البرلمان الألماني يحجب الثقة عن حكومة المستشار شرودر
..... إذاً، صدقت توقعات الخبراء والمراقبين ولم يحتاج رئيس البرلمان فولفغانغ تيرزه إلى أكثر من دقيقة واحدة للإعلان ظهر اليوم الجمعة (01.07.05) عن نتائج التصويت على حجب الثقة عن المستشار الاشتراكي وحكومته تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة في منتصف سبتمر/ أيلول المقبل. ووفقا للنتائج التي أعلن عنها تيرزه منذ قليل فإن 296 نائبا صوتوا ضد الاقتراح، فيما امتنع 151 نائبا عن التوصيت وصوت 148 نائبا لصالحه. وقال تيرزه إنه سيتوجه حالا إلى مقر الرئيس الالماني هورست كولر لكي يطلعه على نتائج التصويت. ووفقا للمراقبين فإن المستشار الألماني يقترب تدريجيا من هدفه الرامي إلى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية. وفي حين عزا المستشار الاشتراكي تقديمه للطلب بعدم مقدرة حكومته على اتخاذ القرارات وحاجته من جديد إلى شرعية الشعب، رحبت زعيمة المعارضة أنجيلا ميركل بإجراء انتخابات مبكرة.
هذا وكان الرأي العام الألماني قد انتظر اليوم نتائج جلسة البرلمان الإتحادي "بوندستاغ" المخصصة للتصويت على الثقة بحكومة المستشار غيرهارد شرودر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) بفارغ الصبر . وقبيل توجه رئيس البرلمان فولفغانغ تيرزه صباح اليوم الجمعة إلى منصته تحضيرا لبدء الجلسة الخاصة بالتصويت شهدت أروقة السلطة التشريعية الأولى في البلاد هرجاً ومرجاً بين نواب الائتلاف الحاكم من جهة والمعارضة من جهة أخرى. وقد أعاد ذلك إلى أذهان المراقبين ذكريات حالة الارتباك التي شهدها البرلمان الألماني عام 1983 عندما طرح المستشار السابق هيلموت كول (الحزب المسيحي الديمقراطي) مسألة حجب الثقة عن حكومته من أجل إعادة تشكيلها. ولكن قبل أن يعرض المستشار شرودر مسألة حجب الثقة عن حكومته، يجب عليه أن يكون مستعدا لخوض نقاش دستوري، وهنا يطرح نفسه السؤال فيما إذا كان الدستور الألماني يسمح له بحل حكومته تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة.
بحثا عن ثقة الناخبين
بداية هذه القصة الشيقة التي لا تحدث إلا في بلدان تنتخب حكوماتها وفقا للمعايير الديمقراطية وتحترم فيها الأحزاب الحاكمة والمعارضة إرادة المواطنين كانت في ولاية شمال الراين وستفاليا أكبر الولايات الألمانية من حيث عدد السكان (17 مليون نسمة). في هذه الولاية التي كانت دائما معقلا للاشتراكيين الديمقراطيين تكبد حزب المستشار شرودر هزيمة نكراء أدت إلى وصول المحافظين (الحزب المسيحي الديمقراطي) إلى الحكم. وفي خطوة من المستشار الاشتراكي للبحث عن تأييد غالبية المواطنين الألمان لسياسته وسياسة حكومته أعرب شرودر في يوم الهزيمة عن تأييده لإجراء انتخابات مبكرة، على الرغم من أن الائتلاف الحكومي الذي يتكون من حزبه وحزب الخضر ما زال يشكل الأغلبية في البرلمان. والآن تواجه المستشار شرودر مشكلة تتعلق بتطبيق ما يسعى إليه، إذ أن الخبراء يخوضون منذ أسابيع عديدة نقاشا ساخنا عما إذا كان الدستور الألماني يسمح له بذلك.
مهام المستشار وحجب الثقة عنه
تستند قوة منصب المستشار الاتحادي في المقام الأول إلى أن له صلاحيات تحديد توجهات السياسة العامة. وفي إطار هذه التوجهات يقوم الوزراء الاتحاديون بإدارة اختصاصاتهم على مسئوليتهم. ويتوجب على المستشار أن يراعي الاتفاق مع شريك الائتلاف، في حالة وجود حكومة ائتلافية، وأن يقنع تكتل الأغلبية داخل البرلمان بسياسته. والمستشار الاتحادي هو عضو الحكومة الوحيد المنتخب من قبل البرلمان، ولذلك فهو مسؤول في المقام الأول أمامه. لكن الوزراء الاتحاديون يعدون أيضا مسؤولين أمام البرلمان بصورة غير مباشرة. ولأن المستشار مسؤول أمامه بشكل مباشر فإن بإمكانه حجب الثقة عنه وانتخاب من يخلفه بأغلبية أعضائه. ويمكن للمستشار أن يطالب البرلمان بالتصويت على الثقة به، فإذا لم يمنحه إياها يمكن للرئيس الاتحادي حله بناء على اقتراح المستشار. وقد وضع القانون الأساسي هذا التشريع بوعي تام لتجنب تكرار أخطاء دستور جمهورية فايمار. وبذلك يتم منع جماعات المعارضة من إسقاط الحكومة دون أن تكون قادرة على الاتفاق على برنامج حكومي بديل. من ناحية أخرى لا بد للبرلمان الذي يريد حجب الثقة عن المستشار من اختيار من يخلفه بالأغلبية. وسبق أن جرت محاولتان من قبل لإسقاط المستشار الاتحادي من خلال حجب الثقة البنّاء، ولم يُكتب النجاح سوى لواحدة منهما، فمن خلال حجب الثقة عن المستشار الأسبق هيلموت شميدت في أكتوبر/تشرين الأول ١٩٨٢ أصبح هيلموت كول خلفا له.
الكرة في ملعب الرئيس
تنص القوانين الألمانية على أنه إذا صوتت غالبية نواب البرلمان ضد رغبة شرودر الرامية إلى حل حكومته، فإن الرئيس الألماني هورست كولر يجب عليه أن يتخذ خلال ثلاث أسابيع قرارا بحل البرلمان وتعيين موعد لإجراء انتخابات مبكرة. ولكن الرئيس يملك الحق بسبب تدابير دستورية في رفض حل البرلمان. وفي هذه الحالة ينقل الرئيس الكرة من ملعبه إلى ملعب أعلى سلطة قضائية في البلاد وهي المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذي سيجعل المسألة أكثر تعقيدا.
غالبية الألمان مع تقديم موعد الانتخابات
في وقت ما زالت فيه مسألة تقديم موعد الانتخابات غير محددة، بينت استطلاعات الرأي أن غالبية المواطنين الألمان الساحقة تؤيد إجراء انتخابات مبكرة في خريف العام الجاري. ووفقا لاستطلاع للرأي قام به معهد "فورسا" لإجراء الدراسات الاستطلاعية، فإن 71 بالمائة من المواطنين الألمان يؤيدون تقديم موعد الانتخابات، في حين تعارض 24 بالمائة من الأشخاص الذين شملهم المسح ذلك. تجدر الإشارة إلى أن نسبة المؤيدين لتقديم موعد الانتخابات بلغت بعد هزيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ولاية شمال الراين وستفاليا في مايو/ أيار الماضي 78 بالمائة. ويقول الاستطلاع إن نسبة المؤيدين لإجراء انتخابات مبكرة انخفضت في الأسابيع الماضية في صفوف مؤيدي الأحزاب الحاكمة، وذلك من 81 بالمائة في مايو/أيار الماضي إلى 54 بالمائة في الشهر الجاري.
تقرير: ناصر جبارة