البحث عن ملاذات آمنة هاجس مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين
٦ أغسطس ٢٠١٤ جال رمضان صبح بعينيه في مدرسة مكتظة في غزة، لاذ بها 2500 فلسطيني طلباً للأمان، وتحسر على الشقاء الذي يكابده مدنيون يحاولون النجاة بأرواحهم من قصف إسرائيلي استمر لأربعة أسابيع تقريباً. وقال صبح (42 عاماً) الذي فرت أسرته المكونة من 12 فرداً إلى مدرسة الفاخورة التي تديرها الأمم المتحدة من بيت لاهيا شمالي القطاع، دمرها القتال: "الحياة التي نعيشها هي حياة ذل، نحن مذعورون. نعلم أنها (المدرسة) غير آمنة تماماً. لا يوجد مكان آمن في غزة والكل يجرب حظه".
ولاذ نحو 260 ألفاً من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة إلى المدارس والمنشآت الأخرى التي تديرها الأمم المتحدة. وكثيرون لم يبرحوا أماكنهم إلى أن يتأكدوا من أن وقف إطلاق النار الذي بدأ أمس الثلاثاء لمدة 72 ساعة سيصمد.
"الغد لا يأتي أبداً"
في مدرسة الفاخورة يتكدس أكثر من 50 شخصاً في كل فصل، وتنشر كل أسرة ملاءات حول الركن الذي تنزوي به لتحافظ على أقل قدر ممكن من الخصوصية. تستخدم النساء دلاء وأوعية بلاستيكية لتحميم أطفالهن وغسل الصحون.
وقال صبح الذي كان عاملاً زراعياً باليومية اعتاد أن يعمل في إسرائيل قبل أن تسيطر حركة حماس على غزة عام 2007: "عليك أن تنتظر نصف ساعة أو ساعة حتى تدخل المرحاض. عليك أن تنتظر دورك في كل شيء حتى تشرب وحتى تحصل على وجبتك الحقيرة".
يوجد في المدرسة 12 مرحاضاً لكن لا توجد بها مياه جارية. ويستطرد صبح "كل يوم يقولون لنا انتظروا الغد والأوضاع ستتحسن، لكن هذا الغد لا يأتي أبداً. نأمل أن تنتهي الحرب ونستطيع العودة لنعيش في بيوتنا".
كانت مدرسة الفاخورة قد تعرضت للقصف خلال حرب غزة التي استمرت ثلاثة أسابيع في عام 2009 لكنها نجت هذه المرة. وتعرضت ست مدارس أخرى للقصف خلال الصراع الحالي وقتل على الأقل 30 شخصاً، كانوا يحتمون بها، كما أُصيب العشرات.
إسرائيليون يسعون للأمان في ملاذات عامة
على بعد نحو 12 كيلومترا إلى الشمال عبر الحدود تعيش ثلاث أسر إسرائيلية في مأوى عام منذ ما يقرب من شهر. وهم من سكان عسقلان، البلدة التي كانت هدفاً متكرراً لهجمات الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة. الحي القديم الذي يعيشون فيه لا توجد به "غرف آمنة" حصينة، ينص القانون الإسرائيلي على ضرورة وجودها في أي شقق جديدة، لذلك لاذت تلك الأسر إلى مأوى عام تحت الأرض.
عند المدخل توجد طاولة مستديرة عليها قدح بلاستيكي مليء بأعقاب السجائر، في الداخل تجد أغطية ملقاة في كل مكان على الأرض وعليها أناس من بينهم خمسة أطفال نيام في سبات عميق. على الحائط شاشة تلفزيون كبيرة يعرفون منها آخر التطورات. في الأركان وبطول الحوائط تتناثر الملابس وحقائب الطعام وعلب مسحوق حليب الأطفال ولعبهم. كما تنتشر على الحوائط رسوماتهم وأسماء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة مكتوبة بألوان مختلفة. واعتادت إسرائيل إطلاق أسماء رنانة على حروبها في غزة وآخرها "الجرف الصامد".
"نرتعد مع انطلاق كل صفارة إنذار"
تعيش شير الكايام (22 عاماً) في هذا المأوى مع رفيقها وطفلتها الرضيعة وتقول: "الأوضاع صعبة، يمكن أن تدفعك إلى الجنون، لا يمكن أن تحبس الأطفال 24 ساعة في اليوم على مدى شهر".
وتضيف بالقول: "خلال فترات الهدوء في القتال نسمح لأنفسنا بأن نصحبهم إلى الخارج قليلاً وإلى السينما أو أي مكان آخر آمن". وتقول الكايام إنها لن تعود هي وأسرتها إلى المنزل رغم الهدنة التي توسطت فيها مصر، مستطردة: "ننتظر لنرى ما إذا كان الموقف سيهدأ قبل أن نخرج من المأوى. هذا شيء مفزع، نرتعد مع انطلاق كل صفارة إنذار ونرتعد مع كل انفجار".
يوجد في المأوى مرحاضان لكن لا يوجد به حمام. ومثل النازحين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى المدرسة في غزة، يستخدم الإسرائيليون في مأوى عسقلان الدلاء والأوعية البلاستيكية للاغتسال. وتقول الكايام "حين يهدأ القتال أركض لأعلى لأغسل الملابس. لا أصدق هذه الهدنة وإلا كنت مكثت في الطابق العلوي منذ زمن". يحضر أقاربهم الطعام إلى المخبأ كل يوم، كما وضعوا فيه مؤخراً براداً للطعام. وقالت الكايام "الوضع متوتر للغاية ونحن أيضاً فقدنا أعصابنا. نقضي وقتاً طويلاً في متابعة الأخبار".
ر.ن/ ع.غ (رويترز)