الانترنت يربط خدم المنازل الأجانب في ألمانيا بأسَرهم في أوطانهم
١٧ يونيو ٢٠١٣ولدت روزي توريس في أمريكا اللاتينية. ومنذ عشرة أعوام تعيش وتعمل في ألمانيا بصورة غير شرعية. إنها تحمل في الواقع اسما آخر. وهي لا تريد أيضا ذكر الدولة التي تنحدر منها. ورغم أن روزي درست علم الطوبوغرافيا، إلا أنها ظلت عاطلة عن العمل لفترة طويلة. لكنها في حاجة ماسة إلى أموال لتمويل دراسة ابنها وشراء الأدوية لوالديها المسنين. ولذلك، فإنها تنظف يوميا مساكن ألمانية عدة وتحول جزءا كبيرا من دخلها ذلك إلى أسرتها في أمريكا اللاتينية.
خادمون مؤهلون جيدا
لا يمكن القول إن وضع روزي توريس استثنائي، فهناك عدد كبير من الخادمين المؤهلين، كما تقول عالمة الاجتماع اليابانية كيوكو شينوزاكي التي تعمل في جامعة بوخوم الألمانية، حيث تقوم بأبحاث في مجال الهجرة من آسيا إلى أوربا. وكما تقول العالمة، فإن "هؤلاء الناس يفضلون العمل في مهنتهم، إلا أنه لا توجد في أوطانهم أية فرص لتطورهم المهني أو لا يكفي دخلهم للحفاظ على مستوى معيشتهم كمنتمين إلى الطبقة الوسطى".
ورغم أن دخلهم كخادمين في ألمانيا يزيد على دخل المعلمين والمهندسين في أوطانهم، إلا أن نفقات المعيشة في ألمانيا أعلى أيضا بشكل ملموس مما هو الحال في أوطانهم. ولذلك "يعيشون حياة بسيطة ويصرفون أقل ما يمكن على نشاطاتهم في أوقات فراغهم، كي يستطيعوا تحويل أكبر المبالغ الممكنة إلى أسرهم"، كما تقول شينوزاكي.
ويقوم المهاجرون غير الشرعيين بعملهم اليومي، كي يتلقى أطفالهم تدريبا جيدا يمكنهم من عيش حياة أفضل منهم. ويقومون بعملهم هذا، رغم أنه لا ينسجم مع مستوى تأهيلهم ورغم أنهم لا يستطيعون أن يشهدوا ترعرع أطفالهم.
القيام بدور الأب أو الأم بواسطة الإنترنت
"غيّر انتشار الهواتف النقالة والإنترنت الاتصالات بين أفراد الأسر المعنية جذريا"، كما تقول كيوكو شينوزاكي. ويعرب أب عن افتخاره بابنه تجاهها بالقول: "وصلتني اليوم حتى الآن سبع رسائل إلكترونية من ابني". وتضيف شينوزاكي: "هذا يعني أن ابنه يحتاج إليه وأنه يبحث عن رعايته". وتساعد بعض الأمهات أطفالهن بواسطة برنامج سكايب (Skype) الهاتفي الإلكتروني حتى في إنجاز واجباتهم المدرسية، كما تقول شينوزاكي.
وتتحدث روزي توريس أيضا يوميا تقريبا مع ابنها بواسطة برنامج سكايب. ولم تشاهده منذ عشرة أعوام إلا عبر الإنترنت، إذ أن وضعها في ألمانيا ليس شرعيا. ولذلك تخاف حتى من الذهاب إلى المدينة المجاورة وتستبعد السفر إلى وطنها كليا.
إلا أنها ستشاهد ابنها قريبا، وهذه المرّة ليس على شاشة الكومبيوتر فقط، كما تقول روزي: "أكمل ابني الآن دراسة الهندسة ويريد مواصلة الدراسة في ألمانيا والبحث بعد ذلك عن عمل مناسب. ونريد أن نبقى في ألمانيا لبضع سنوات ثم العودة بعد ذلك إلى وطننا".
وجود غير آمن
تقول زابينه فيرينشيلد من معهد زيدفيند للاقتصاد إن عمل الوالدين كخادمين في الخارج يؤدي في حالات كثيرة إلى أن "الأطفال يتلقون تدريبا جيدا جدا وأن الفرص التي تتاح لهم، تصبح أوسع بكثير من خلال ذلك. إلا أن هناك أمثلة أخرى أيضا تتمثل في انهيار الهياكل العائلية وترعرع الأطفال بدون علاقات عائلية".
ولا يشكل الشمال فقط إقليما جذابا بالنسبة إلى هؤلاء المهاجرين، وإنما تلعب أيضا الهجرة من دولة جنوبية إلى دولة جنوبية أخرى دورا كبيرا، فمعظم الخادمين في هونغ كونغ مثلا ينحدرون من إندونيسيا والفيليبين. "يعمل أكبر قسم من المهاجرين غير الشرعيين على الصعيد العالمي في ظل ظروف صعبة"، كما تقول زابينه فيرينشيلد، فمعظمهم لا يحصلون على تأمين اجتماعي. ويبلغ دخل نسبة حوالي 40 بالمائة منهم أقل من أجور العمل المحلية.
"أبطال وطنيون"
يحظى المهاجرون من بعض الدول بمكانة مرموقة، فتحويل الأموال من الخارج يحظى بأهمية اقتصادية أساسية في هذه الدول. وترى الدولة الفيليبينية التي تشجع الهجرة منها منذ سبعينات القرن الماضي، في المهاجرين من البلاد "أبطالا وطنيين"، كما تقول كيوكو شينوزاكي.
من جهة أخرى لا يتمتع المهاجرون في الدول التي يعملون فيها، بحقوق تذكر. ويستهدف ميثاق دولي يعود إلى مبادرة من منظمة العمل الدولية، توفير ظروف عمل للخادمين تليق بكرامة الإنسان وتنفيذ حقهم في الحصول على أجرة عمل مناسبة وتلقي تأمين صحي. وكان البرلمان الألماني قد وافق على الميثاق. ومن الضروري أن يوقعه الآن رئيس ألمانيا. وبعد التصديق عليه قريبا يمكن للخادمين المقيمين في ألمانيا بصورة شرعية على الأقل أن يتوجهوا إلى المنظمات النقابية المحلية. إلا أن وضع الخادمين بلا أوراق رسمية سيبقى صعبا. وسيتجنبون في المستقبل أيضا التوجه إلى السلطات المختصة خوفا من إبعادهم.