لا تتوقف موجة الإفلاسات في الاقتصاد الألماني دون أي بوادر انحسار، إذ ارتفع عدد حالات الإفلاس بشكل ملحوظ الشهر الماضي. فما الأسباب؟
تسجل محكمة الإفلاس أعدادا متزايدة من الطلبات والموافقات على الطلبات في ألمانيا صورة من: Ralf Hirschberger/dpa/picture alliance
إعلان
صدرت بيانات أولية عن مكتب الإحصاء الاتحادي في مدينة فيسبادن الألمانية اليوم الجمعة (14 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، أوضحت أنه قد تم خلال الشهر الماضي تسجيل عدد من طلبات إشهار الإفلاس بزيادة قدرها 5,6% على أساس سنوي.
ولا تدرج هذه الإجراءات في الإحصاءات إلا بعد صدور أول قرار من محكمة الإفلاس، وغالبا ما يكون تاريخ تقديم طلب الإفلاس قبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر.
أما في أغسطس/آب الماضي، الذي تتوفر بشأنه بيانات نهائية، فقد ارتفعت الأرقام بشكل أكبر، إذ سجلت المحاكم الابتدائية في ألمانيا 1979 طلب إفلاس لشركات، بزيادة قدرها أكثر من 12% مقارنة بالعام السابق. وبلغت مطالبات الدائنين نحو 4,5 مليار يورو، أي أكثر من ضعف ما كانت عليه في الشهر نفسه من العام الماضي (3,2 مليار يورو).
وبالنسبة لكل 10 آلاف شركة، سجلت 7,5 حالة إفلاس في أغسطس/آب الماضي، معظمها في قطاعات النقل والتخزين، تلاها قطاعا البناء والمطاعم. كما ارتفع عدد حالات إفلاس الأفراد بنسبة تزيد عن 8% ليصل إلى 6132 حالة.
تحديات كثيرة ومتنوعة
وفي ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة، تضطر العديد من الشركات إلى الإغلاق. وتتوقع شركات الاستعلام الائتماني هذا العام عددا أكبر من حالات الإفلاس مقارنة بعام 2024، الذي سجل فيه وفقا للأرقام الرسمية 21812 حالة، وهو أعلى رقم منذ عام 2015.
وتطول قائمة التحديات التي تواجه الشركات، حيث تتضمن ارتفاع أسعار الطاقة، والبيروقراطية المفرطة، والإحجام عن الاستهلاك لدى الأفراد. كما انتهت صلاحية القواعد الاستثنائية التي كانت الدولة قد أقرتها للحد من موجة الإفلاسات خلال جائحة كورونا.
وتتوقع شركة "أليانز تريد" المتخصصة في التأمين على القروض أن يبلغ عدد حالات الإفلاس في العام المقبل 24500 حالة، ما يمثل زيادة طفيفة بنسبة 1%. وقد تضع تداعيات النزاعات التجارية قريبا قدرة الشركات على الصمود تحت الاختبار، بحسب ما ورد في دراسة حديثة.
ومن المتوقع أن تتحسن الأوضاع في ألمانيا بحلول عام 2027، وذلك بفضل إجراءات التحفيز الاقتصادي التي تتخذها الحكومة الألمانية، وفقا للخبراء. وتتوقع "أليانز تريد" تراجعا في عدد حالات الإفلاس بنسبة تقارب 4% ليصل إلى 23500 حالة عام 7202.
انخفاض في التوقعات لعام 2026
قبل يومين، أشارت توقعات "حكماء الاقتصاد" في ألمانيا إلى أن الاقتصاد الوطني لن يشهد انتعاشا واسع النطاق حتى في العام المقبل. ومجلس "حكماء الاقتصاد" هو هيئة استشارية تابعة لمجلس الوزراء الألماني، تضم خمسة من كبار الخبراء في مجال الاقتصاد، واسمها الرسمي هو "مجلس الخبراء لتقييم التنمية الاقتصادية الشاملة".
وخفض المجلس توقعاته لعام 2026 قليلا، حيث يتوقع الآن أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا نموا بنسبة 0,9% فقط، بعد أن كانت تقديرات المجلس في الربيع تشير إلى أن هذه النسبة ستبلغ 1%. أما الحكومة الألمانية فتتوقع نموا أقوى نسبيا بمعدل 1,3% في العام المقبل.
ويفترض مجلس الخبراء في تقريره السنوي الحالي أن الإنفاق المخطط له من أموال الصندوق الخاص بمليارات اليورو المخصص للبنية التحتية والحياد المناخي سيكون له تأثير إيجابي محدود على الناتج المحلي الإجمالي، لأن معظم هذه الأموال تستخدم حتى الآن لإعادة تخصيصات داخل الموازنة أو لتمويل نفقات استهلاكية، مثل توسيع معاش الأمهات.
إعلان
حالة الركود
وقال الخبراء الاقتصاديون في تقريرهم: "سيكون الأثر أكبر بكثير لو استخدمت الأموال بالكامل في نفقات إضافية واستثمارات". في المقابل، رفع المجلس من توقعاته بشكل طفيف بالنسبة لأداء أكبر اقتصاد في أوروبا في العام الحالي، حيث توقع الخبراء أن يحقق الاقتصاد الألماني نموا بنسبة 2,0%، بعد أن كانت توقعات المجلس في الربيع تشير إلى أن الاقتصاد الألماني سيسجل ركودا في 2025.
وتمر ألمانيا بمرحلة ضعف اقتصادي منذ سنوات. وتشير جمعيات الأعمال في البلاد إلى وجود مشكلات هيكلية متعددة يعانيها قطاع الأعمال بألمانيا، منها ارتفاع أسعار الطاقة مقارنة بالدول الأخرى، وزيادة المساهمات الاجتماعية، وكثرة البيروقراطية.
تحرير: وفاق بنكيران
الجفاف في ألمانيا يقسو على الطبيعة ويفاقم مصاعب الاقتصاد
كان شهر مارس/ آذار 2025 واحدا من أكثر الشهور جفافًا على الإطلاق. وحذّرت وزيرة البيئة الألمانية من أن الجفاف غير المعتاد في الربيع يزيد خطر حرائق الغابات ويؤثر على النباتات والحيوانات والحصاد. وقد يعطل النقل النهري.
صورة من: Marc John/picture alliance/Bonn.digital
الجفاف يضرب شمال ألمانيا
جو مشمس وبارد وجاف للغاية، هكذا بدأ الربيع في شمال ألمانيا. وأفادت هيئة الأرصاد الجوية الألمانية (DWD) أن شهر مارس/ آذار 2025 كان واحداً من أكثر الشهور جفافاً في ألمانيا منذ بدء تسجيل القياسات في عام 1881. وكانت رطوبة التربة في طبقاتها العليا، وخاصة في شمال ألمانيا، أقل بنسبة تصل إلى 20 في المائة عن الحد الأدنى للقيم المسجلة على مدار سنوات طويلة.
صورة من: Jens Büttner/AP/dpa/picture alliance
الصمود في وجه الصعاب
هذه الشتلات الصغيرة تحدّت الجفاف طويلا، فقد كان مارس/ آذار جافًا بشكل غير معتاد، كما شهد شهر فبراير/ شباط أيضًا ندرة في هطول الأمطار، ولم يسجل أي هطول للأمطار خلال الأسبوع الأول من أبريل/ نيسان كذلك. أما الأيام القادمة، فلن تشهد سوى زخات متفرقة هنا وهناك، "في أفضل الأحوال"، بحسب ما قال مارسيل شميد من دائرة الأرصاد الجوية الألمانية لوكالة الأنباء الألمانية الأربعاء الماضي.
صورة من: picture alliance/Daniel Kubirski
دعوة لترشيد استهلاك مياه الشرب
دعا هيلموت ديدي، رئيس رابطة المدن الألمانية، المواطنين الألمان إلى ترشيد استهلاك مياه الشرب في ظل الجفاف المستمر. وقال في تصريح لشبكة التحرير الألمانية: "تغيّر المناخ بات ملموسًا بشكل متزايد. علينا استخدام هذا المورد الثمين، الماء، بحذر واعتدال". وأضاف أن إمدادات مياه الشرب ما زالت كافية في الوقت الحالي.
