الإعلام والمحظور: أين تبدأ حرية التعبير وأين تنتهي؟
٩ أغسطس ٢٠٠٧" المحظور أو التابو يعني التزام الصمت". هذا ما يقوله المؤرخ الفرنسي هنريه روسو. لكن وسائل الإعلام تريد أن تتكلم، أن تتخطى جدار الصمت، وأن تكسر المحظور. أية علاقة بين الإعلام والمحظور؟ هل تعمد وسائل الإعلام، في تجاوزها للمحظورات القائمة والموروثة، إلى خلق محظورات جديدة؟
وسائل الإعلام: أي رسالة؟
صحيح أن وسائل الإعلام تطلب كسر المحظورات، تقول الباحثة الإعلامية في جامعة بيليفيلد سونيا غينغا في مقابلة مع صفحتنا، وتتابع:"يجب على الخبر، بسبب التدفق الهائل للمعلومات، أن يوقظ انتباه الجمهور عبر عرض المثير وغير العادي. لكن من جهة أخرى تعمد وسائل الإعلام إلى خلق محظورات جديدة. أضرب مثلا على ذلك بالنزعة التي سادت ألمانيا قبل عشرين سنة، إذ كانت السياسة تتعاون مع وسائل الإعلام بل ويتجسس بعضها على البعض. لقد تم التعرض للحياة الخاصة للسياسيين ونشر تفاصيلها على صحف الجرائد، وهو أمر لم يعد قائما اليوم، فلم تعد وسائل الإعلام تتعرض للحياة الشخصية للسياسيين، فنحن لا نعرف شيئا عن زوج المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. من جهة أخرى تحاول وسائل الإعلام أن تلعب دورا أخلاقيا، وتتحول إلى مرجع أخلاقي للمجتمع، وأضرب مثلا بكلمة نيغر/ الأسود التي كانت مستعملة في السابق، أضحت اليوم من المحظورات، وهو ما نطلق عليه "المحظورات الدلالية".
إذا وسائل الإعلام لا تكسر المحظورات فقط، طلبا للإثارة، ولكن قد يكون دورها ذلك، مثلا فيما يتعلق بالمحظورات الدينية، دورا تحريريا، دورا يتماشى وعملية دنيوة المجتمع(نشر الثقافة الدنيوية Sekularisuerung) وصياغة أخلاق جديدة تتماشى مع العصر. إن وسائل الإعلام مصدر من مصادر الهوية الفردية والجماعية، متى فهمنا الهوية كتحول وليس كأصل.
وماذا عن المحظورات في الإعلام الألماني؟
تقول الباحثة في مجال الإعلام سونيا غينغا:" المحظور أو التابو كلمة حديثة نسبيا، ظهرت في القرن العشرين. ويعود أصلها إلى الثقافة البولينيزية، وتعني ما لا يمكن المساس به. إن التابو هو كل التصرفات والسلوكيات التي يرفضها المجتمع وينفر منها. لكن كلما تغير المجتمع وعاش تحولات تاريخية كبرى رافق ذلك تغيرا في المحظورات وفي طريقة التعامل معها. فمثلا إن نشر أفكار اليمين المتطرف اليوم أصبح من المحظورات حتى عن طريق ألعاب كومبيوتر،مثل لعبة "ضد الأتراك" أو "هتلر الديكتاتور". وهنا يجدر التنويه بالدور السلبي للإنترنت فيما يتعلق بخدش محرمات جرى إجماع سياسي وثقافي على رفضها، مثل البورنوغرافيا والعنف والأفكار اليمينية المتطرفة".
وإذا كانت سونيا غينغا تشير إلى الدور الهدام الذي يمكن أن يلعبه الإنترنت، فإن عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو يسلط الضوء على ما يسميه بالعنف الرمزي للتلفزيون. ويرى في هذا الجهاز الإعلامي خطرا على الديمقراطية وعلى السياسة، أو شكلا من أشكال صناعة الوعي، إذا تكلمنا بلغة مدرسة فرانكفورت النقدية. لكن الباحثة سونيا غينغا ترفض هذا التعميم وتقول ردا على ذلك:"صحيح أن التلفزيون يعمل انطلاقا من بنى خاصة به، التلفزيون كما يقول نيكلاس لوهمان هو الخبر والإشهار والتسلية، لكن الادعاء بأن التلفزيون خطر على الديمقراطية ادعاء أحادي، إذ نشهد بداخل الفضاء التلفزيوني نزعات ضد عمليات تشكيل الوعي، كما هي حال تلفزيونات ترفض التسلية الرخيصة وتطرح قضايا مصيرية بالنسبة للمواطنين. إن التلفزيون وسيلة تنويرية أيضا ولا يمكن رجمها بالأحادية والتمويه".
رشيد بوطيب