الإسلاميون في السودان يعودون للساحة.. على مرأى ومسمع الجيش!
٢٢ أبريل ٢٠٢٢
يحاول حزب المؤتمر الوطني السوداني الذي حكم البلاد في عهد عمر البشير به العودة إلى المشهد السياسي، فيما أعرب معارضون عن قلقهم من احتمال عودة الإسلاميين سريعاً لمناصب مؤثرة في الدولة، ومن موقف الجيش "المتأرجح".
إعلان
منذ قيام الجيش بانقلاب في السودان قبل ستة أشهر، سُمح للكثير من حلفاء الرئيس المخلوع عمر البشير بالعودة إلى الخدمة المدنية، بينما أُخرج آخرون من السجون في محاولة على ما يبدو لتشكيل حكومة وطمأنة المانحين.
تأتي عودة حزب المؤتمر الوطني، الذي حكم السودان في عهد البشير قبل الإطاحة به في انتفاضة شعبية في 2019، وسط أزمة اقتصادية متفاقمة واحتجاجات مستمرة في الشوارع تطالب بالرجوع إلى الحكم المدني.
وفي مؤتمر صحفي يوم الاثنين، أعلن أعضاء بعدة جماعات إسلامية منها حزب المؤتمر الوطني عن تدشين (التيار الإسلامي العريض)، في إشارة إلى عودتهم الرسمية إلى الحياة السياسة. من ناحية أخرى، يُودع السجن مسؤولون يترأسون فريق عمل تم تعيينه لتفكيك نظام البشير.
والتطورات تعكس توجهات مضادة للثورات في أنحاء الشرق الأوسط بعد انتفاضات الربيع العربي في 2011.
والجماعات المطالبة بالديمقراطية، والتي ساعدت في الإطاحة بالبشير لكن الانقلاب زج بها خارج ترتيب لتقاسم السلطة، لديها مخاوف من عودة الحكم الشمولي الذي جاهدت لإنهائه.
السودان: تبدد أحلام الديمقراطية
05:50
محاولات لتحجيم الإسلاميين
وتسعى قوى إقليمية مهمة، منها مصر ودول بمنطقة الخليج، لتحجيم نفوذ جماعة الإخوان المسلمين دولياً وقد يتملكها قلق حيال عودة نشاط الشبكات الإسلامية السودانية. لكنها ربما لا تزال ترى الجيش السوداني أفضل حليف في دولة هشة ذات موقع استراتيجي.
قالت أماني الطويل من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر "السودان يعاني أزمة وجودية... الجميع قلقون من التهديد الذي يواجه البحر الأحمر والساحل وإمكانية تحول السودان إلى مركز للإرهاب".
وعلى الصعيد الداخلي، لا يزال دور الإسلاميين المهيمن في عهد البشير عالقاً بالأذهان، لذا فإن السماح بعودتهم إلى الساحة قد لا تحظى بشعبية. لكن دبلوماسيين ومحللين يرون أن توسع الجيش في علاقاته خطوة صوب تكوين قاعدة سياسية مدنية في محاولة لتوفير سبل استعادة دعم مالي أجنبي مطلوب بشدة بعدما توقف بسبب الانقلاب.
وتقول دول غربية ومقرضون دوليون إن وجود حكومة مدنية تحظى بمصداقية شرط أساسي لاستئناف الدعم المالي، لكن الجيش لم يعين رئيساً للوزراء بعد.
وفي 15 أبريل/نيسان، ألمح الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي قاد الانقلاب، إلى تخفيف حالة الطوارئ وخطوات أخرى طالبت بها دول غربية وأحزاب سياسية سودانية. لكن الجماعات المطالبة بالديمقراطية اتهمته بعدم المصداقية، مشيرة إلى اعتقال المتظاهرين في اليوم نفسه.
الفول السوداني وأضراره
06:17
This browser does not support the video element.
"حلف غير مقدس"
بعد أن استولى البشير على السلطة في انقلاب عسكري عام 1989 صار السودان مركزاً للإسلام السياسي، غير أن نفوذ الفكر الإسلامي المتشدد تراجع في ظل سعيه لإصلاح العلاقات الدولية. وظل حزب المؤتمر الوطني، المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، في السلطة في فترة شهدت حرباً أهلية وتدهوراً اقتصادياً وانتهت بالإطاحة بالبشير.