صورة من: Jens Büttner/AP/dpa/picture alliance
في الجنوب لا تزال طافية .. لكن إلى متى؟
في بحيرة كونستانس، الواقعة بجنوب ألمانيا على الحدود مع سويسرا، انخفض منسوب المياه الآن إلى أدنى مستوياته منذ فترة طويلة. ولا تزال هذه السفن الراسية عند جزيرة رايشناو تطفو فوق الماء، لكن أحد الموانئ في بحيرة "أونتَريزي" قد جف بالفعل. أما أصغر جزيرة في بحيرة كونستانس، وهي جزيرة "هوي" التي تبعد نحو 100 متر عن الشاطئ، فقد أصبح من الممكن الوصول إليها سيرًا على الأقدام في الوقت الحالي.
صورة من: Felix Kästle/dpa/picture-alliance
"ننتظر الأمطار بشكل عاجل"
في مدينة غلادبك بولاية شمال الراين-وستفاليا، يُظهر المزارع بيرند إيم فينكل مدى جفاف التربة في أرضه. وقال يوآخيم روكفيد، رئيس اتحاد المزارعين الألمان: "نشعر بالقلق من الوضع الحالي للطقس. نحن ننتظر هطول الأمطار على نحو عاجل".
صورة من: imago images/Funke Foto Services
غبار في الرياح
أكد أندرياس برومزر من دائرة الأرصاد الجوية الألمانية أن هناك "رطوبة تربة منخفضة بشكل غير عادي في هذا الوقت من السنة"، لكنه أضاف أن التربة لا تزال مشبعة جيدًا بالمياه على الأعماق. وقال إنه إذا هطلت أمطار غزيرة خلال الأسابيع القادمة، يمكن تعويض الجفاف الحالي. وأوضح: "في الوقت الحالي، لا يجب أن نفترض أننا سنواجه جفافًا شديدًا خلال أشهر الصيف".
صورة من: Jens Büttner/AP/dpa/picture alliance
جفاف شديد عند كاتدرائية كولونيا
منسوب المياه في نهر الراين في كولونيا حاليًا عند 1.54 متر (حوالي 5 أقدام)، أي نصف المستوى المعتاد. وقد أسفر ذلك بالفعل عن تداعيات اقتصادية: فعلى سبيل المثال، تقوم شركة تصنيع الصلب "تيسينكروب" بتحميل سفنها بشحنات أقل. ومع ذلك، قال المتحدث باسم الشركة لصحيفة "راينيشه بوست" إن إمدادات المواد الخام لم تتأثر حتى الآن.
صورة من: Marc John/picture alliance/Bonn.digital
زيادة خطر حرائق الغابات
وفقًا لدائرة الأرصاد الجوية الألمانية، فقد زاد خطر حرائق الغابات بشكل كبير. ففي منطقة زاورلاند، تصدى رجال الإطفاء بالفعل لحرائق كبيرة خلال يومين فقط. كما أن الجفاف قد أضعف الأشجار، مما جعلها أقل قدرة على الدفاع عن نفسها ضد تكاثر الحشرات.
صورة من: imago images/Markus Klümper
"عواقب أزمة المناخ"
قالت وزيرة البيئة المنتهية ولايتها شتيفي ليمكه (حزب الخضر) يوم الثلاثاء (8/3/2025): "الجفاف الحالي مقلق. حتى الآن، في الربيع، لا يزال الوضع جافًا جدًا في العديد من مناطق ألمانيا هذا العام. الزراعة والغابات، ولكن أيضًا جميعنا، نشعر بوضوح بعواقب أزمة المناخ." وأضافت أنه إذا استمر الجفاف بهذا الشكل، فقد يتأثر الحصاد.
صورة من: Jens Büttner/AP/dpa/picture alliance
القليل من المطر في الأفق
ومع ذلك، فإن التوقعات تقدم بعض الأخبار الجيدة للأسبوع المقبل على الأقل بالنسبة لغرب ألمانيا. فمن المتوقع أن تهطل الأمطار في مناطق مثل فرايبورغ وكولونيا، مما قد يساعد في رفع منسوب المياه في الأنهار الجافة مثل نهر الراين، كما في الصورة أعلاه.