الاتفاق التركي-الأوروبي وجهاً لوجه أمام موجة لجوء "صغرى"!
خالد سلامة
١٢ سبتمبر ٢٠١٩
ارتفاع قياسي في أعداد راكبي البحر من تركيا إلى الجزر اليونانية في بحر إيجة. والرئيس التركي يهدد بـ "فتح الأبواب". ما سبق يشكل اختباراً للاتفاق التركي-الأوروبي، فهل يعني هذا أن الاتفاق بات مهدداً بالانهيار؟
إعلان
عادت قوارب طالبي اللجوء المطاطية لتحط رحالها في جزيرة ليسبوس وأخواتها خيوس وساموس وليروس وكوس بوتيرة مضطردة أعادت إلى أذهان البعض إرهاصات موجة اللجوء الكبرى عام 2015. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن 34 ألف شخص وصلوا إلى جزر بحر إيجة اليونانية منذ بداية العام. وبذلك يتجاوز عدد الواصلين إلى اليونان منذ بداية العام، إجمالي من وصلوا إليها في 2018 والذي بلغ عددهم 32500. كما تعد أعداد العام الحالي الأعلى منذ ثلاث سنوات عندما أغلقت دول طريق البلقان حدودها أمام المهاجرين. وأثار تزايد الأعداد خلال الأشهر الماضية الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام.
تهديدات أردوغان؟
البعض ربط الزيادة في أعداد طالبي اللجوء الواصلين إلى اليونان بالسلطات التركية، مستشهداً بتهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن بلاده ستضطر لفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين الساعين للوصول إلى أوروبا، في حال عدم حصول أنقرة على مزيد من الدعم الدولي. وقال أردوغان إنه في حال عدم تحقق المنطقة الآمنة "سنضطر إلى فتح الأبواب". وتساءل أردوغان "هل نحن فقط من سيتحمل عبء اللاجئين؟". وقال أردوغان إن تركيا أنفقت 40 مليار دولار على اللاجئين. وانتقد الغرب، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، لعدم تنفيذ وعوده. ويقيم أكثر من 3,6 مليون لاجئ سوري في تركيا التي طالبت مؤخرا بإقامة "منطقة آمنة" في شمال شرق سوريا، يمكن للاجئين أن يعودوا إليها.
من ضمن ما يقصده الرئيس التركي بالوعود هو الاتفاق التركي-الأوروبي لعام 2016. وبموجب الاتفاق تعهّدت السلطات التركية منع الهجرة السرية من أراضيها إلى أوروبا عن طريق اليونان، الأمر الذي أدى إلى الحد من تدفّق المهاجرين واللاجئين، ولا سيما السوريين منهم، إلى القارة العجوز. ومقابل التعهّد التركي وقف الهجرة السرية إلى أوروبا، تعهّدت بروكسل تقديم مساعدة مالية لأنقرة (ستة مليارات يورو) وتحرير التأشيرات السياحية للمواطنين الأتراك وتسريع عملية التفاوض على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. لكن إردوغان قال إن ثلاثة مليارات يورو فقط وصلت حتى الآن.
ومن جانبها، نفت ناتاشا، بيرتو المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، ما جاء في تصريح أردوغان، وقالت للصحافيين في بروكسل إن الاتحاد الأوروبي قدم 5,6 مليار يورو لتركيا بموجب الاتفاق، وإن "الرصيد المتبقي المقرر سيرسل قريباً".
كرة "تتقاذفها" الدول
اليوم الأربعاء (11 أيلول/سبتمبر 2019) طالبت منظمة "برو أزول" بنزع فتيل الأزمة: "يتهدد طالبي اللجوء في جزر بحر إيجة بأن يتحولوا إلى كرة تتقاذفها مصالح تركيا واليونان ودول الاتحاد الأوروبي. ويتم تجاهل حقهم بالحماية بشكل ممنهج"، حسب ما ذكر الرئيس التنفيذي للمنظمة غونتر بوركهارت.
