التسريبات الأمريكية .. معضلة مشاركة المعلومات وخطر تسريبها
١٤ أبريل ٢٠٢٣
تعاني أجهزة الاستخبارات الأمريكية من معضلة بعد تسريب الوثائق الحساسة الأخير، فحماية المعلومات السرية تتطلب الحد من مشاركتها لكن التحسب لأخطار عمليات إرهابية يتطلب عكس ذلك ومشاركتها كذلك مع الحلفاء، فما الحل؟
إعلان
كشف التسريب المخابراتي الأمريكي الأخير عن إشكالية في عمل المخابرات، فحماية المعلومات السرية تتطلب الحد من مشاركتها إلا أن التحسب لأخطار على غرار هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 يتطلب مشاركتها.
ويمثل حفظ التوازن بين المطلبين تحدياً محورياً للرئيس الأمريكي جو بايدن، إذ تسعى إدارته إلى منع التسريبات وفي الوقت نفسه حماية أمن الولايات المتحدة وضمان أن يستمر الحلفاء الذين يخشون من التعرض للمخاطر في تبادل المعلومات المخابراتية فيما بينهم.
وقد عادت المعضلة للواجهة من جديد في أعقاب اعتقال مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي أمس الخميس لـ "جاك ت."، وهو موظف في الحرس الوطني التابع للقوات الجوية الأمريكية يبلغ من العمر 21 عاماً، على خلفية الإشتباه في تسريب عبر الإنترنت لعشرات الوثائق الأمريكية شديدة السرية، التي يُقال إنها تكشف تفاصيل حساسة تتراوح بين كشف نقاط الضعف العسكرية لدى جيش أوكرانيا ومعلومات عن حلفاء الولايات المتحدة.
وراجعت رويترز أكثر من 50 وثيقة لكنها لم تتحقق بشكل مستقل من صحتها.
قيود متوقعة على تدفق المعلومات
مسؤولون سابقون قالوا إن من المرجح أن يدفع هذا الخرق بقوة باتجاه وضع قيود على تدفق المعلومات، وربما يجعل من الصعب على مسؤولي الأمن "ربط الأمور ببعضها" وتجنب مخاطر مثل هجمات 2001 على نيويورك وواشنطن.
فقد قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أمس الخميس إنها تعمل على مراجعة قوائم توزيع الوثائق السرية وتحديثها.
وقال مايكل ألين وهو مسؤول كبير سابق في مجلس الأمن القومي والكونغرس: "فكرة أن بمقدور طيار يبلغ من العمر 21 عاماً الوصول إلى كل هذه (الوثائق)... تظهر أننا أفرطنا في مشاركة المعلومات في ظل التركيز بعد 11 أيلول/ سبتمبر على مشاركة المعلومات حتى نتمكن من ربط الأمور بعضها ببعض".
وتابع: "وستفرط (الحكومة الأمريكية) في رد فعلها في هذه الحالة. وسيقيدون بشدة توزيع هذه الأنواع من الوثائق ولن يتمكن الأشخاص الذين يحتاجون إليها بالفعل من الوصول إليها بعد الآن. وأود أن أحثهم على اتباع نهج انتقائي بصورة أكبر".
ولم توضح وزارة العدل التهم التي سيواجهها المشتبه به، إلا أنها ستشمل على الأرجح تهما جنائية تتعلق بتعمد الاحتفاظ بمعلومات عن الدفاع الوطني ونقلها. ولم يرد البيت الأبيض أو وزارة الدفاع على الفور على طلب من رويترز للتعليق.
"الحاجة للمشاركة"
بعد هجمات 2001 التي شنها تنظيم القاعدة، سهلت الولايات المتحدة تبادل المعلومات المخابراتية بين الوكالات الحكومية. ودعا تقرير لجنة 11 أيلول/ سبتمبر، لعام 2004 إلى مزيد من تبادل المعلومات.
وألقى التقرير باللوم على وكالات الأمن الأمريكية بسبب دعمها لثقافة "'الحاجة للمعرفة' لحماية المعلومات بدلاً من الترويج لثقافة 'الحاجة للمشاركة' التكاملية". وهذا يعني، بطبيعة الحال، أن المزيد من الأشخاص صار بإمكانهم الاطلاع على معلومات سرية.
وقال مسؤول أمريكي إن بعض الوثائق التي اتُّهم "جاك ت." بنشرها على الإنترنت كان من المحتمل أنها تكون متاحة للآلاف بتصاريح أمنية من الولايات المتحدة وحكومات حليفة على الرغم من كونها شديدة الحساسية.
وقال مايكل أتكينسون وهو مسؤول سابق في مجال المخابرات: "من بين الأشياء التي تعلمناها من 11 سبتمبر ... أننا نحتاج حقاً إلى مشاركة المعلومات ... لسوء الحظ يمكن أن تضر التسريبات بهذا النمط المفيد من مشاركة المعلومات".
