الألمانية أورزولا فون دير لاين ـ من برلين إلى بروكسل؟
٣ يوليو ٢٠١٩رأت نور الحياة قبل 60 عاما في إحدى ضواحي بروكسل، والآن قد يعود بها مسارها السياسي فجأة إلى العاصمة البلجيكية والأوروبية. ويوم الثلاثاء أخرج رواد الاتحاد الأوروبي الكبار وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين من صندوق العجائب. والآن تقف هذه السياسية من الحزب المسيحي الديمقراطي التي جلبتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في عام 2005 إلى منصة برلين الكبرى والتي راج اسمها كخليفة محتملة لميركل لتقفز إلى سدة مفوضية الاتحاد الأوروبي. وستكون أول امرأة على رأس المفوضية الأوروبية. لكن البرلمان الأوروبي يجب أن يوافق على هذا المقترح في الأيام القليلة القادمة.
متمكنة لغويا
سنواتها الثلاثة عشر الأولى من حياتها قضتها فون دير لاين في بروكسل. والدها، رئيس الوزراء في ولاية ساكسونيا السفلى، إرنست ألبريشت كان يعمل في منصب قيادي في المجموعة الاقتصادية الأوروبية والمجموعة الأوروبية، المؤسسات السابقة للاتحاد الأوروبي. ومن ثم فإن فون دير لاين تتحدث على خلاف الكثير من زملائها في الحكومة بطلاقة الانجليزية والفرنسية وتحركت دوما بثقة على الساحة الدولية.
وفي مختلف الحكومات برئاسة المستشارة ميركل شغلت فون دير لاين مناصب حكومية مختلفة، وباشرت دوما بنفس الحيوية المهام الجديدة وطرحت أسئلة حول ما هو قائم وغيرت البنى القائمة وتسببت بقوة فرض الذات أحيانا في غضب خافت داخل كتل التحالف الحكومي.
العائلة والصحة والدفاع
أولا كانت الأم ذات السبعة أطفال من 2005 إلى 2009 وزيرة شؤون العائلة وفرضت بطريقتها غير المعتادة بالنسبة إلى الحياة السياسية المتبعة في برلين إشارات واضحة. وعلى هذا النحو قامت بتجميد ما يُسمى بمال الوالدين وخدمت بدعم مالي قوي للحكومة توطيد رعاية الأطفال. وفي 2009 في حكومة ميركل الثانية أصبحت الطبيبة فون دير لاين وزيرة للصحة. وبعدها بأربع سنوات في ديسمبر 2013 تحولت إلى قمة وزارة الدفاع الألمانية التي حافظت على قيادتها حتى بعد التشكيل الحكومي الصعب عقب الانتخابات البرلمانية في 2017. وقلما نجح أحد من أسلافها الذكور الـ 17 في البقاء في هذا المنصب ست سنوات. وإلى حين الانتقال إلى سدة وزارة الدفاع مضى المشوار الساسي للسياسية المتحمسة بدون عراقيل ونقيا. وتبقى في الغالب امرأة مخلصة للمستشارة أنغيلا ميركل التي تُعتبر بالنسبة إليها سندا يمكن الاعتماد عليه داخل الحكومة وفي المؤتمرات الوطنية للحزب المسيحي الديمقراطي.
الصانعة
وكوزيرة دفاع باشرت فون دير لاين بسرعة ورش العمل الموجودة داخل الجيش: فالجيش عانى ويعاني من تجهيزات متآكلة ومعطلة ومشاريع تسلح سيئة ونقص كبير في الأخصائيين.، وبالتالي عملت بممارسة ضغط قوي وإعلامي للرفع من ميزانية الدفاع. وتحت شعار "التحول الجذري في الموظفين" أوقفت أول وزيرة دفاع ألمانية التقليص في عدد العاملين لدى الجيش الألماني الذي ارتفع قوامه لأول مرة منذ إعادة الوحدة الألمانية.
وعلى هذا النحو ألغت الحد الأعلى الجامد لعدد 185.000 جندي. وتحت قيادة فون دير لاين تحولت سياسة الدفاع إلى جزء ملموس للسياسة الخارجية الألمانية. وهذا انسجم مع الحرب الدولية ضد تنظيم داعش الإرهابي التي يشارك فيها الجيش الألماني في عدة مجالات.
"انتقلنا من مرحلة تقلص فيها طويلا قوام الجيش"، كما قالت فون دير لاين في مايو 2017 بشأن الوضع داخل الجيش الألماني. ووصفت مكونين اثنين في تغير المسار الإيجابي:" الوضع الأمني تغير بشكل جعل عدة مهام تنتقل إلى الجيش، من سوريا والعراق عبر مالي والمهمة الكاملة في البحر المتوسط إلى مساعدة اللاجئين وحماية الحدود الشرقية. وفي الوقت نفسه عملت معا مع الجيش على تحقيق التحول الجذري في وضع المعدات والعاملين والتمويل".
وبعد الإعلان عن تسمية فون دير لاين لمنصب بروكسل قال خبير شؤون الدفاع من الخضر، أوميد نوريبور لدويتشه فيله:" الأوضاع في مجال المشتريات في الجيش ليست مؤهلا إجباريا للمنصب التنفيذي الأعلى في الاتحاد الأوروبي". وهذا واضح.
خطوات خاطئة وفضائح
وبالرغم من ذلك ساد الطابع الباهت على سمعة فون دير لاين "كصانعة" في السنوات الماضية. وهذا يعود لبعض القرارات في تعيين موظفين وكذلك بسبب بعض الفضائح. وحتى أثناء فترة ولايتها على رأس وزارة الدفاع، تأجلت بعض مشاريع التسلح الهامة. وأثناء هذه الفترة ايضا انكشفت أعمال يمينية متطرفة داخل الجيش وأعمال مهينة في تكوين الجنود. ونأت الوزيرة بنفسها بوضوح أكثر من أي زميل سابق عن الجيش.
وبتصريحها القائل بأن الجيش له "مشكلة سلوك" خاطرت بالثقة في صفوف الجنود. وبعدها يظهر حجم الحريات التي تتوفر عليها وزيرة دولة جلبتها فون دير لاين إلى الوزارة وكلفت من جانبها مستشارين مكلفين. واليوم تعكف لجنة تحقيق برلمانية على التحقق من "قضية المستشارين". ومن المقرر استجواب فون دير لاين في هذ السياق في كانون أول/ديسمبر المقبل.
نقاط إيجابية في بروكسل
سمعة فون دير لاين تضررت عدة مرات. وبالرغم من ذلك يرى مراقبون مواطن إيجابية عند فون دير لاين على أرضية بروكسل ـ ليس فقط معرفة الموقع أو التأهل اللغوي. فهي عملت بنجاح في توطيد بنية الاتحاد الدفاعي للاتحاد الأوروبي. "الجيش الأوروبي كهدف طويل المدى وحلف شمال الأطلسي ليست مضادات، بل حسب تقديري جانبين لميدالية واحدة لأنه من المهم أن يشكل الأوروبيون داخل حلف شمال الأطلسي ركيزة قوية وكذلك للحفاظ على مصداقية الحلف الأطلسي لكن أيضا للحصول على صوت أوروبي قوي"، كما أكدت فون دير لاين. وفيما يخص مطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحصول التزام عسكري أكبر من جانب ألمانيا وأوروبا، قالت الوزيرة:" أجد أنه مطلب عادل".
وفي 2016 عملت في مرحلة صعبة على الإطلاق السريع لمهمة الحلف الأطلسي التي دعمت في بحر إيجه خفر السواحل اليوناني والتركي إضافة إلى الوكالة الأوروبية لحماية الحدود وأحرزت تقدما في مكافحة المهربين. فون دير لاين التي اعتُبرت في السنوات الماضية خليفة على كرسي العرش بجانب المستشارة ميركل واثقة من التمكن من القيام بكل مهمة. وعندما استقال في 2010 الرئيس الألماني كريستيان فولف وكان الحزب المسيحي الديمقراطي مطالبا بتسمية خلف له، راج اسمها في السباق. والآن قد يقودها مسارها ربما إلى اتجاه مختلف تماما.
كريستوف شتراك/ م.أ.م