1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

التجنيد في مصر: حياة معاكسة لما ثار الشباب من أجله

٢٥ فبراير ٢٠١٢

رغم إشعال شباب مصر لثورة تنادي بحياة كريمة وحرية تعبير وفرص عمل أفضل وعدالة اجتماعية، إلا أنهم يضطرون أن يقضوا سنة على الأقل من عمرهم في حياة تفتقر لكل ما ينادون به في ظل نظام التجنيد الإجباري.

صورة من: dapd

يرونها من سخرية القدر؛ فهم الشباب الذي لطالما هتف ضد المجلس العسكري وانتقد انتهاكات العسكر في حق شعب مصر، يُجبرون بعد أيام من هتافاتهم على الدخول تحت لواء هذا المجلس عملا بنظام التجنيد الإجباري. هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه. فتجنيدهم ينهي رسمياً مغامراتهم السياسية طوال فترة التجنيد، والتي تتراوح ما بين السنة والثلاث سنوات، طبقا للقانون العسكري الذي يحظر على المجندين العمل بالسياسة. في حين أن التهرب من التجنيد لا يعني سوى حجز أماكنهم في زنازين السجن الحربي. ورطة رأوها بقدر ما تحمل من سخرية، تعكس مشكلة كبيرة يعاني منها شباب مصر. فقد أصبحت الخدمة العسكرية الإلزامية كابوساً يؤرق الكثيرين من الناحية المعيشية و السياسية.

لا حياة قبل الخدمة العسكرية

"ع.ح" شاب في أوائل العشرينيات من عمره، شارك مع جموع الملايين في إسقاط حكم مبارك في ثمانية عشر يوماً فقط. هتف "ع.ح" كثيراً أثناء ثورة 25يناير مع جموع الشعب المصري بوحدة الجيش والشعب. وكمعظم المصريين أخذ لنسفه صورة أمام إحدى المدرعات المنتشرة في الشوارع تعبيراً عن حبه وإعجابه بجيش بلاده. لكن مع تتطور الأحداث وتطور الهتافات ضد العسكر فإذا به يقف في نفس المكان، حيث هتف سابقا بمحبتهم، يهتف بضرورة رفع أيديهم عن البلاد. لكن أيديهم ،على العكس، امتدت لتنتشله هو وكثير من زملائه لتلحقهم بالخدمة العسكرية الإجبارية.

"تقدمت للتجنيد على مضض ولكني لم يكن أمامي خيار آخر، ففي بلدنا لست أنت من تدير حياتك". هكذا بدأ "ع.ح" سرده لقصته في حوار مع دي دبليو عربية. حصل "ع.ح" على شهادة جامعية عليا ولكنها أصبحت بلا قيمة طالما لم يؤد خدمتة العسكرية، فهي شرط أساسي للتعيين في أي وظيفة. "تقدمت لأكثر من وظيفة بمجرد تخرجي لكنني كنت عادة ما أقابل بالرفض فدائماً السؤال هو: هل أنهيت خدمتك العسكرية؟".

التحق "ع.ح" بالجيش و"لحسن حظه" على حد تعبيره، اختير ليقضي عاما واحدا فقط كجندي، في ذات الوقت الذي اختير بعض معارفه كضباط إحتياط ليقضوا ثلاث سنوات في البدلة العسكرية. وعبر "ع.ح" عن شعوره في هذا الوقت قائلا: "كان شعوري في حينها متناقض. فمن جهة كنت حزيناً لضياع سنة من عمري في مكان ليس مكاني. لكن من جهة أخرى، كنت سعيدا، فعلى الأقل سنة واحدة أفضل من أن أضيع ثلاث سنوات".

الأوضاع تتغير في ظل العسكرية

يحظر على الشباب العمل السياسي طوال فترة تجنيدهمصورة من: dapd

ويستمر "ع.ح" في سرد قصته في حواره مع دي دبليو عربية قائلا: "حانت لحظة ذهابي إلى المعسكر التدريبي وتلك كانت أكثر لحظاتي قلقاً فلم أكن أعلم ماذا ينتظرني هناك". وكانت "صدمة متوقعة" كما عبر"ع.ح" عندما وصل ورأى الوضع المعيشي للجنود والذي سوف يعيش فيه طوال فترة التدريب. "كنت أتوقع وضعا سيئا ،لكنني فوجئت بأسوء مما كنت أتوقع. فالأسرة متهالكة والطعام تملؤه الحشرات والمياه دائماً مقطوعة". ويحكي "ع.ح" أنه كان مقطوع الصلة تماما عن العالم الخارجي فقد كان يوجد تليفزيوناً واحداً لا يتم تشغيله إلا على قنوات المنوعات. "كنا في فترة حرجة وكنت أتتوق لمعرفة الأخبار، لكن كل ما كان مسموحا لنا برؤيته كانت قنوات الأفلام".