مخيم موريا في جزيرة ليسبوس هو الوجهة الرئيسية الأولى التي ينقل إليها القادمون الجدد. يعاني المخيم من الاكتظاظ الخانق، إذ يسكنه نحو 11 ألف شخص في حين لا تتجاوز قدرته الاستيعابية 3 آلاف شخص. ومطلع الشهر نقلت السلطات اليونانية أكثر من 600 لاجئ من المخيم إلى الداخل اليوناني في عملية شهدت تدافعاً للإسراع بـ"الخروج من هذا الجحيم" على حد وصف بعض طالبي اللجوء. تقارير إعلامية ومنظمات حقوقية أشارت إلى تدهور في الوضع الصحي والطبي وحالات عنف وتحرش جنسي بالنساء والأطفال. المفوضية العليا للاجئين لفتت إلى أن بعض الفتيات والفتيان القصر يعيشون بدون حماية وهم عرضة للتجاوزات ولمختلف أنواع الاستغلال، والبعض منهم يقيم مع بالغين لا يعرفهم.
واليوم الأربعاء طالبت "برو أزول" الألمانية على لسان الرئيس التنفيذي للمنظمة غونتر بوركهارت ببت عادل بطلبات اللجوء وبنقل طالبي اللجوء القصر إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي.
كما شدد تقرير جديد للقناة الأولى في التلفزيون الألماني (ARD) نشر اليوم الأربعاء على موقعها الإلكتروني إلى تدهور الأوضاع في جزر بحر إيجة، منوهاً إلى تعذر تقديم الرعايا الصحية، حتى للأمراض المزمنة وحالات السرطان، إلا في حالات نادرة. وأشار التقرير أنه في شهر آب/أغسطس الماضي لوحده وصل أكثر من 8000 طالب لجوء إلى جزر بحر إيجة.
هل يصمد الاتفاق التركي-الأوروبي؟
حذر خبير الهجرة، غيرالد كناوس، وهو أحد مهندسي الاتفاق الأوروبي-التركي الخاص باللاجئين، من انهيار الاتفاق بسبب ما يحدث على الجزر اليونانية، داعياً إلى خطة لمساعدة السلطات في أثينا. وطالب الخبير بسرعة البت بطلبات اللجوء خلال أسابيع وإعادة المرفوضين إلى تركيا بأقرب وقت ممكن.
غير أن رئيس مؤسسة هاينرش بول الألمانية في تركيا، المقربة من حزب الخضر، كريستيان براكل، لا يعتقد أن الاتفاق سينهار، مشيراً إلى أن الطرفين لهما مصلحة كبرى-كما في السابق- بالتمسك به. وأضاف الخبير الألماني في حديث مع "مهاجر نيوز" إلى أن التمسك بالاتفاق فقط من باب عدم وجود خيارات أخرى. ويرى أن تهديدات أردوغان تأتي لحث الأوروبيين على مساعدة بلاده مالياً وإيصال رسالة للناخب التركي أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يفعل شيئاً ما في ملف اللاجئين في تركيا.
تحالف الإكراه.. أبرز محطات الخلاف بين ألمانيا وتركيا
تحاول تركيا حاليا تحسين علاقاتها مع ألمانيا، خاصة بعد تأزم الوضع الاقتصادي وتفاقم الخلاف مع الولايات المتحدة. لكن تركيا كانت غالبا هي السباقة لتعكير صفو العلاقات مع حليفها التاريخي ألمانيا، وهذه أبرز محطات الخلاف بينهما.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
عودة المياه إلى مجاريها؟
رغم المساعي التركية الأخيرة لتحسين علاقاتها مع ألمانيا قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى برلين في شهر أيلول/سبتمبر 2018. إلا أن تركيا كانت غالبا هي السباقة إلى تأجيج العلاقات مع حليفها التاريخي ألمانيا. لقاء قديم يعود لعام 2011 جمع أردوغان بالمستشارة ميركل.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
حبس صحفيين ونشطاء ألمان
رفعت محكمة تركية الاثنين (20 أب/أغسطس 2018) حظر السفر المفروض على الصحفية الألمانية ميسالي تولو التي اعتقلت العام الماضي بتهم تتعلق بالإرهاب. وتسببت قضية تولو، بالإضافة إلى قضية الصحفي دينيز يوجيل الذي ظل محتجزا عاما كاملا، وقضية الحقوقي بيتر شتويتنر الذي احتجز لثلاثة أشهر، إلى توتر شديد في علاقات أنقرة مع برلين. ومنذ الإفراج عن يوجيل في فبراير الماضي بدأت حدة التوتر في العلاقات تتراجع نسبيا.