وتتملك المحتجين، الذين استمروا في تنظيم مسيرات مناهضة للجيش خلال شهر رمضان، مخاوف من أن يحاول الإسلاميون الوقوف في صف الجيش والعمل معه بهدف استعادة السلطة.
وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني المنادي بالديمقراطية عمر الدقير هذا الشهر: "حلف غير مقدس... ليعيد بلادنا مرة أخرى إلى ثنائية الاستبداد والفساد وما تنتجه من محاصيل الشقاء والعناء".
وقال المحلل سليمان بلدو إن عودة الإسلاميين مع متمردين سابقين وجماعات أخرى موالية للجيش يمكن أن تؤجج التوتر السياسي وإنها ساهمت بالفعل في حالة الشلل الإداري. ولم يرد مسؤول كبير في حزب المؤتمر الوطني على طلبات الإدلاء بتعليق.
ونفى مصدر مسؤول كبير وجود أي تحالف مع الإسلاميين قائلاً إن الجيش يسعى لتحقيق "توافق وطني واسع" يستثني حزب المؤتمر الوطني.
الشاعر السوداني صلاح يوسف: أنا ألماني أسود
26:06
This browser does not support the video element.
وقال البرهان في 15 أبريل/نيسان إن إعادة بعض المرتبطين بنظام البشير لمناصبهم ستكون محل مراجعة وإنه يمكن الإفراج عن قيادات اللجنة التي أمرت بالتفكيك ومصادرة الأصول المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني.
عودة بوتيرة متسارعة
لكن يبدو أن العودة غير الرسمية لحزب المؤتمر الوطني تتسارع وتيرتها. ففي الأشهر القليلة الماضية، أعادت محكمة خاصة إلى العمل عشرات من موظفي البنك المركزي والقضاء والنيابة العامة ومكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية ووسائل الإعلام الحكومية من بين مؤسسات أخرى.
وتقول مصادر في وزارة الخارجية إنه تم تكليف بعض الدبلوماسيين العائدين بقيادة بعثات في الخارج، في حين تقرر الأسبوع الماضي استبدال رئيس هيئة البث الحكومية المعين مدنيا.
وفي مارس/ذار تقرر رفع التجميد عن نحو ألف حساب بنكي، قبل أن يعاد تجميدها بعدها بأسبوعين بموجب أوامر من البنك المركزي اطلعت عليها رويترز.
وفي الشهر الحالي، بُرئت ساحة رئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم غندور من ارتكاب جرائم ضد الدولة وأُخلي سبيله. وقد كرر وصف قادة الجيش لانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول بأنه إجراء تصحيحي.
عالم السرعة - السودان وحب السيارات الألمانية
26:01
This browser does not support the video element.
وقال لقناة الجزيرة "ما نرجوه الآن أن نتفق على فترة انتقالية يحكمها نظام متفق عليه. حكومة مدنية متفق عليها تمضي بنا إلى انتخابات حرة ونزيهة" مما أثار قلق معارضيه من أن أعضاء الحزب وحلفاءهم يعلقون آمالهم على انتخابات متوقع إجراؤها العام المقبل. ولم يتسن التواصل مع غندور للحصول على تعليق.
موقف الجيش "متأرجح"
وعلى الرغم من حظر حزب المؤتمر الوطني في 2019 بعد الإطاحة بالبشير، أعرب معارضون عن قلقهم من احتمال عودة الإسلاميين سريعاً لمناصب مؤثرة، وربما الترشح في الانتخابات تحت مسميات أخرى.
وقال نصر الدين عبد الباري الذي شغل من قبل منصب وزير العدل في الحكومة الانتقالية قبل الانقلاب إن موقف الجيش من الإسلاميين اتسم بالتأرجح وإنه لم يفعل شيئا يذكر لإقصائهم عن الأجهزة الأمنية. وأضاف قائلاً لرويترز إنهم أرادوا أن تحذو الحكومة الانتقالية حذوهم وأن تترك الجميع في مواقعهم لكن ذلك كان مستحيلا لأن بناء دولة جديدة لا يصح ما لم يتم تفكيك النظام القديم.
