الاسبست.. مادة البناء التي تهدم البشر
١٢ يوليو ٢٠١١يستخدم الأسبست غالبا في تغطية سطوح المنازل والوحدات السكنية والمصانع وفي بناء المداخن. وفي حين تتحدث الأرقام الرسمية عن مائة ألف وفاة سنويا، فإن الأرقام غير الرسمية، والتي تنطلق من خطأ حالات التشخيص لأسباب الوفاة، تتجاوز هذه الأرقام بمراحل. ورغم تحذيرات العلماء من ارتباط استخدام الأسبست بالإصابة بأمراض السرطان والرئة، فإنه لا يوجد حظر عالمي على استخراجه واستخدامه. وحتى داخل الاتحاد الأوروبي فقد استغرق الأمر حوالي 60 عاماً حتى تم فرض حظر على الأسبست. ويقول العالم رولف باكروف :"إنه بالرغم من معرفة الأطباء منذ أربعينات القرن الماضي بالأمراض الجسيمة التي تصيب الإنسان عن طريق استنشاق غبار الأسبست، كسرطان الضلوع وسرطان الحنجرة وسرطان الرئة وداء الأسبست، فإن الاتحاد الأوروبي لم يقم بفرض حظر على الأسبست إلا في عام 2005"
من هو المستفيد؟
وتعارض الكثير من الدول فرض حظر عالمي على مادة الأسبست ولا سيما تلك التي تمتلك احتياطيا كبيرا منه كدول الاتحاد السوفيتي السابق وكندا والبرازيل وزيمبابوي والصين وجنوب أفريقيا. وتحقق هذه الدول أرباحا هائلة عن طريق استخراج الأسبست وبيعه.
وحتى في دول ليبرالية مثل كندا فإن المصالح الاقتصادية تؤخذ بعين الاعتبار، بدون مراعاة سلامة العاملين في هذا المجال. ويقول رولف باكروف "المشكلة تكمن في اللوبي المتحكم في هذه الصناعة في كندا، والذي لا يعنيه شيء سوى جني الأرباح، فهم يملكون احتياطيا كبيرا من الأسبست الأبيض أو ما يسمى الكريسوتيل، الذي يقللون من شأن مخاطره الصحية، بهدف تصديره للخارج". ويؤكد رولف بأن ما يدعيه أصحاب هذه الصناعة من أن الأسبست الأبيض أقل خطورة من الأزرق وانه لا يوجد خطر في استخدام النوع الأول ليس إلا محض هراء، إذ تشير كل الدراسات العلمية إلى عدم وجود فروق كبيرة بين المادتين.
ضحايا الفقر والأكاذيب
الدول النامية والدول ذات الاقتصاد الصاعد مثل الهند والصين واندونيسيا وتايلاند وفيتنام هي من تدفع ثمن هذه الأكذوبة، حيث يتم شراء مادة الأسبست لأنها أرخص من مواد البناء الأخرى. أما الكارثة فتكمن في عدم وجود أي وعي بالمخاطر الصحية المترتبة على استخدامه، إذ لا توجد إجراءات لحماية سلامة عمال البناء ولا إحصائيات لعدد الضحايا، كما يقول روكهو كيم من منظمة الصحة العالمية.
ويرجع كيم نقص أو انعدام البيانات عن حالات الإصابات جراء التعرض للأسبست إلى عدة احتمالات : "فإما أن الأطباء ليس لديهم علم بأعراض الأمراض التي يسببها الأسبست وبالتالي فهم غير قادرين على تشخيص المرض أو أنهم يخشون تشخيص الحالات كحوادث عمل، وربما تكون هناك مصالح مشتركة بين الأطباء والشركات أو الحكومة، أو أن المريض يخشى فقدان وظيفته إذا عُرف أمر إصابته. المشكلة هي أنه لا يتم الإبلاغ عن حالات الإصابة ولذا لا توجد أي بيانات رسمية ".
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة
لكن كل هذا لم يمنع منظمة الصحة العالمية من مواصلة جهودها لمحاربة هذه الكارثة الإنسانية، حيث قامت بعقد مؤتمر في مدينة بون الألمانية من أجل فرض حظر عالمي على الأسبست. وشارك في المؤتمر أربعون دولة أوروبية من أعضاء المنظمة، بينها دول تستخرج الأسبست حتى اليوم. وفي المؤتمر حاول بعض الخبراء المشهورين إقناع المشاركين بالحجج والحقائق العلمية بخطورة استخدام الأسبست، كما يقول كيم روكهو. وفي نهاية المؤتمر اعترفت كل الدول الأوروبية الأعضاء بمخاطر الأسبست ووقعت على وثيقة بذلك. وحتى الخريف القادم ستقوم هذه الدول بتقديم تقارير عن حجم استخدام الأسبست وإعداد خطة وطنية للحد من استخدامه أو اتخاذ إجراءات الحماية اللازمة.
آنا فلورينسكه/ مي المهدي
مراجعة: عبد الرحمن عثمان