صورة من: picture-alliance/dap/Zentralbild/K. Schindler/privat/TurkeyRelease Germany
اتفاقية اللاجئين مع تركيا
توصلت بروكسل وأنقرة إلى اتفاق في آذار/مارس 2016، يسمح بإعادة اللاجئين إلى تركيا، بمن فيهم طالبو اللجوء السوريون الذين وصلوا إلى اليونان. وذلك بعد تدفق أكثر من مليون لاجئ ومهاجر عبر تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي في عامي 2015 و2016. ووافقت أوروبا على تمويل صندوق مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات يورو مخصص لأكثر من مليونين ونصف مليون لاجئ موجودين في تركيا، في مقابل وعد أنقرة بالحد من تدفقهم.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis
الاعتراف بإبادة الأرمن
ازداد تدهور العلاقات بين ألمانيا وتركيا إثر قيام البرلمان الألماني "بوندستاغ" في حزيران/يونيو 2016، بالاعتراف بتعرض الأرمن للإبادة خلال حكم السلطنة العثمانية مطلع القرن الماضي. وكذلك بعد إدانة ألمانيا المستمرة لعمليات القمع في تركيا التي أعقبت الانقلاب الفاشل على الرئيس رجب طيب أردوغان صيف عام 2016.
صورة من: Getty Images/AFP/S. Gallup
انتقادات تركية للغرب
انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغرب في أكثر من مرة متهما إياه بعدم إظهار التضامن مع أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل. وقال إن الدول التي تخشى على مصير مدبري الانقلاب بدلا من القلق على ديمقراطية تركيا لا يمكن أن تكون صديقة.
صورة من: picture-alliance/abaca/F. Uludaglar
منح اللجوء لمعارضين تتهمهم تركيا بدعم الانقلاب
ما زاد من تدهور العلاقات المتوترة بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي هو منح ألمانيا حق اللجوء لجنود أتراك سابقين ومن ضمنهم قيادات عسكرية، تتهمهم الحكومة في أنقرة بالتورط في محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في شهر تموز/ يوليو 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Charisius
رفض تجميد أصول مقربين من غولن في ألمانيا
رفضت ألمانيا طلباً رسمياً من تركيا بتجميد أصول أعضاء من شبكة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشل. وأبلغت برلين أنقرة أنه ليس هناك أساس قانوني كي يقيد مكتب الإشراف المالي الاتحادي حركة غولن وأنصاره.
صورة من: picture alliance/dpa/M.Smith
مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
رُشحت تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، وبدأت المفاوضات بين الجانبين حول هذا الشأن عام 2005. لكن المفاوضات تجمدت خريف عام 2016. وتعترض أغلب الأحزاب السياسية الألمانية في الوقت الحاضر على انضمام تركيا للاتحاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/T. Bozoglu
الترويج للتعديلات الدستورية على الأرض الألمانية
رفضت ألمانيا ترويج ساسة أتراك في أراضيها للتعديلات الدستورية التي أقرت عام 2017. واتهم أردوغان المستشارة ميركل آنذاك باللجوء إلى ممارسات "نازية" لمساندتها هولندا في النزاع الذي نشب بينها وبين تركيا لنفس المسالة، مما أثار استنكار ألمانيا وحمل الرئيس الألماني شتاينماير على مطالبته بالتوقف عن هذه "المقارنات المشينة".
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Steinberg
التجسس في ألمانيا على معارضي أردوغان
أعلنت رئاسة الشؤون الدينية التركية سحبها أئمة من ألمانيا، وذلك بعدما أعلنت هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية الألمانية) في كانون الثاني/يناير 2017، أنها تحقق في اتهامات بالتجسس ضد اتحاد "ديتيب" الإسلامي التركي في ألمانيا. وتتهم الهيئة أئمة المساجد التابعة لـ "ديتيب" بتقديم معلومات عن معارضين للرئيس أردوغان للقنصليات التركية.
صورة من: DW/O. Pieper
الجنود الألمان يغادرون قاعدة أنجرليك التركية
رفضت أنقرة زيارة وفد من لجنة الدفاع بالبرلمان الألماني لجنود الجيش الألماني المتمركزين في قاعدة أنجرليك التابعة لحلف الناتو. وقررت ألمانيا إثر ذلك في حزيران/يونيو 2017 سحب قواتها الـ 260 الذين كانوا للمشاركة في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" في كل من سوريا والعراق، بنقل هذه القوات إلى الأردن. في الوقت نفسه مازال جنودا ألمان يتمركزون في قاعدة تابعة للناتو في كونيا.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Schwarz
تشبيه ميركل بهتلر وهجوم الصحافة التركية على ألمانيا
نشرت صحيفة تركية موالية للحكومة في أيلول/سبتمبر 2017، صورة للمستشارة ميركل، على صفحتها الأولى، تظهرها بشارب هتلر الشهير، ويبدو فوق رأسها الصليب المعقوف رمز النازية. وجاء التصعيد الإعلامي هذا قبيل الانتخابات التشريعية الألمانية عام 2017 وبعد المناظرة التلفزيونية بين المستشارة ميركل ومنافسها الاشتراكي شولتس، حيث دعا كلاهما إلى إنهاء المفاوضات بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
صورة من: picture-alliance/dpa/L. Say
قمة جبل جليد الخلافات
شددت الخارجية الألمانية في تموز/يوليو 2017، من تحذيرات السفر إلى تركيا التي تعد مقصدا سياحيا للألمان، وذلك عقب تصاعد حدة الخلاف بين ألمانيا وتركيا وإعلان برلين عن "توجه جديد" في سياستها تجاه أنقرة.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
إيقاف تصدير الأسلحة
تصدير الأسلحة إلى تركيا يمثل إشكالية أيضا، وأوقفت الحكومة الألمانية صادرات الأسلحة لها بالكامل تقريبا خلال الأشهر الأولى من توليها المهام رسميا مطلع هذا العام. جاء ذلك بعد تزايد الانتقادات ضد تصدير أسلحة إلى تركيا إثر توغل قواتها في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية. وكان من بين الأسلحة التي استخدمتها تركيا دبابات ألمانية من طراز "ليوبارد".
صورة من: Reuters
قضية مسعود أوزيل واستغلالها إعلاميا
أعلن مسعود أوزيل اعتزاله اللعب دوليا مع منتخب ألمانيا على خلفية الانتقادات الحادة التي وجهت إليه بسبب التقاطه صورا مع أردوغان، قبيل نهائيات كأس العالم في روسيا. واتهم أوزيل الاتحاد الألماني بالعنصرية مشددا على أنه لم تكن لديه أي "أغراض سياسية" عندما التقط الصورة مع أردوغان. فيما انتقد أردوغان المعاملة التي لاقاها أوزيل التي وصفها بـ"غير المقبولة".
صورة من: picture-alliance/dpa/Presidential Press Service
"ضمانات هيرمس"
رغم الأزمة التي مرت بها العلاقات الألمانية - التركية، ارتفعت الضمانات الألمانية لائتمان الصادرات إلى تركيا، والتي تعرف باسم "ضمانات هيرمس"، بصورة ملحوظة في عام 2017 ووصلت إلى نحو 1.5 مليار يورو. وكانت الحكومة الألمانية قد وضعت حدا أقصى للضمانات في أيلول/ سبتمبر 2017، بلغ هذا المبلغ. ورفعت ألمانيا هذا التحديد في شهر تموز/يوليو الماضي. وتعتبر ألمانيا أهم شريك تجاري لتركيا على مستوى العالم.
صورة من: picture-alliance/Hermes Images/AGF/Bildagentur-online