدة
٢٧ فبراير ٢٠١٢داخل أحد أحياء حي السيدة زينب، وبين شوارع ضيقة. نجد الأضواء الملونة معلقة في كل مكان. على أحد الجدران كتب أحدهم "نعم لمبارك"، جاء شخص ثاني وشطب على الكلمة الأولى وكتب "يسقط مبارك". وأخيراً علق أحدهم ملصق دعائي لحزب الحرية والعدالة.
بجوار هذا الخليط البصري الذي يلخص الكثير عن وضع مصر خلال عام منصرم. تنتصب في الشارع أعمدة الفرح، وتتراص الموائد والطاولات مع الزينة والأضواء الملونة استعدادا لبدء الفرح وفي وسط كل هذا ترتفع بعض لافتات "ألتراس" النادي الأهلي والزمالك.
تغيرات بسبب الظروف الاقتصادية
لكن لا شيء في الفرح هذه المرة يبدو تقليديا كما جرت العادة في الأفراح الشعبية التى تقام في الشارع. فعلى خشبة المسرح لا توجد فرقة موسيقية ولا مغني ولا راقصة. بل هناك مجموعات من السماعات الضخمة وأجهزة المزج الصوتي والموسيقي الخاصة "بالدى.جى".
ففي السنوات الأخيرة ومع ارتفاع الأسعار وتكاليف الحياة أصبح من الصعب تحمل تكاليف إقامة الفرح الشعبي التقليدي هنا ظهر "الدى.جى" كوسيلة منخفضة التكاليف تعويضاً عن إحضار فرق موسيقية وغنائية.
ومع انتشار أجهزة الكمبيوتر في مصر زاد عدد الشباب الذين يقبلون على استخدام البرامج الصوتية البسيطة على أجهزة الكمبيوتر لتوليف الموسيقى التى تأتي كخليط من الموسيقى الشعبية المصرية والتكنو والراب لكن هذه المرة باللغة العربية وباللهجة المصرية المحلية. حيث أصبحت هذه الموسيقى تعرف بموسيقى المهرجان. نظراً لإيقاعها السريع والصاخب والاحتفالي.
موسيقى المهرجان
انتشرت موسيقى المهرجانات في السنوات الأخيرة بشعبية طاغية. فهي من أكثر الأغاني تحميلاً على الانترنت وتحضر في كل الاحتفالات والأفراح ذات الطابع الشعبي. لكن مع ذلك لن نجد هذه الموسيقى على قنوات التلفزيون الرسمي أو الفضائيات. فلا تزال موسيقى المهرجانات تعتبر كغناء بديل وخارج عن إطار الأغنية المصرية. حتى أن بعض الفنادق الكبرى في القاهرة ترفض غناء هذه الموسيقى في قاعاتها. يروي السادات – 25 سنة- وهو من أشهر مغني موسيقى المهرجانات كيف أن مدير قاعة أفراح في أحد الفنادق رفض أن يسمح لهم بالغناء واصفاً الموسيقى التي يقدمونها بأنها "بيئة" بما يعنى انتمائها إلى مستوى اجتماعي أقل مما يقبله الفندق الفخم.
لكن السادات ومعه الكثيرين من فناني موسيقى المهرجان مازالوا متمسكين بالانترنت كوسيلة لنشر أعمالهم مجاناً بعيداً عن أى قيود رقابية أو تحكم من شركات الإنتاج. ويصل معدل تحميل أقل أغنيه من أغانيهم على الانترنت إلى 50 ألف مرة وبعضها يكسر حاجز المليون. وعوضاً عن جمهور التلفزيون أو المسارح والقاعات الفخمة يرون الشارع كفضاء حر يقدمون من خلاله ما يريدونه.