واتخذت الحكومة خطوات في عام 2013 لتقييد الوصول إلى المعلومات بعد نشر ما يقرب من 750 ألف وثيقة دبلوماسية وعسكرية أمريكية سرية وغير سرية على منصة ويكيليكس المعنية بكشف المخالفات.
ولا تزال التسريبات التي كشفت عنها تشيلسي مانينغ، التي كانت في ذلك الوقت محلل استخبارات بالجيش الأمريكي اسمه برادلي مانينغ قبل أن تتحول إلى امرأة، هي أكبر تسريب معروف لمواد حساسة تابعة للحكومة الأمريكية.
ورداً على ذلك، أنشأت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما برنامج إنسايدر ثريت الذي يلزم الأجهزة الأمريكية بتعزيز تدابير الحماية من عمليات الكشف غير المصرح بها، بما في ذلك المراقبة والتدقيق الروتيني لشبكات الكمبيوتر السرية "لاكتشاف ومراقبة وتحليل أي سلوك غير طبيعي للمستخدمين ورصد مؤشرات سوء الاستخدام".
نوع مختلف من التهديد
في حين أن هذه التغييرات يحتمل أن تكون قد وفرت قدراً إضافياً من الأمان، يقول محللون إن برامج الأمن الحكومية مصممة لمنع التسريبات من جانب أولئك المدفوعين بأيديولوجية أو رغبة في الحصول على مكافأة مالية، على عكس دوافع أخرى مثل المطلعين الذين ينشرون الأسرار بهدف الشهرة.
ويلزم برنامج إنسايدر ثريت موظفي الحكومة بالإبلاغ عن سوء التعامل مع المواد السرية وإزالتها من المنشآت الآمنة وسفر زملائهم غير المعلن إلى الخارج ودائرة معارفهم وأي زيادة في الثروة غير واضحة المصدر. لكن لا يمكنهم تتبع أنشطة زملائهم في العمل الخاصة على الإنترنت مثل نشر معلومات سرية لإثارة إعجاب الآخرين.
وقال ستيفن أفترغود، وهو خبير بشأن السرية الحكومية الأمريكية في اتحاد العلماء الأمريكيين، إن برنامج إدارة أوباما فشل في الكشف عن أحدث التسريبات وردعها لكنه أشار إلى أنه مصمم لمواجهة تهديد مختلف.
وأضاف "تم تصميم برنامج إنسايدر ثريت رداً على (ما فعله) برادلي مانينغ في ذلك الوقت وسيناريو ويكيليكس إذ كانت التسريبات غير المصرح بها ذات دوافع أيديولوجية أو سياسية ... لقد كانت رداً على ظلم مزعوم، أو تهدف لانتقاد سياسة الولايات المتحدة".
وعُرف "جاك ت." لأول مرة من خلال صحيفة نيويورك تايمز التي وصفته بأنه مدير لمجموعة دردشة عبر الإنترنت شارك عبرها الوثائق السرية مع نحو 20 إلى 30 معظمهم من الشبان الذين يتجاذبون أطراف الحديث بخصوص حبهم للأسلحة النارية ويتبادلون صوراً طريفة (ميمز) وألعاب فيديو عنصرية.
وقال أفترغود "كان برنامج إنسايدر ثريت يبحث عن أشباه لبرادلي مانينغ ... لكن هذه المجموعة الأحدث من التسريبات لم يرتكبها مثيل لبرادلي مانينغ. إنها ظاهرة من نوع جديد يكون فيها التسريب إما استعراضاً أمام الأصدقاء ... أو يكون حيادً فيما يتعلق بمضمون التسريبات".
ع.ح./ع.خ. (رويترز)
في صور ..أسانج يعانق الحرية بعد مسار قضائي طويل
استأثر جوليان أسانج باهتمام الرأي العام العالمي منذ ظهور أولى تسريبات موقعه ويكيليكس. وفيما يعتبره البعض "باحثاً عن الحقيقة"، يراه البعض الآخر "متهورا باحثا عن الشهرة". تعرف على أبرز محطات حياة أسانج وقصته مع ويكيليكس.
صورة من: Edgar Su/REUTERS
الطفولة والزواج
ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحاً جوالاً، حسب شبكة «بي بي سي». وتزوج أسانج وهو في سن الخمسين، من شريكته ستيلا موريس التي يرتبط بها منذ فترة طويلة في سجن بيلمارش شديد الحراسة في العاصمة البريطانية لندن.
صورة من: Dominic Lipinski/empics/picture alliance
ويكيليكس يحرج قادة العالم
استطاع جوليان أسانج من خلال موقع "ويكيليكس"، الذي أسسه عام 2006، إحراج العديد من الأنظمة السياسية والحكام والشخصيات العامة، حيث استطاع نشر آلاف الوثائق الحكومية كاشفا للرأي العام حول العالم العديد من الأسرار. ويواجه أسانج تهمة التآمر لاختراق وكشف كلمة سر جهاز كمبيوتر حكومي في الولايات المتحدة الأمريكية.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تسريب وثائق سرية
بدأت الحكاية عام 2010، عندما تعاون أسانج، مع شيلسا ماننج، محللة استخبارات سابقة بوحدة للجيش الأمريكي في العراق، لاختراق جهاز كمبيوتر عسكري والوصول لآلاف الوثائق الأمريكية السرية شديدة الحساسية. وتضمنت التسريبات الأولى مقاطع فيديو للضربات الجوية الأمريكية للعاصمة العراقية، بغداد، والهجوم الأمريكي على أفغانستان، وتقارير عسكرية عن الحرب الأمريكية في الدولتين، وتقارير للبعثات الدبلوماسية الأمريكية.