ولا يزال البشير رهن الاحتجاز، لكن لقطات له وهو يتجول في مستشفى نُقل إليه على أساس أنه في حالة صحية لا تسمح ببقائه في السجن أثارت ردود فعل غاضبة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
ع.ح./خ.س. (رويترز)
السودان.. محطات من صراع المعارضة مع العسكر
السودانيون بين الأمل والقلق حول مستقبل أوضاع بلادهم. في الصباح يستيقظون على أنباء إحباط محاولة إنقلابية وفي المساء تأتي أخبار بالتوصل لاتفاق بين العسكر وقوى المعارضة. في صور: محطات الصراع على السلطة بين المحتجين والجيش.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
إعلان الوساطة الإفريقية الإثيوبية المُشتركة الجمعة (12 يوليو تموز 2019) بأن قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة والمجلس العسكري الإنتقالي في السودان توصلا إلى اتفاق كامل بشأن "الإعلان السياسي" المُحدد لكافة مراحل الفترة الإنتقالية، وخارطة طريق لتنظيم الانتخابات. هذا الإعلان يأتي في وقت لم تُبدد فيه بشكل نهائي المخاوف من تعطيل انتقال السلطة للمدنيين.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
في الحادي عشر من يوليو/ تموز استيقظ السودانيون على بيان للمجلس العسكري الحاكم يعلن فيه أن مجموعة ضباط حاولوا القيام "بانقلاب عسكري" لتقويض اتفاق بين الجيش والمعارضة لاقتسام السلطة لفترة مدتها ثلاث سنوات يعقبها
إجراء انتخابات. الغموض ما يزال يحيط بأهداف مدبري محاولة الإنقلاب وارتباطاتهم.
صورة من: picture-alliance/AA
احتجاجات سلمية
لأسابيع طويلة صمد المتظاهرون السودانيون أمام مقر وزارة الدفاع. آلاف المحتجين كانوا يطالبون بمجلس انتقالي يحدد فيه المدنيون مستقبل البلاد. ولكن في مطلع حزيران/ يونيو 2019 تحرك العسكر لفض الاعتصام بقوة السلاح ما أسفر عن مقتل العشرات وجرح المئات.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
باسم الأمة..
متظاهر يحمل علم السودان بالقرب من المقر الرئيسي لقيادة الجيش. العلم يرمز إلى مطلب المتظاهرين في المشاركة بشكل متساو في رسم مستقبل البلاد، والمقصود مشاركة الشعب والجيش على قدم المساواة في ذلك. ولو حدث ذلك، سيكون خطوة مهمة على طريق الديمقراطية.
صورة من: Reuters
إشارات تحذيرية
قبل أيام من فض الاعتصام، كان هناك حضور قوي للجيش. ورأى الكثير من المتظاهرين في ذلك أن الجيش ربما لا يبدو مستعدا لتسليم السلطة للمدنيين، حسب ما كان يأمله السودانيون بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير.
صورة من: Getty Images/AFP
نهاية حقبة
هيمن الرئيس المخلوع عمر البشير على السلطة منذ عام 1993 وحتى الإطاحة به في نيسان/ أبريل 2019. قمع معارضيه بكل قسوة. ومن أجل الحفاظ على سلطته أمر البشير بحل البرلمان عام 1999. في تلك الفترة كان زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن يجد في السودان ملاذا آمنا له. لكن اسم البشير يبقى مرتبطا بشكل وثيق مع الحر ب ضد الانفصاليين في إقليم دارفور.
صورة من: Reuters/M. Nureldin Abdallah
الديكتاتور أمام المحكمة
كثير من السودانيين كانوا يأملون في رؤية الديكتاتور وهو يمثل أمام المحكمة. أمل تحقق بالفعل عندما بدأت جلسة محاكمة عمر البشير في الـ 16من حزيران/ يونيو. وكانت التهم الأولية الموجهة إليه تتمثل في الفساد وحيازة عملات أجنبية بكميات كبيرة. فبعد سقوطه وجد رجال الأمن في قصره أكياسا مليئة بالدولارات قدرت بأكثر من 100 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Hjaj
حضور قوي للمرأة
كان للمرأة السودانية حضور قوي في الاحتجاجات، حيث تتمتع المرأة بحرية أكبر منذ بدء الاحتجاجات. المرأة السودانية لا تقوي الاحتجاجات من حيث العدد فقط، بل تدعمها نوعيا أيضا، فهي التي أعطت الاحتجاجات وجها سلميا آخر. حضور المرأة في الاحتجاجات جسد رغبة الكثير من المواطنين في الديمقراطية والمساواة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
أيقونة الثورة!
أصبحت طالبة كلية الهندسة المعمارية آلاء صلاح، وجها بارزا من وجوه الثورة. وهذه الصورة التاريخية التقطها مصور كان حاضرا عندما صعدت آلاء إلى سطح سيارة لتلقي خطابا أمام المحتجين. ومنذ ذلك الوقت تشهد هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة واسعة. صور من هذا النوع تعتبر من أدوات الثورة المهمة، فهي ترمز إلى الهوية الانتماء.
صورة من: Getty Images/AFP
تضامن عالمي
بفضل شبكات التواصل الاجتماعي تنتشر أخبار الاحتجاجات بسرعة حول العالم، وهذا ما حدث مع احتجاجات السودان. التي حظيت بعم معنوي عالمي كبير، كما تظهر هذه الصورة بمدينة ادينبورغ في سكوتلندا، حيث تطالب سيدة بوقف قتل المدنيين في السودان. كما أعلن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي عن موقفهم في بيان رسمي للاتحاد الأوروبي طالبوا فيه بوقف فوري لكل انواع العنف ضد الشعب السوداني.
صورة من: picture-alliance/EdinburghEliteme/D. Johnston
دعم للجيش أيضا
لكن ليس كل السودانيين شاركوا في الاحتجاجات ضد العسكر. فهناك من يدعمهم، حيث يأملون في تشكيل حكومة صارمة. ويعتقد أنصار الجيش أنه فقط ومن خلال العسكر يمكن ضمان مستقبل مزدهر للبلاد. ويضعون أملهم هذا في شخص الجنرال عبدالفتاح برهان رئيس المجلس العسكري الذي يحملون صورته.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
في انتظار فرصته
لكن الرجل القوي الفعلي في السودان هو الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي". فهو الرجل الذي يعتقد أنه أمر القوات بفض الاعتصام أمام مقر القيادة العسكرية بقوة السلاح. وكان الجنرال قائدا لميليشيات "بالجنجويد" التي قمعت المتمردين بكل قسوة ووحشية في دارفور. ويخشى المتظاهرون من أن يصبح هذا الجنرال الرجل الأول في البلاد.
صورة من: Reuters/M.N. Abdallah
قلق في الخليج
أثارت أحداث السودان قلق السياسيين في دول أخرى، مثل محمد بن زايد آل ثاني، ولي العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تخشى السعودية، حالها في ذلك حال الإمارات، من أن نجاح الاحتجاجات في السودان يعتبر بمثابة نجاح الثورة "من تحت" وقد يصبح مثالا يحتذى به في المنطقة. ولهذا تدعم السعودية والإمارات عسكر السودان.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Ministry of Presidential Affairs/M. Al Hammadi
الجار الشمالي يراقب بقلق!
في القاهرة تتجه الأنظار بكثير من القلق والريبة والشكوك إلى الخرطوم. وتخشى حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تساهم أحداث السودان في زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين التي تحاربها في مصر بكل قوة. وإذا تمكنت الجماعة من ترسيخ أقدامها في السودان، كما تخشى مصر، فإن ذلك قد يساهم في إعادة القوة إليها في مصر أيضا.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/MENA
احتجاجات لا تنتهي
في غضون ذلك تستمر الاحتجاجات في السودان. ففي يوم الجمعة (14 حزيران/يونيو 2019) طالب صادق المهدي أحد قادة المعارضة السودانية منذ عقود، بتحقيق رسمي في عملية فض الاعتصام بالقوة. الطلب أثار غضب العسكر. والاحتجاجات في السودان تدخل في مرحلة جديدة. كيرستن كنب/ ح.ع.ح