1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"الاستشارة الإلكترونية".. حل للأزمة التونسية أم تعقيد لها؟

١٣ يناير ٢٠٢٢

بالتزامن مع مرور 11 عاما على الثورة التونسية، تنطلق "الاستشارة الوطنية الإلكترونية" التي دعا إليها الرئيس قيس سعيّد كجزء من رؤيته لحل الأزمة السياسية في البلاد، وسط انقسامات وردود فعل متباينة.

انقسام في تونس حيال الخطوات التي يتخذها الرئيس قيس سعيد
لا تزال الرأي العام في تونس يشهد انقساما حيال الخطوات التي يتخذها الرئيس قيس سعيدصورة من: Nacer Talel/AA/picture alliance

تنطلق في منتصف يناير / كانون الثاني الجاري الاستشارة الوطنية الإلكترونية، التي دعا إليها الرئيس التونسي قيس سعيّد، حيث سيتمكن التونسيون من المشاركة في أول استفتاء رقمي في البلاد حول مستقبلهم السياسي.

وقامت الحكومة بتدشين موقع "الاستشارة الوطنية" على الإنترنت حيث يقوم المواطنون بتسجيل أسمائهم عبر الهوية الوطنية، لكي يتمكنوا بعد ذلك من الإدلاء بآرائهم حيال ست مواضيع بما في ذلك التعليم والثقافة والانتخابات والاقتصاد.

وتعد الاستشارات الوطنية الرقمية التي بدأت مرحلتها تجريبية في مطلع يناير / كانون الثاني جزءَ من خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد من أجل تمهيد الطريق أمام تغيير دستوري. ومن المقرر أن تستمر الاستشارة الرقمية حتى مارس / آذار المقبل.

أثار انطلاق "الاستشارة الوطنية الإلكترونية" المخاوف حيال سلامة بيانات المواطنينصورة من: YouTube/e-istichara.tn/

انقلاب دستوري؟

وتعصف بتونس- مهد الربيع العربي - أزمة سياسية طاحنة منذ قيام الرئيس قيس سعيد في يوليو / تموز الماضي بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي ومنح نفسه صلاحيات قانون الطوارئ، عازيا في ذلك رغبته في إنهاء الجمود السياسي المستمر في البلاد والقضاء على الفساد بعد عقد من ثورة الياسمين.

وأثارت الخطوة التي قام بها سعيّد انقسامات في تونس ما بين معسكرين، إذ يرى المعسكر المؤيد لسعيّد أن هذه القرارات كانت ضرورية لإنهاء حالة الجمود السياسي ومعالجة المأزق الاقتصادي، فيما وصف المعسكر المعارض الخطوة بأنها ترقى لأن تكون "انقلابا دستوريا".

واتهم هذا المعسكر قيس سعيد بأنه يمهد الطريق ليكون "ديكتاتورا" ما يهدد الديمقراطية الوليدة في تونس.

ويرى أنتوني دوركين - كبير الباحثين في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية المعروف اختصارا بـ (ECFR) - أن مثل هذه الاتهامات دفعت إلى إطلاق الاستشارة الوطنية الرقمية في البلاد.

وأضاف في مقال نشر مؤخرا "بسبب هذا، دعا كثيرون في الداخل التونسي وخارج البلاد الرئيس إلى وضع خارطة طريق لإعادة البلاد إلى المسألة الديمقراطية".

يتهم المعارضون الرئيس قيس سعيد بالسعي إلى تعزيز صلاحياته وسلطته صورة من: TUNISIAN PRESIDENCY/AA/picture alliance

انتخابات حاسمة

وتتضمن خارطة الطريق التي كشف عنها سعيّد في ديسمبر / كانون الأول الماضي إجراء استفتاء دستوري في يوليو / تموز المقبل، حيث سيصوت التونسيون على مشروع دستور جديد للبلاد أعده سعيد ولجنة خبراء قام بتشكيلها.

ومن المقرر أن تأخذ اللجنة في الاعتبار نتائج الاستشارة الوطنية الإلكترونية وما حملته من آراء التونسيين فيما تشمل خارطة الطريق إجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر / كانون الأول 2022 استنادا إلى النظام الانتخابي، الذي سيخرج من رحم دستور البلاد الجديد.

