الاستثمارات الخليجية في البنوك الغربية تخفف من وطأة أزمة القروض العقارية الأمريكية
٢٦ ديسمبر ٢٠٠٧أثرت أزمة القروض العقارية الأمريكية بشكل مباشر على ألمانيا. هذه الأزمة كانت ستكون مرتبطة بعواقب أكثر سلبية لو أن الاقتصاد الألماني يعيش في حالة ركود حاليا. لكن حالة الانتعاش الاقتصادي خففت من وطأها، كما أن استعداد المستثمرين الآسيويين والعرب للاستثمار في القطاع البنكي الأوروبي ساهم في تلافي نتائج كارثية لها.
الدول الخليجية تنقذ كبرى البنوك الغربي
وعلى سبيل المثال لا الحصر أعلن بنك يو بي إس السويسري (ثاني أكبر بنك في أوروبا) في منتصف الشهر الحالي أن مستثمرين من سنغافورة وعلى ما يبدو من السعودية سيستثمرون حوالي 13 مليار فرنك سويسري في البنك، وذلك لدعم ميزانيته التي تضررت بحوالي 10 مليارات فرنك نتيجة للأزمة الأمريكية. وجاء ذلك بعد أيام من إعلان سيتي بنك الأمريكي عن بيع 4.9 بالمائة من أسهمه لصندوق استثماري تابع لإمارة أبو ظبي بقيمة 7.5 مليارات دولار في أعقاب أزمة القروض العقارية. ومنذ ذلك الحين تزايدت وتيرة النقاش في الأوساط السياسية والاقتصادية الألمانية حول دور المستثمرين الأجانب. فبينما يرحب قطاع البنوك الخاصة بهذه الاستثمارات يحذر بعض السياسيين منها ويدعون إلى حماية الاقتصاد الألماني من استحواذ صناديق استثمارية توجهها دول أجنبية على قطاعات حيوية فيه.
دعوات لبيع بنوك ألمانية للخليجيين
وتنتهج بعض الأوساط الاقتصادية، التي تمثلها صحيفة هانديلسبلات الاقتصادية الألمانية سياسة مدافعة عن فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية، حتى أن الصحيفة دعت إلى بيع قطاع البنوك الألمانية التابعة للولايات والبلديات الألمانية إلى الصناديق الاستثمارية التابعة للدول الأجنبية (الصناديق الوطنية). وتعاني البنوك الألمانية المذكورة من أزمة حادة كادت تطيح ببعضها إثر أزمة القروض الأمريكية. وكان قد ساد ألمانيا منذ منتصف 2007 نقاش حول سبل مراقبة الاستثمارات الأجنبية وبالخصوص الصناديق الوطنية التي يتزايد دورها في الاقتصاد العالمي يوما بعد يوم.
خطط لحماية الاقتصاد الألماني
ومؤخرا أعلن صندوق دبي إنترناشونال كابيتال DIC عن رغبته في زيادة نشاطاته الاستثمارية في كبرى الشركات الألمانية، ويبدو أن خطط هذا الصندوق وغيره قد أيقظت بعض السياسيين والاقتصاديين الألمان للمطالبة بحماية الاقتصاد الألماني. ويقف على رأس السياسيين المطالبين بحماية الاقتصاد الألماني رونالد كوخ، رئيس وزراء ولاية هسين المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي. ويقول كوخ، الذي يميل إلى الشعبوية، أنه يجب مراقبة عمل الصناديق الوطنية ومعرفة نواياها قبل السماح لها بالاستثمار في قطاعات الاقتصاد الرئيسية في ألمانيا. لذلك تدرس الحكومة الألمانية حاليا ورقة قدمها كوخ تسمح للحكومة الألمانية بإلغاء عملية الاستثمار الأجنبي في حال تعدت نسبة 25 بالمائة من أسهم الشركة الألمانية. وحصل هذا الاقتراح على دعم من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ولكن قيام الصناديق الوطنية بإنقاذ البنوك الغربية في وقت لم يجرئ فيه أي من المستثمرين من القطاع الخاص على مثل هذه الخطوة ساهم في خلق وعي إعلامي ألماني بأهمية الدور الإيجابي الذي تلعبه الصناديق التابعة لدول أجنبية.
لوبي حماية الاقتصاد الألماني في موقف دفاع
وخلال عام 2007 نشـأ في ألمانيا لوبي يعمل على الحد من تزايد تأثير المستثمرين الأجانب في ألمانيا. ويبدو أن هذا اللوبي يدور حول فلك شركة طيران لوفتهانزا الألمانية وشركة فرابورت، التي تدير مطار فرانفكورت المملوكة جزئيا من قبل ولاية هسين التي يرأسها رونالد كوخ المذكور أعلاه. وتحذر لوفتهانزا بين كل فترة وأخرى من الدور المتزايد لمطار دبي وشركة طيران الإمارات وتأثير نموهما على زيادة البطالة في ألمانيا. كما يدعو بعض السياسيين إلى وضع قطاع النقل الألماني تحت حماية خاصة. إلا أن هذا اللوبي يبدو عاجزا أمام تطور النظام المالي العالمي واتجاه مركز ثقله نحو الشرق. ومن الملاحظ أنه بعد استثمار أبوظبي وسينغافورة في كبرى البنوك الغربية تضاءلت حجج المؤيدين لحماية الاقتصاد الألماني من الاستثمارات الأجنبية وعلت أصوات المدافعين عن الاستثمارات الأجنبية. يذكر أنه حسب دراسة أجرتها صحيفة هانديلسبلات الاقتصادية الألمانية مؤخرا فقد أصبحت 53 بالمئة من أسهم أكبر ثلاثين شركة ألمانية في أيدي مستثمرين أجانب.
تعميق التبعية للعملاق الأمريكي الآفل
وفي الواقع تشكل استثمارات الصناديق الوطنية الآسيوية والخليجية "إنقاذا للنظام المالي الغربي" حسبما جاء في عنوان لتقرير نشرته صحيفة زيد دويتشه الألمانية الرصينة. ولولا تدخل أبو ظبي لإنقاذ سيتي بنك الأمريكي وتدخل سينغافورة لصالح يو بي إس السويسري لكان من الممكن أن يتعرض النظام المالي الأمريكي-الأوروبي لانهيار كبير سيؤثر بقوة على اقتصاديات الدول الخليجية المعتمدة على احتياطات واستثمارات بالدولار واليورو.
و في حقيقة الأمر تسعى الدول الآسيوية والخليجية من خلال استثماراتها الضخمة في المصارف الغربية إلى إنقاذ استثماراتها الأجنبية و احتياطاتها من العملات الأجنبية وخصوصا الاحتياطات بالدولار الأمريكي، الذي عانى خلال 2007 من هبوط خطير على أسعاره. وعلى المدى المتوسط سيعني هذا زيادة تأثير المستثمرين الآسيويين والخليجيين في القرارات الإستراتيجية للشركات الغربية الكبرى، وربما سينعكس هذا أيضا على القرارات السياسية الغربية في نهاية الأمر. ولكن على المدى البعيد سيزيد هذا من تعلق الاقتصاديات الخليجية بالاقتصاد الأمريكي المرشح لمزيد من الضعف بسبب تزايد الديون المترتبة عليه وسوء حالة البنى التحتية من طرق وجسور في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يتوقع المراقبون أن يسبب أزمة مالية عالمية في المستقبل.