يحاول النظام السوري توجيه رسالة للغرب من خلال انتخابات شكلية ينافس فيها مرشحان آخران الأسد، إذ أن الأمر محسوم ومعروف مسبقا أن الأسد هو الفائز فيها. لكن تبقى الكلمة الأخيرة لروسيا وإيران وليس للناخبين السوريين.
إعلان
الانتخابات الرئاسية السورية شكلية وتبدو كأنها عرض مسرحي، إذ أن الفائز فيها معروف حتى قبل إجرائها، وهو بشار الأسد الذي سُيعاد انتخابه لفترة رئاسية رابعة تمتد لسبع سنوات. ورغم تقدم رقم قياسي من المرشحين بلغ 51 مرشحا بأوراق ترشحهم لخوض السباق الانتخابي، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قررت أن ثلاثة مرشحين فقط من سيخضون غمار السباق وهمعبد الله سلوم عبد الله الذي شغل في السابق منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب ومحمود أحمد مرعي الذي يمثل "معارضة الداخل" فهو الأمين العام للجبهة الديمقراطية المعارضة السورية، بالإضافة إلى الرئيس الحالي بشار الأسد الذي يحكم البلاد منذ عام 2000. ومنذ عدة أيام، تنظم مسيرات يشارك فيها الآلاف وهم يحملون صور بشار الأسد الذي تسيطر أسرته على مقاليد الأمور في سوريا منذ خمسة عقود.
"مسرحية هزلية"
ورغم الصخب الدعائي الذي صاحب إجراء الانتخابات من مسيرات في الشوارع لأنصار الأسد وهم يحملون صوره والأعلام السورية، إلا أن هذه الانتخابات تفتقد المعايير الدولية المعترف بها.
وفي تعليقه لوكالة رويترز، قال معن عبد السلام، رئيس مركز (ايتانا) البحثي السوري، إن "هذه الانتخابات المزيفة ليست موجهة للشعب السوري. هي رسالة للغرب لأنها أخذت نمط وشكل الانتخابات الغربية، حتى تعطى رسالة أننا مثلكم ونشبهكم".
ولم تتمكن اللجنة الدستورية السورية برئاسة غير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، من إحراز أي تقدم ملموس لإرساء السلام واعتماد دستور جديد للبلاد. ومنذ حل هذه اللجنة في يناير/ كانون الثاني الماضي، وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار الجاري، لم يطرأ أي تغيير على المشهد السياسي.
وقبل إجراء الانتخابات، أرسلت إيران- الحليف العسكري للأسد - وفدا إلى العاصمة دمشق لمراقبة الانتخابات في محاولة لإضفاء بعض من مظاهر النزاهة والشفافية على العملية الانتخابية.
وفي الانتخابات السابقة التي جرت في 2014، فاز الأسد بقرابة 89 بالمائة من الأصوات وبلغت نسبة التصويت أكثر من 73 بالمائة فيما كان مرشحان ينافسان الأسد. وفي ذاك الوقت، اعتبر المراقبون الدوليون الانتخابات "مزيفة" وهو الأمر الذي لن يختلف في وصف انتخابات هذا العام.
"الكلمة الأخيرة لروسيا"
وتعد إيران وروسيا أكبر داعمي الأسد، فقد وفرت موسكو الدعم العسكري للنظاممع دخول الصراع عامه الرابع وتحديدا عام 2015 عندما كانت القوة العسكرية السورية في أضغف حالاتها، فيما شمل الدعم الإيراني إرسال مسلحين من حزب الله اللبناني.
وفي مقابلة مع DW، قالت لينا خطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، إن إعادة انتخاب الأسد "لا يجب أن يُنظر إليها باعتبارها دليل على قوته ونفوذه، بل يتعين النظر إليها على أنها دليل على قوة روسيا بل ومؤشر على استفادة روسيا وإيران من حالة التقاعس النسبي للغرب في تنفيذ ما يسعى إليه لتسوية النزاع".
وترى خطيب أن روسيا وحدها القادرة على تحديد الفائز والخاسر في الانتخابات الرئاسية السورية. وتقول في هذا السياق، "أعتقد أن روسيا إذا لم تكن تريد إعادة انتخاب الأسد، لما كان المضي قدما في إجرائها ممكنا. فحاليا بقاء الأسد في السلطة يخدم المصالح الروسية. لكن رغم ذلك ومع مرور الوقت وفي حالة إبرام اتفاق بشأن الصراع السوري، وقد يتضمن أن تقدم موسكو تنازلات، فأعتقد أن روسيا قد لا تعارض رحيل الأسد".
التطبيع الإقليمي
ويدرك الأسد أنه في حاجة إلى تطبيع العلاقات على المستوى الإقليمي في يوم ما. فعلى سبيل المثال، تدعم مصر عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011 بسبب فشل دمشق في وقف إراقة الدماء. أما الإمارات فقد أعادت فتح سفارتها في دمشقعام 2018 فيما أعادت سلطنة عمان تعيين مبعوثها في سوريا أواخر العام الماضي.
وهو ما يشير إليه جوليان بارنز داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ففي مقابلة مع DW، يقول داسي "هناك رغبة للتحرك في مسار تطبيع العلاقات ومحاولة عودة سوريا إلى محيطها العربي من أجل مزاحمة النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة". ورغم تلك المساعي وبالنظر إلى العقوبات المفروضة على سوريا، فليس من المحتمل الوصول إلى تفاهمات واتفاقيات ملموسة في هذا الصدد في وقت قريب.
أما بالنسبة للسوريين البالغ عددهم قرابة 18 مليون نسمة بينهم 11 مليون شخص يُعتقد إما أنهم شردوا من منازلهم أو لقوا حتفهم في المعارك العسكرية، فلن يطرأ أي تغيير أو تحسن في ظروف حياتهم قريبا بغض النظر عن نتائج الانتخابات. فحتى اليوم، لا يزال السوريون ينتظرون طي صفحة الصراع، وهو ما سيمهد الطريق أمام الدعم الدولي لإعادة إعمار بلادهم.
-جينيفر هوليس/ م ع
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م