وفيما يتعلق بالاستشارة الوطنية الإلكترونية فقد أثارت انقسامات داخل تونس منذ طرحها؛ حتى رأى بعض التونسيين أن شعار موقع الاستشارة "رأيكم ...قرارنا" يحمل في طياته أمرا مفتوحا للتأويل.

أما الرئيس التونسي، فشدد على أنه يرغب في إنشاء نظام رئاسي يقوم على أساس الديمقراطية المباشرة على المستوى المجالسي بدلا من برلمان وطني.

ويشار إلى أن النظام الحالي في تونس يعد مختلطا، حيث يُنتخب فيه الرئيس بشكل مباشر ولكن أغلب السلطات بيد رئيس الحكومة الذي يعينه الائتلاف الحاكم.

الانقسام سيد الموقف

وفي الشارع التونسي، بدا الانقسام واضحا حيال انطلاق الاستشارة الوطنية الرقمية في البلاد.

يؤيد أكرم الشاهد، وهو موظف في أحد مصارف العاصمة، المبادرة باعتبارها "خطوة ذكية"، مضيفا في مقابلة مع DW "يريد (سعيّد) أن يتم التعامل مع الجميع على قدم المساواة بلا امتياز بسبب التحزب أو الانتماء للنخبة. وبغض النظر عن الأهداف السياسية للرئيس، فنحن نعيش في عالم رقمي ويجب على الجميع التكيف مع هذه الحقيقة".

أما رحمة الحباسي، وهي مهندسة تعمل في مجال تكنولوجيا الاتصالات في تونس، فترى أن الأمر يواجه بعض العقبات.

وفي ذلك، قالت "المشكلة لا تتعلق بقبول أو رفض إبداء الآراء عبر الإنترنت، لكن هناك عقبات فنية محتملة في سياق استخدام التكنولوجيا وانتشار الإنترنت في البلاد".

يشار إلى أن قرابة 66 في المائة من سكان تونس يتمتعون باتصال منتظم بالشبكة العنكبوتية، فيما قالت وزارة الشؤون الاجتماعية في وقت سابق من الشهر الجاري أن عدد الذين يعانون من الأمية بلغ مليوني تونسي أي ما يشكل 18 بالمائة من تعداد سكان البلاد.

وفي ضوء هذه الأرقام، ترى الأصوات المعارضة أنه من الصعب أن تنضوي الاستشارة الوطنية الإلكترونية على عملية شاملة تشمل كافة التونسيين بشكل حقيقي.

حماية بيانات المواطنين؟

تلك الأصوات المعارضة ارتفعت بالتزامن مع إدانة منظمة "أنا يقظ"، منظمة رقابية تونسية مستقلة لمكافحة الفساد المالي والتابعة لمنظمة الشفافية الدولية، الافتقار إلى الشفافية على موقع الاستشارة الوطنية.

وقالت منظمة "أنا يقظ" في بيان "نستهجن وبشدّة غياب التشاركيّة وانعدام الشفافيّة في إعداد الأسئلة والمحاور المضمنة في البوابة الإلكترونيّة"، مضيفة "نعتبر كذلك أن الأسئلة كائنا ما ستكون هي محاولة لتوجيه إرادة الشعب والحدّ من حقه في تقرير مصيره من قبل من أعدّها" مسبقاً.

يتمتع قرابة 66 في المائة من سكان تونس باتصال منتظم بالانترنتصورة من: DW/Asma Abidi

وفي ذلك، قالت منظمات دولية معينة بحماية البيانات الرقمية والوصول إلى الانترنت إن قوانين حماية البيانات في تونس قديمة ولم يتم تحديثها ما يمثل عبئا في حالة قيام موقع الاستشارة الوطنية بتطبيق قوانين حماية البيانات.

وأثارت خطوة الاستشارة الوطنية الإلكترونية انتقادات من أعضاء بارزين من حزب آفاق تونس وحركة النهضة، اللذين كانا يمتلكان أغلبية مقاعد البرلمان المجمد حاليا.

"تحديد المعارضين"

وكان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي من أشد منتقدي الاستشارة الوطنية والاستفتاء الإلكتروني، داعيا التونسيين إلى تجاهل "الاستشارة الشعبية الإلكترونية".

ووصف المرزوقي، أول رئيس مؤقت لتونس بعد الثورة، على صفحته على موقع فيسبوك، الاستشارة الوطنية بأنها "عملية تحيل جديدة سيذهب ضحيتها كمشة من السذّج لا يعلمون أن المطلوب بياناتهم لاستخدامها في إعادة انتخاب الأخ القائد"، يقصد بذلك الرئيس التونسي.

