الإسلام الصوفي في ألمانيا: التقرب إلى الله عبر الموسيقى والغناء
١٢ يونيو ٢٠٠٨تتحول قرية صغيرة في منطقة الآيفيل الألمانية الواقعة على نهر الراين مرة في الشهر على الأقل إلى قبلة دينية للآلاف المتصوفين المسلمين الأوروبيين. كل هؤلاء قدموا للصلاة ولإقامة طقوس الذكر في زاوية تم تأسيسها خصيصا لهذا الغرض وتحمل اسم "الزاوية العثمانية".
وتعد هذه "الزاوية" الوقت نفسه مقرا لمركز المتصوفين الألمان الذين يتبعون الطريقة النقشبندية ويرأسها الشيخ حسن دايك، وهو ألماني اعتنق الإسلام قبل أكثر من ثلاثين عاما وكرس حياته للتقرب من الله والزهد في العيش. الجدير بالذكر أن المتصوفين يشكلون الأقلية وسط المذاهب الإسلامية الموجودة في ألمانيا، إذ لا يتجاوز عددهم بضع مئات. وعلى الرغم من تأكيدهم على أنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني، وأن ما يميزهم عن الآخرين أنهم يسعون إلى التقرب من الله من خلال الصلاة والرقص والموسيقى، إلا أن مظهرهم الخارجي يوحي لزائر الزاوية العثمانية وكأنه في بلد إسلامي قبل مئات السنين. موقعنا العربي رافق المتصوفين خلال أدائهم طقوسهم الروحية.
الزاوية العثمانية: جزء من الشرق في قرية ألمانية نائية
تتهافت أفواج المتصوفين على الزاوية العثمانية، يحييون بعضهم بعضا بتحية الإسلام "السلام عليكم". اللافت للانتباه الملابس التي يرتديها غالبية الرجال، حيث يلبسون كوفيات ذات أطراف مدببة ويلفون حولها عمامات ملونة. كما يزينها بعضهم بريشة طاووس، كما يرتدون قمصان وسراويل طويلة وفضفاضة، في حين يلبس البعض الآخر علاوة على ذلك عباءات. ويطغى اللون الأخضر على بقية الألوان، حيث يبدو اللون المفضل لدى المتصوفين هنا. أما النساء فيلبسن أحجبة وملابس طويلة وفضفاضة تتميز بألوانها الزاهية والمتنوعة من الزهري والبرتقالي إلى البنفسجي والأزرق والأحمر كذلك. وعند سماع الآذان يهرع الجميع إلى الطابق الأرضي للزاوية لأداء الصلاة جماعة.
بعدها يتوجه العديد من الزوار إلى قاعة كبيرة في الزاوية خُصصت كمطعم ومقهى تم تأثيثه على شكل خيمة عربية بمخدات قرمزية وزرابي على الأرض وأخرى طٌرزت عليها آيات قرآنية تزين جدران القاعة وتضفي على المكان طابعا إسلاميا، في حين يتجاذب الزوار أطراف الحديث مع بعضهم بعضا على إيقاعات شرب الشاي أو احتساء القهوة العربية. وفجأة ما أن ترى الزوار قد نهضوا واقفين عند دخول القاعة شيخ ذو لحية بيضاء يرتدي عباءة سوداء وعمامة بيضاء. ويهرع الجميع إليه ويلتفون حوله، البعض يحاول تقبيل يده والبعض الآخر يقف أمامه في خشوع وآخرون يطلبون منه الوعظ والإرشاد في مشكلات حياتهم اليومية. أما الشيخ فيجيب عن الأسئلة بكل بشاشة ويسأل البعض عن أحواله. إنه الشيخ حسن دايك، شيخ الزاوية العثمانية والمتصوفون الذين يتبعون الطريقة النقشبندية في ألمانيا وأوروبا.
"اعتناق الإسلام خطوة نحو كمال الإيمان"
اعتنق الشيخ حسن دايك، الذي كان يدعى بيتر دايك، الدين الإسلامي في منتصف السبعينيات. في ذلك الوقت كان الشيخ حسن يدرس الموسيقى في الجامعة الحرة في برلين. وبعد سنوات قضاها في مكة ودمشق عاد مع عائلته إلى ألمانيا وقرر الاستقرار في مدينة دوسلدورف الألمانية، حيث كان يبيع بطانات الأحذية، ثم انتقل بعدها إلى منطقة الآيفيل وأسس هناك قبل ثلاثة عشر عاما الزاوية العثمانية على الطراز الشرقي لتكون قبلة للمتصوفين. بيد أن الشيخ حسن دايك لا يزال يحن إلى الأجواء الشرقية التي عاشها في البلدان العربية التي زارها من قبل. إذ يقول إنه يشتاق من حين لآخر إلى دمشق، التي يعتبرها مدينة مقدسة، حيث يتواجد فيها الكثير من الصوفيين الذين يقيمون الكثير من الطقوس الصوفية كالذكر والحضرة.
ويضيف الشيخ أنه يشعر بالراحة الروحية هناك، غير أن وطنه هو ألمانيا، كما أنه يريد التواصل مع المتصوفين فيها من كل الأجناس. والدليل على ذلك، أن الزوار ليسوا من الألمان فحسب، بل كذلك من العرب والأتراك والأفارقة والأفغان والباكستانيين من كل أنحاء أوروبا الذين يأتون إلى قرية كال-زوتنيش خصيصا للقاء الشيخ حسن دايك والصلاة معه، على غرار عبد الغاني لوجوايو، وهو رجل أعمال فرنسي من أصل يهودي يعيش ويعمل في باريس. وكان لوجاويو قد اعتنق الإسلام قبل خمسة عشر عاما على يد شيخ صوفي تعرف عليه خلال رحلة قام بها في جزيرة قبرص. الجدير بالذكر أن المتصوفين على غرار الشيخ حسن أو عبد الغاني لوجايو لا يرون بأنهم قد غيروا أديانهم القديمة من المسيحية أو اليهودية إلى الإسلام وإنما يرون في ذلك كمالا لإيمانهم وخطوة نحو القرب من الله.
"الذكر لتنقية الروح"
بعد تناول العشاء يجتمع المتصوفون في قاعة الصلاة الكبيرة في الزاوية العثمانية: الرجال على حدة والنساء على حدة. وبعد الصلاة الجماعية يبدأ الذكر، حيث يرتل المتصوفون آيات قرآنية في نسق متكرر، ثم تتحول عملية ترتيل الآيات القرآنية إلى غناء جماعي تارة عاليا وسريعا، وتارة أخرى خافتا وبطيئا. ويرافق الغناء دق على الطبل والدف.
يُشار إلى أن غالبية المتصوفين يجلسون جنا إلى جنب وهم مغمضو العينين ويحركون رؤوسهم من اليمين إل اليسار بحركة منتظمة. ثم تقف الجماعة على شكل دائري وكل واحد يمسك بذراع الآخر ويقفزون في حركات منتظمة. وفي وسط الدائرة يغني شابان ويقرعان على دف وطبل والشيخ حسن يرتل آيات قرآنية. وتتواصل هذه الحضرة حتى ساعات متأخرة من الليل.
وفي نهاية الحضرة يعزف الشيخ حسن دايك على آلة موسيقية هندية قديمة قطعة موسيقية شرقية، حيث لهذه الموسيقى مكانة مميزة لديه: إنها الموسيقى التي اكتشفها خلال سنوات دراسته في برلين والتي مهدت له الطريق للدخول إلى الدين الإسلامي ولا تزال ترافقه حتى اليوم.