التدين كظاهرة عالمية- هل هي مجرد عودة إلى الروحانية؟
١٧ سبتمبر ٢٠٠٧
إنها إحدى ليالي الصيف في مدينة كولونيا الألمانية. الوقت متأخر وفي العادة لا يرى المرء سوى العاشقين أو السكارى العائدين من الحفلات الصاخبة يجوبون شوارع المدينة. ولكن اليوم الوضع مختلف، ففي هذه الأيام تشهد المدينة تنظيم فعاليات الاجتماع الكنسي البروتستانتي، وفي أرجاء المدينة ترى مجموعات من الشبان والشابات متحلقين حول خطباء لا يكبرونهم سنا كثيرا ويستمعون لخطب دينية. ورغم أن حديث الخطباء يدور حول أمور الدين والروح إلا أن مظهرهم ومظهر مستمعيهم لا يختلف بشيء عن مظهر المستمعين لأغاني الراب والهيب هوب. فجلهم من الفتيان والفتيات الذين يلبسون آخر صرعات الموضة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يقبل فيها الشباب الأوروبي على مثل هذه الفعاليات الكنسية، ففي السنوات الأخيرة شهدت ألمانيا وغيرها من الدول الغربية إقبالا متزايدا من الشباب على هذه الفعاليات سواء نظمتها الكنيسة البروتستانتية أو الكاثوليكية. إن هذا يوضح بشكل جلي أن هناك تغيرا جذريا في تعامل قطاعات واسعة من الشباب الأوروبي مع الدين.
هل هي عودة إلى الروحانية التي سلبها العصر الصناعي؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذه الظاهرة هي نوع من التمرد على العصر الصناعي الذي أفرغ الحياة الغربية من جانبها الروحي. ففي الفعاليات التي تقيمها الكنائس الغربية يجد الشباب والشابات ملاذا روحيا وبعدا جديدا افتقدوه في حياتهم. وقد يبدو الأمر في بعض الأحيان أنه مجرد مشاركة في مهرجان موسيقي من نوع جديد، حيث تركز الكنائس على دعوة فرق غنائية. كما لا يبدو الأمر خطيرا من الناحية السياسية خصوصا أن فعاليات الكنائس فقدت في السنوات الأخيرة كثيرا من التركيز على المواضيع السياسية التي كانت تركز عليها في السابق.
فهل الأمر مجرد بحث فردي عن الحياة الروحية من خلال حضور مهرجانات وحفلات غنائية ذات بعد ديني أم هناك أكثر من ذلك؟ خبير الثيولوجيا المسيحية كيرتنر يشكك في ذلك ويرى في هذا السياق أن الدين يستخدم في الفعاليات الكنسية مؤخرا لأجل البحث عن حس جماعي مفقود.
الدين كعنصر لتحديد الجماعة
إن ظاهرة العولمة دفعت بمجتمعات القرن الواحد والعشرين في شتى أرجاء العالم إلى البحث عن هوية جماعية تميز مجتمعاتهم. أما في القرن العشرين فإن الدين لم يكن يلعب نفس الدور خصوصا عند فئة الشباب. فكثير من الشباب في القرن العشرين كانوا متأثرين بالفكر اليساري الذي كان يتميز بانتقاد الدين الموروث ويجمع الشباب في حركة عالمية تجاوزت الانتماء الوطني والثقافي. ولم تكن ظاهرة التأثر بالفكر اليساري مرتبطة فقط بمجتمعات الدول الصناعية بل تعدت ذلك لتصل إلى المنطقة العربية خصوصا في مصر أو العراق. أما اليوم فإننا نجد الشباب الذين يعيشون في القاهرة أو بغداد أو حتى في كولونيا أو مدن أوروبية أخرى يتعاملون مع الدين بصورة مختلفة. فالتمسك بالدين سواء في المنطقة العربية أو الأوروبية لم يعد مقتصرا على كبار السن بل امتد ليصل الشباب بمختلف فئاتهم.
التدين في خدمة السياسة؟
بلا شك، فإن العودة إلى الدين ظاهرة عالمية يمكن ملاحظتها في أكثر من ثقافة حول العالم، كما أن توقيت ظهور هذه العودة متقارب إلى حد كبير. ولا يمكن إنكار أن هذه العودة يمكن أن تستغل بشكل سلبي من قبل بعض السياسيين وحركات الإسلام السياسي التي تستغل الدين كوسيلة لتبرير عملها السياسي وحتى الإرهابي. إن استغلال الدين بهذه الطريقة يؤدي إلى زيادة العداء المتبادل بين الغرب والعالم الإسلامي ولكن من جهة أخرى فإن قطاعات واسعة سواء في الشرق والغرب بدأت تدرك تلاعب السياسيين بالدين وأصبحت تنظر بعين نقدية إلى اسياسيين الذين يبررون أعمالهم بإسمه.