وحذر المرزوقي، الذي يعد من أشرس معارضي التدابير الجديدة للرئيس الحالي، من أن الموقع "احتيالي" وسوف يُستخدم لاحقا لتحديد التونسيين الذين يعارضون قيس سعيد، على حد قوله.

يشار إلى أنه في 22 من ديسمبر / كانون الأول 2021، قضت محكمة تونسية قضت بحبس المرزوقي، المقيم في فرنسا، أربع سنوات بتهمة "المس بأمن الدولة في الخارج"، وهو الحكم الذي اعتبره الرئيس السابق "مسيسا" بسبب معارضته للتدابير الأخيرة التي أعلن عنها قيس سعيّد.

وفي يناير / كانون الثاني، قررت محكمة تونسية إحالة 19 شخصا بينهم المنصف المرزوقي إلى القضاء بتهمة "ارتكاب جرائم انتخابية" تعود لعام 2019.

أثارت خطوات قيس سعيد المخاوف على مصير الديمقراطية في تونس التي تعد قصة النجاح الوحيدة للربيع العربيصورة من: Amine Landoulsi/AA/picture alliance

تنامي القلق

ورغم كل ذلك، لا تزال خارطة الطريق التي أعلن عنها قيس سعيّد لمدة عام تحظى بدعم من أطياف كبيرة من الشعب التونسي والأحزاب السياسية إذ شدد حزب البعث على أن الخطوة تعكس "إرادة واضحة وصلبة للإصلاح"، فيما اعتبرتها كتلة "الجبهة الشعبية" اليسارية محاولة لإبعاد "السياسيين الإسلاميين الفاسدين من السلطة".

يشار إلى أن خطوة سعيّد بتعليق عمل البرلمان لاقت ترحيبا من العديد من التونسيين وسط فشل الحكومات المتعاقبة على مدار السنوات العشر الماضية في حل الوضع الاقتصادي المتردي، فيما كشفت استطلاعات الرأي أن الأغلبية تعتقد أن البلاد كانت تسير في الاتجاه الخاطئ قبل أن يتولى سعيّد رئاسة البلاد.

بيد أن التدابير التي أعلنها قيس سعيّد، والتي يصفها البعض بـ "الاستبدادية"، تثير المزيد من القلق إزاء استخدام القضاء لإسكات المعارضين مثل المرزوقي.

تعاني تونس من أزمة اقتصادية متردية جراء وباء كورونا والأزمة السياسية الحالية وتراكم الديونصورة من: Zoubeir Souissi/REUTERS

تبييض الديمقراطية؟

بدروه، يرى أنتوني دوركين، كبير الباحثين في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الخطوات التي يتخذها قيس سعيّد "تثير قدرا كبيرا من الشكوك"، وقال: "منذ استيلاء (قيس سعيّد) على السلطة في يوليو / تموز الماضي، أصبح عدد من الأصوات التي كانت تتعاطف معه وتدعمه في السابق تعارضه الآن؛ إذ بات واضحا أنه ينوي حقا توجيه البلاد نحو مسار سلطة أكثر مركزية".

وفي مقابلة مع DW، قال دوركين إن "هذا هو السبب الذي أثار انقسامات حيال الاستشارة الوطنية الإلكترونية".

وأوضح كبير الباحثين في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن هذه الاستشارة الوطنية تعد من حيث المبدأ "أفضل طريقة للحصول على أراء الناس بدلا من لا شئ على الإطلاق، لكن يبدو أنها جاءت كورقة توت، فهي استشارة دون أي مضمون حقيقي".

بيد أن دوركين دعا إلى ضرورة النظر في هذه الاستشارة الوطنية من منطلق أكبر، مضيفا "هناك القليل من الشفافية بشكل ملحوظ حيال كيفية تنفيذ (خارطة الطريق) إذ يفتقر الأمر إلى مشاركة رسمية من أطياف سياسية أخرى أو من المجتمع المدني".  وختم حديثه لـDW بالقول: "كل ذلك يحدث في ظل نظام سياسي تتركز فيه السلطات السياسية بأسرها في قبضة قيس سعيد".

كاثرين شاير وطارق قيزاني / م ع

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW