الإنقاذ البحري: كل دقيقة يقضيها الإنسان في المانش تهدد حياته
٢ مارس ٢٠٢٢بالقرب من ميناء دانكيرك شمال فرنسا، يقف ألان ليداغوينيل، رئيس الجمعية الوطنية للإنقاذ البحري (SNSM) في المدينة، أمام قارب فريقه التطوعي ويشاهد الغروب. يحمل رجل البحرية المتقاعد أجهزة الاتصال الخاصة به، متأهباً لاستقبال اتصالات عن مهاجرين عالقين وسط المانش، ليتواصل مع فريقه وينطلقوا خلال أقل من 15 دقيقة باتجاه قوارب المهاجرين.
دعا ليداغوينيل فريق مهاجر نيوز لزيارة مركز الجمعية بالقرب من الميناء، وأجاب على أسئلتنا.
ما التغييرات التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الأخيرة؟
زاد نشاطنا في الأشهر الأربعة الماضية، إلى ستة أضعاف مما كان عليه الوضع العام الماضي. في العادة، ننفذ 100 عملية إنقاذ سنويا، تشمل قوارب المهاجرين غير الشرعيين إضافة إلى مراكب الصيادين والسياح التي تعلق في عرض البحر. لكن خلال الفترة ما بين تشرين الأول/ أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2021، قمنا بـ50 عملية إنقاذ، جميعها متعلقة بالمهاجرين.
ما هي أهم الصعوبات الإدارية التي تواجهكم في عملكم؟
نحن متطوعون، وتبلغ ميزانيتنا التشغيلية السنوية نحو 80 ألف يورو، يصرف معظمها على الوقود ومواد التنظيف والتعقيم وما إلى ذلك. فبعد كل عملية إنقاذ، نقوم بتعقيم القارب وتنظيفه، تجنباً لانتقال أي أمراض، وحتى لا نتضرر ولا نتسبب لأي مهاجر بالضرر.
نعتمد على التبرعات بشكل أساسي لتوفير مستلزماتنا، سواء من جهات رسمية أو غير رسمية، وسواء كان الدعم نقدياً أو على شكل وقود ومعدات. في الماضي، كنا نعتمد على المهرجانات والاحتفالات التي كانت تزور المدينة، حيث كنا نقوم بوضع خيمة لنا للتعريف على أنشطتنا، وتقديم بعض الوجبات الخفيفة من منطقتنا، وجمع النقود، لكن منذ جائحة كورونا أصبحت هذه المناسبات محدودة جداً. لحسن الحظ، تمكنا من توفير الحد الأدنى من مستلزماتنا، لكننا بلا شك لا نملك أي قدرة على توسيع عملنا.
ماذا عن الصعوبات اليومية التي تواجهكم خلال عمليات الإنقاذ؟
أما على صعيد الفريق، فعددنا الكلي 32 شخصاً، 28 منهم يشاركون في عمليات الإنقاذ بمهام متنوعة. ومن بيننا رجال إسعاف وموظفون، كل شخص لديه أشغال يومية أخرى، لكننا مستعدون في أي لحظة لتلقي اتصال هاتفي يخبرنا بوجوب التوجه إلى الميناء، للقيام بعملية إنقاذ.
يتراوح عدد أفراد الفريق الذي يتواجد على قاربنا في كل عملية إنقاذ، بين ثمانية و10 أشخاص. وفي كل عملية، ينزل شخص على الأقل في البحر للتأكد من إتمام عملية الإنقاذ بشكل كامل، وللتحرك فوراً في حال سقط أحد المهاجرين في الماء.
مهمتنا معقدة وصعبة، ولا تقتصر على نقل المهاجرين من قاربهم المطاطي إلى قاربنا فحسب. أحياناً يكون قارب المهاجرين متهالكاً، فيتوجب علينا الاقتراب ببطء شديد حتى لا نغرقهم بالكامل، وأحياناً نصل بعد أن يكون المهاجرون في الماء، ويتوجب علينا التعامل مع الوضع، بالإضافة إلى مهمة رفع المهاجرين من وسط المياه إلى سطح قاربنا، ما يتطلب جهد وآليات إنقاذ مدروسة ومعقدة حتى لا نضرهم ولا نضر أنفسنا. أحياناً نجدنا مضطرين لاتخاذ قرارات سريعة ومعقدة، مثلاً عندما يسقط طفل رضيع في الماء، يعتقد الناس بأنه سيطفو لأنه خفيف، لكن في الحقيقة، فإنه يسقط إلى عمق البحر كالسهم لأنه لا يحرك يديه ولا رجليه، وقرار إنقاذه يؤخذ خلال ثوانٍ.
توزيع المهاجرين على سطح قاربنا ليس هيناً أيضاً، فقاربنا ليس كبيراً، مساحة سطحه 17,60 متراً مربعاً. نُدخل النساء والأطفال إلى القمرة، لكن الرجال يبقون على السطح ويتشبثون بالقارب، بينما نوزع عليهم بعض الملابس والأغطية إلى أن نصل إلى الميناء. في إحدى العمليات، أنقذنا 52 مهاجراً، وكنا 10 منقذين، أي 62 شخصاً على هذا القارب، ليست عملية سهلة بالتأكيد.
هل شاركتم في عمليات البحث التي تلت حادثة الغرق في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وأودت بحياة 24 شخصا؟
لا، لكن تم إبلاغنا بوجود قارب عالق، وكنا متأهبين للمشاركة في حال تم طلبنا. لكننا نفذنا عملية إنقاذ قبل أيام من عملية الغرق، ومن بين المهاجرين الذين أنقذناهم، كانت هناك عائلة كردية، أم وأطفالها الثلاثة: مراهقان وفتاة في السابعة من عمرها. تعرفنا عليهم من بين الغرقى في الحادثة المأساوية، كانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا، لقد أنقذناهم بأيدينا من وسط المياه قبلها بأيام، وصورهم موجودة على هواتفنا وهم على متن قاربنا، أحياء، لكنهم غرقوا بعدها بأيام. صراحة، نتجنب الحديث عن ذلك فيما بيننا.
هل تعتبر حادثة الغرق في تشرين الثاني/نوفمبر استثناء؟ أم أن حوادث مشابهة قد تحدث؟
بعد نحو شهر من حادثة الغرق تلك، في 18 كانون الأول/ديسمبر، تلقينا اتصالاً بوجود قارب في خطر، خلال أقل من نصف ساعة تواجد فريقنا في المكان، وجدنا 24 مهاجراً في الماء، غرق قاربهم، وهم يطفون في المياه الباردة بفضل أطواق النجاة. نزل ثلاثة من فريقنا وقمنا بانتشالهم واحداً تلو الآخر في سباق مع الزمن، فكل دقيقة يقضيها الإنسان في درجات الحرارة المنخفضة جداً لمياه المانش، تهدد حياته، ناهيك عن خطر الضياع في البحر والغرق. لحسن الحظ، تمكنا من إنقاذهم جميعاً، لا نزال مصدومين مما حدث، كنا على وشك مشاهدة فاجعة أخرى بعد أقل من شهر.
لذا فوقوع حوادث مشابهة أمر حتمي للأسف، هي مسألة وقت ونتمنى ألا تحدث. القوارب التي يستخدمها المهاجرون متهالكة جداً، ولا تصمد لأكثر من 10 دقائق في البحر وتبداً بالغرق، والمحركات رديئة جداً.
نحن نقوم بواجبنا الإنساني، لكننا لا نرى نهاية واضحة لهذه المأساة المتعِبة. في كل مرة ننقذ مهاجرين وننقلهم إلى سطح قاربنا، يسألون إذا ما كنا بريطانيين، على أمل أن نأخذهم للضفة الأخرى من المانش، فحقيقة أننا فرنسيون، تعني أنهم سيعودون للمخيمات، وأنهم سيحاولون عبور البحر لمرات أخرى. ننزلهم في الميناء، وينطلقون مرة أخرى نحو المخيمات. لحسن الحظ، الحافلات في دانكيرك مجانية ومدفئة، لكن عدا ذلك، فهي مأساة لا تنتهي.
المصدر: مهاجر نيوز / Infomigrant