رقص شبابي جديد
اختلاف نوعية الموسيقى في الأفراح الشعبية المصرية أثر على نوعية الرقص التى أعتاد المصريون مشاهدتها في الأفراح ففي معظم الأفراح اختفت الراقصات ليظهر الراقصون الشباب الذكور الذين يأتون مع "الدى.جى" في مهمة لإضفاء أجواء البهجة وإشعال الفرح.فمع السادات يتحرك فريق كامل بعضهم متخصص في التوليف الموسيقي وآخرين في الغناء ومجموعة أخرى متخصصة في الرقص منهم "هريسة".
رقص "هريسة" ليس رقص شرقي أنثوي بالطبع، بل هو خليط من الرقص الغربي "البريك دانس" مع رقص الحواري المصرية. ويعتمد بشكل أساسي على الحركات الرمزية وأحيانا الرقص بالمطاوي أو السنج –أسلحة بيضاء وسكاكين صغيرة- لكن "هريسة" يقدم نفسه بصفته راقص فردي موضحاً أنواع الرقص الشعبي الجديدة قائلاً: "الرقص الآن نوعين رقص فردي ورقص جماعي. أنا مثلا أرقص بشكل فردي، وفي الرقص الفردي يكون الرقص تنافسي بين اثنين ومهارة الراقص تنبع من قدرته على إثارة انبهار الجمهور وأداء حركات لا يستطيع أن يجاريه فيها الخصم. أما الرقص الجماعي فيكون مجموعات وفرق مدربة على أداء تشكيلات رقص جماعية بمصاحبة الموسيقى".
أفراح الألتراس
"علاء فيفتى" يغني مع السادات ويعمل في مجال الموسيقى الشعبية والأفراح والحفلات منذ سنوات طويلة ويعتبر أن ظهور الألتراس في السنوات الأخيرة من أهم العوامل التى ساهمت في تغيير شكل الأفراح، ويوضح ذلك قائلاً: "أحسن أفراح هي الأفراح والحفلات التى ينظمها شباب الألتراس خصوصاً حينما يكون فرح أو خطوبة أحد منهم، حيث يحضرون جميعاً حتى لو كانوا مشجعين لفرق متنافسة". ينتقل التنافس الكروي بين روابط الألتراس لتنافس في الرقص والاستعراض داخل حيز الفرح.
يستغل علاء والسادات وجود الألتراس في الأفراح. فعلاء يشجع الأهلي والسادات يشجع الزمالك ويبدأ كل من الاثنين أثناء الغناء في ذكر محاسن الفريق الذي يشجعه ، الأمر الذي يزيد من تنافس الجمهور في الرقص والغناء. بل وتتراجع في تلك الأفراح الأغاني العاطفية في مقابل أغاني الألتراس التي اشتهر الألتراس بغنائها في المدرجات.
أغاني الألتراس بعد الثورة تحولت إلى أغاني سياسية شهيرة مثل "قلنها زمان للمستبد.. الحرية جاية ولابد" أو "مش ناسيين التحرير". لكن حتى مع هذه الأغاني يستمر الرقص في فرح شعبي بمزاج ثوري.
كله بالحب
بالرغم من أجواء الفرح والبهجة التي تغمر مكان الفرح، لكن يظل هناك جانب سلبي في الأمر. حيث تمتد بعض الأفراح لساعة متأخرة من الليل الأمر الذي قد يسبب حالة من الإزعاج للسكان وخصوصاً أن الفرح يقام في الشارع.
لكن في الأحياء الشعبية حيث تكثر هذه الأفراح تظهر قيم أخرى، وهى قيمة التكافل بين سكان الشارع والحي، فرغم الضوضاء والإزعاج الناتج عن الفرح إلا أن لا أحد من السكان يبدي انزعاجاً أو كما تقول أم كريم أحد سكان حي السيدة زينب "يأتون إلينا في البداية لأخذ الإذن في إقامة الفرح في الشارع، وفي النهاية هم جيران لنا والجار للجار. ولابد أن أقبل وأقف معهم وأساعد لأنهم أيضاً سوف يقفون معي إذا كان الفرح لأحد من بيتنا".
احمد ناجي-القاهرة
مراجعة: هبة الله إسماعيل