خرج "ع.ح" من المعسكر بعد إسبوعين في أجازة قصيرة. ويصف شعوره لحظة دخوله منزله قائلا: " شعرت وكأني ولدت من جديد وسريعا قفزت تحت الماء أتحمم فهذا كان شيئاً افتقدته طوال فترة وجودي في المعسكر". أتت تلك الأجازة بالتزامن مع اشتعال الأحداث في إحدى المواجهات الشهيرة بين الثوار والأمن. "كنت في بادئ الأمر أشاهد الاشتباكات في التليفزيون دون أن أفهم أسبابها ودوافعها، فقد شعرت وكأنني جئت من زمن آخر". يومان مروا حتى أدرك "ع.ح" ما يحدث حوله، كما فسر في حواره مع دي دبليو عربية. "أيقنت أن الثوار على حق وتمنيت لو انضممت إليهم كما كنت أفعل من قبل، لكن حالي الآن لم يصبح كما كان من قبل". لم يستطع "ع.ح" أن ينضم الى صفوف الثوار في وقتها لمواجهة "بطش العسكر" كما أطلق عليه، لأنه كان ورغماً عنه في صفوف هؤلاء "العسكر".

وأتى يوم جديد ظل "ع.ح" يشاهد فيه الاشتباكات على شاشة التليفزيون محاولاً أن يكبح جماح ثورته، لكن سرعان ما تغلب عليه شعوره بالمسئولية، فتلثم بشاله ونزل الى الميدان. "شعوري وأنا أقف على أرض الميدان لا يوصف. فهو مزيج من الراحة والحماس والخوف. ارتحت لأني عدت الى الميدان الذي شهد بداية ثورتنا وكنت متحمساً للوقوف بجانب الثوار مرة أخرى لكن شبح الخوف من المحاكمة العسكرية كان دائما حاضراً في مخيلتي". لم يشارك "ع.ح" في الاشتباكات مشاركة فعلية، بل اكتفى بالتواجد والمساعدة في نقل المصابين."كانت ستكون المخاطرة كبيرة، إذا ما وقفت في الصفوف الأمامية المشتبكة مع الأمن فإذا قُبض على ضاع مستقبلي".

تجربة "ع.ح" تعكس تجارب آلاف الشباب

تجربة "ع.ح" تعكس تجارب آلاف الشبابصورة من: dapd

"ع.ح" عاد إلى معسكره، ومن ثم تم ترحيله إلى موقع خدمته والذي سيظل فيه حتى تنتهي سنة تجنيده. "طوال هذه الفترة يُحرَم على التحدث في السياسة أو المشاركة في أي عمل سياسي وذلك يعني أنني، وبالأمر العسكري، مضطر للتخلي عن الثوار". ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد كما عبر "ع.ح" في حواره مع دي دبليو عربية، بل يمتد لما هو أبعد. "حياتي الشخصية أيضاً سوف تتوقف لمدة عام كامل. فأنا لا أستطيع العمل ولن أتقاضى سوى مكافئات الخدمة الهزيلة كما أنني لن أستطيع السفر، ولن أستطيع أن أبدأ درسات عليا وبالتالي فعام كامل من حياتي سوف يضيع هبائاً".

تجربة "ع.ح" يراها أنها تعكس تجارب آلاف الشباب الآخرين الذين يعانون مثله في ظل نظام التجنيد الإجباري المتبع. كما يرى كثيرون منهم أنه،أي التجنيد، ليس مقياساً للوطنية كما يروج له البعض. ويبرهن على ذلك "ع.ح" في حديثه مع دي دبليو عربية قائلاً: "اخترنا مجالات أخرى درسناها لنخدم بلدنا، فلا يوجد داعي لوجود خدمة عسكرية إلزامية إلا في حالة الحرب وليتركوا كل فرد يخدم البلد في مجال تميزه. العسكرية لا تساوي الوطنية".

أحمد حمدي

مراجعة:هبة الله إسماعيل

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW