خرجت تحذيرات من أن الحصار المفروض على مدينة الفاشر قد ينتهي بحمام دماء للمدنيين في عاصمة إقليم شمال دارفور، التي تحاصرها قوات الدعم السريع. وحذر خبراء من اتساع القتال ليشمل حركات تمرد مسلحة في دارفور.
إعلان
حذر مراقبون أمميون من سيناريوهات كارثية تحوم مع استمرار حصار مدينة الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور والمدينة الوحيدة بين كبرى مدن دارفور التي لم تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع.
وقال المراقبون إن السيناريو الأسوأ يتمثل في وقوع "مجازر" و "حمام دماء" في حالة تفاقم القتال بين الجيش وقوات الدعم.
ومنذ اندلاع القتال في السودان في أبريل / نيسان العام الماضي، تحولت الفاشر إلى أكبر مركز إنساني في دارفور حيث بات يقطنها في الوقت الراهن 1.5 مليون شخص بينهم 800 ألف نازح.
وكانت الفاشر تحظى بنسبة أمان نسبية مقارنة بباقي مدن السودان على وقع توافق غير رسمي بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و قوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
بيد أن الوضع شهد تغييرا جذريا الشهر الماضي عقب إعلان حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، الانحياز للجيش السوداني. وتعد الحركتان من أكبر الحركات المسلحة في دارفور.
وفي مقابلة مع DW، قالت هاجر علي، الباحثة في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية"، إن حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان "لا يمتلكان فحسب شبكات محلية خاصة بهما، بل تنظران إلى قوات الدعم السريع كعدو مشترك وهو الدافع وراء اتحادهما".
وأضافت أن قوات الدعم السريع بدورها كثفت جهودها العسكرية لضمان تحجيم قوة هذه التحالف بما يعوق قدرته على شن حملات عسكرية مضادة.
المدنيون يدفعون الثمن
وفي سياق متصل، قالت ميشيل دارسي، مديرة منظمة "المساعدات الشعبية” النرويجية في السودان، إن مدينة الفاشر يقطنها الآن "أكبر تعداد سكاني في دارفور لوجود عدد كبير من مخيمات للنازحين بما في ذلك أكثر من 50 مركز إيواء".
وفي مقابلة مع DW، أضافت أن تصاعد القتال في محيط الفاشر يمنع دخول المساعدات الإنسانية.
تزامن هذا مع تحذير أممي أطلقه طوبي هارورد، نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، قائلا: "الوضع في مدينة الفاشر أصبح كارثيا حيث تقف العديد من المناطق في دارفور الآن على حافة المجاعة."
وحذر المسؤول الأممي من اندلاع أي قتال بين الأطراف المتحاربة من أجل السيطرة على الفاشر ستكون له تداعيات مدمرة على المدنيين، مضيفا أن "الأسابيع الماضية شهدت تدهورا كبيرا في الوضع الأمني حول الفاشر، بما في ذلك تزايد عمليات القتل التعسفي والسرقة ونهب الماشية، والحرق الممنهج لقرى بأكملها في المناطق الريفية".
وقد وثق تحليل حديث أجراه مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية إحراق 23 تجمع في شمال دارفور عن عمد منذ منتصف أبريل/نيسان فيما حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من أن "نافذة الوقت تضيق أمام مساعي منع حدوث مجاعة في هذه المنطقة الشاسعة".
وفي أواخر الشهر المنصرم، حذرت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد من تفاقم الأمور، قائلة: "كما قلت من قبل فإن التاريخ يعيد نفسه في دارفور بأسوأ طريقة ممكنة. الفاشر على شفا مذبحة واسعة النطاق".
تاريخ دارفور القاتل
ومع تصاعد القتال، امتدت المعارك بين الجيش وقوات الدعم من الخرطوم إلى إقليم دارفور الذي يقطنه مزيج من السكان العرب والأفارقة ويعد الآن أحد أهم معاقل قوات الدعم السريع.
وفي 9 مايو، أصدرت المنظمة تقريرا أفاد بمقتل الآلاف في أحياء الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور بالسودان، التي تسكنها أغلبية من المساليت، مضيفة أن "ارتكاب انتهاكات خطيرة استهدفت إثنية المساليت وغيرهم من الجماعات غير العربية بهدف مفترض هو في الأدنى دفعهم إلى مغادرة المنطقة بشكل دائم، يشكل تطهيرا عرقيا".
وقد نشرت منصة "الأرشيف السوداني" التي تنشر تحقيقات مفتوحة المصدر عن انتهاكات حقوق الإنسان، لقطات مصورة تُظهر انتهاكات طالت المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، على يد قوات الدعم السريع في الجنينة في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
تحذيرات كارثية
وحذرت منظمات من تفاقم الوضع في الفاشر في حال قيام قوات الدعم السريع بشن هجوم واسع النطاق من أجل السيطرة على مدينة الفاشر التي تشكل ما يعادل نحو ثلث أراضي السودان وتعد من أهم المدن الاستراتيجية حيث تربط حدود السودان بكل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
بيد أن مراقبين قالوا إن تحقيق النصر في مدينة الفاشر سيكون باهظ الثمن إذ قال طوبى هاروارد إن معركة السيطرة على الفاشر "من شأنها أن تتسبب في إراقة دماء مدنية على نطاق واسع وتؤدي إلى هجمات انتقامية في داخل ولايات دارفور الخمس وخارج حدود الإقليم."
ويتفق في هذا الرأي قسطنطين جروند، رئيس مكتب مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية.
وفي مقابلة مع DW، قال إن "الهجوم من شأنه أن يدفع المزيد من الجماعات المسلحة المحلية للانضمام إلى القتال ما ينذر بعواقب وخيمة على السكان المدنيين".
وأضاف أن الهجوم سوف يفقد قوات الدعم السريع الكثير من شعبيتها ومكانتها السياسية، قائلا: "سيؤدي شن هجوم واسع النطاق إلى القضاء على الجهود الهائلة التي تبذلها قوات الدعم السريع لمنح نفسها مظهر الشرعية بضربة واحدة".
تزايد الضغوط الدولية
وفي محاولة لإنهاء الوضع المتفاقم، خرجت دعوات دولية لوقف إطلاق النار وإعادة فتح ممرات المساعدات الإنسانية التي يعرقلها طرفا الصراع إذ حث وزير الخارجية السعودي الأمير محمد فرحان في اتصالين مع البرهان وحميدتي على "ضرورة وقف القتال من أجل حماية مؤسسات الدولة والأمة السودانية".
وفي تعليقها، قالت هاجر علي إن مثل هذه الضغوط الدولية "قد تحدث تغيرا، لكن شريطة زيادتها،" مضيفة أن قوات الدعم السريع "تعتبر نفسها محصنة من أي عواقب حقيقية في ضوء عدم خشيتها من أي ملاحقة أو مسائلة دولية".
أعده للعربية: محمد فرحان
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.