الانضمام بين تأييد الحكومات ومعارضة الشعوب
الموقف الرسمي المؤيد. . .
تؤيد غالبية حكومات دول الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وتبدو حكومتا باريس وبرلين الأشد حماساً لذلك. فقد صرح الرئيس الفرنسي جاك شيراك أكثر من مرة مؤخراً أنه يؤيد العضوية كمسألة لا مفر منها. غير أن شيراك وعد بإجراء استفتاء شعبي بهذا الشأن مع أن التقديرات تشير إلى معارضة غالبية الفرنسيين لإنضمام تركيا الى بلدان الاتحاد الاوروبي. وقبيل توصية المفوضية الأوروبية بفتح باب المفاوضات أمام أنقرة قام المستشار الألماني بحملة تأييد توجها بعقد مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في برلين أعلن فيه عن تأييده لرغبة تركيا بالانضمام الى الاتحاد. وحذر شرودر في خطاب له أمام برلمان بلاده من مغبة خوض صراع حضارات تحت شعار "الغرب المسيحي ضد الإسلام".
والموقف الشعبي المعارض
وخلافا لموقف الحكومات تعارض العديد من أحزاب المعارضة في بلدان الاتحاد الأوروبي ضم بلاد الاناضول إلى اتحادهم. وتتزعم هذا الموقف الأحزاب الاوروبية اليمينية المحافظة وعلى رأسها الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا. فقد أعلنت انجيلا ميركل زعيمة الحزب مدعومة بالحزب الاجتماعي المسيحي بزعامة حاكم ولاية بافاريا ادموند شتويبر أنها تؤيد قيام "شراكة مميزة" مع تركيا تقوم على أساس تحسين مستوى الشراكة الأمنية والدفاعية مع هذا البلد بدلاً من العضوية الكامة. ويدعم مواقف المعارضة عدم تأييد أكثرية شعوب بلدان الاتحاد الأوروبي التي تبدو متخوفة من دخول دولة يدين غالبية سكانها بالدين الاسلامي إلى اتحادهم. فقد اظهرت استطلاعات للرأي جرت مؤخراً في فرنسا أن أكثر من 50 بالمئة من الفرنسيين ضد العضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي. وتزيد نسبة المعارضين عن ذلك في هولندا، كما يرجح المراقبون أن أكثرية الألمان تميل الى المعارضة ايضا. ولعل هذا هو السبب الذي دفع تحالف الاشتراكيين والخضر الحاكم في المانيا إلى الإعلان عن معارضته لإجراء استفتاء شعبي حول الانضمام. وقال وزير الخارجية الألمانية يوشكا فشر على ضوء ذلك " أنه لو سُمح للشعب بالاختيار من قبل لما أصبحت برلين عاصمة من جديد ولما كان هناك عملة أوروبية مشتركة."
مخاوف من صعوبة الاندماج والأعباء الاقتصادية
ويعزو عدد لا بأس به من الاوروبيين موقفهم الرافض لإنضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي الى طبيعة المجتمع التركي الاسلامي المحافظ الذي لا يمكن ان يتلائم مع تركيبة وخصوصية المجتمعات الأوروبية الديمقراطية. وفي هذا الإطار يحاول البعض منهم البرهنة على ذلك من خلال الاشارة الى صعوبة دمج الأقليات التركية في المجتمعات التي تعيش فيها في أوروبا وفي مقدمتها المجتمع الألماني. غير أن هؤلاء ينسون او يتناسون أن المشكلة لا تكمن في أفراد الجاليات ورغبتهم في الاندماج وحسب، وإنما في تقصير الحكومات المعنية على صعيد توفير شروط هذا الاندماج ايضا. ويرى قسم من المعارضين أنه من غير الممكن الجمع بين الإسلام والديمقراطية الغربية. ولكن هؤلاء ربما لا يدركون أن هذا البلد فصل الدين عن الدولة وأنه مأهول أيضاً من قبل مجموعات عرقية وأثنية ودينية تتعايش في جو شبه ديمقراطي أو في مجتمع قطع شوطاً هاماً نحو الديمقراطية وفقاً للنموذج الغربي وهو سائر في تحقيق المزيد منها.
غير أن القسم الاكبر من المعارضين يقول أن الانضمام يتطلب شروطاً اقتصادية لا يمكن لأنقرة الوفاء بها. فالدخل القومي لهذا البلد الذي يصل عدد سكانه إلى 73 مليون نسمة أقل من مثيله في الدنمارك الذي لا يزيد تعداد سكانه عن 4.5 مليون نسمة. أما معدل الدخل الفردي السنوي فهو فقط بحدود 2800 دولار مقابل أكثر من 25000 دولار في ألمانيا. وبناء على ذلك هناك خشية من إرهاق دافع الضرائب الأوروبي على ضوء الدعم والمساعدات الماالية المطلوبة لرفع مستوى أداء الاقتصاد التركي إلى مستويات متقاربة مع اقتصاديات بلدان الاتحاد. ويرجح المراقبون ان السبب الاقتصادي الرئيسي وراء تحفظات أو معارضة الغالبية يكمن في الصعوبة التي يواجهها الاتحاد في استيعاب البلدان العشرة التي انضمت إليه مؤخراً من شرق أوروبا وحوض المتوسط .
نسيان المنافع
وفي كل الأحوال فإن الرافضين لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ينسون الإشارة إلى المنافع الجيوسياسية التي سيكسبها الاتحاد عندما تصبح تركيا عضواً فيه. وتأتي هذه المنافع نتيجة الموقع الفريد الذي تتمتع به تركيا كجسر يربط بين قارتي آسيا وأوروبا إضافة لقربها من أكثر المناطق ثراءا بالنفط والغاز في العالم. ولا يجب ان ينسى المرء أن بلاد الأناضول بمساحتها الشاسعة وعدد سكانها الكبير تشكل سوقاً هامة للشركات الأوربية الساعية إلى مزيد من التوسع عالمياً. ويأتي في مقدمتها الشركات الألمانية ذات التقاليد العريقة في السوق التركية. كما يمكن لتركيا أن تكون رافداً سكانياً لعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي التي يتراجع عدد سكانها بفعل قلة الولادات ونسبة الشباب المتدنية في صفوف السكان.
د. ابراهيم محمد