صورة من: picture-alliance/AP Images/S. Senne
الهروب إلى بريطانيا
بعد بضعة شهور من بدأ نشر الوثائق السرية، لاحقت السويد مواطنها جوليان أسانج بتهم بالتحرش الجنسي والاغتصاب، وهو ما نفاه أسانج معتبرا الاتهام محاولة لإرساله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سُيحاكم بتهمة نشر أسرار عسكرية ووثائق دبلوماسية حساسة. ثم قرر أسانج في نهاية 2010 التوجه لبريطانيا وتسليم نفسه للشرطة هناك، والتي قامت بدورها بالإفراج عنه بكفالة.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Arrizabalaga
الإكوادور تنقذ أسانج مؤقتا
منحت الإكوادور حق اللجوء لأسانج، فخرق قرار إفراج الشرطة البريطانية عنه بكفاله، محتمياً بمقر سفارة الإكوادور التي لم يغادرها خوفا من الاعتقال والترحيل، وحتى بعد إسقاط السلطات القضائية السويدية تحقيقاتها في قضية التحرش والاغتصاب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Kerimokten
لم يغادر مقره لسبع سنوات
ظل أسانج، البالغ من العمر 47 عاما، مقيما في سفارة الإكوادور بلندن منذ عام 2012 حتى قيامها بسحب حق اللجوء منه واستدعائها للشرطة البريطانية لإلقاء القبض عليه في الحادي عشر من أبريل/ نيسان 2019. فنظرا لعدم وجود معاهدة لتسليم المتهمين بين بريطانيا والإكوادور، لم تتمكن الشرطة البريطانية من إلقاء القبض على أسانج داخل مقر السفارة طوال السبع سنوات الماضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/F. Augstein
أسانج مكبلا بالقيود
خلال حوار تليفزيوني، برر رئيس الإكوادور لينين مورينو قرار بلاده سحب اللجوء من جوليان أسانج بـ "التصريحات العدائية والمُهددة لمؤسسته ضد الإكوادور، وتدخله في الشؤون الداخلية لدول أخرى". وظهر أسانج أمام الكاميرا مكبلا بالقيود بعد إلقاء الشرطة البريطانية القبض عليه.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تحقيق قضائي ضد مجهول
من أشهر وثائق "ويكيليكس" ما نشره حول قيام وكالة الأمن القومي الأميركية بالتجسس على عدة شخصيات أوروبية ومسؤولون ألمان، تأتي في مقدمتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ليعلن القضاء الألماني فتح تحقيق "ضد مجهول" يتعلق بوقائع تجسس وأنشطة لصالح جهاز استخبارات أجنبي، إلا أن النيابة العامة الفدرالية أمرت بإغلاق التحقيقات بعد ذلك لأن الاتهامات "يتعذر إثباتها قانونيا".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
التجسس على ميركل
كشف موقع "ويكيليكس" أيضا أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على اتصالات هاتفية بين المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بشأن التغيرات المناخية. وعلق أسانج حينها بأن "لقاءات الأمين العام للأمم المتحدة حول إنقاذ الكوكب من التغير المناخي تم التجسس عليها من قبل دولة عازمة على حماية أكبر شركاتها النفطية."
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
اتهامات موجهة نحو روسيا
نشر "ويكيليكس" أيضا رسائل البريد الإلكتروني للحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي اُجريت عام 2016، بما يعتبر من العوامل التي أسهمت في عدم فوز كلينتون بالرئاسة الأمريكية. حيث أشارت الرسائل المُسربة حصول الحملة على خُطب مدفوعة الأجر، ولم يشكك فريق الحملة من جانبه في صحة الأمر. واتهمت كلا من الإدارة الأميركية وفريق هيلاري كلينتون الحكومة الروسية بالوقوف وراء الاختراق.
صورة من: Getty Images/M. Horwood
إطلاق سراح أسانج بعيدا عن الأنظار
تم إطلاق سراح أسانج من السجن في لندن يوم الاثنين 2024.06.24 دون أن يلاحظه الجمهور وغادر المملكة المتحدة على متن طائرة مستأجرة. وبعد توقفه في العاصمة التايلاندية بانكوك، توجه إلى جزيرة سايبان الأمريكية، حيث يمثل أمام محكمة بالجزيرة، ضمن اتفاق مع السلطات الأمريكية، قبل أن إطلاق سراحه بشكل كامل.
صورة من: YUICHI YAMAZAKI/AFP/Getty Images
لماذا توقف أسانج في جزيرة سايبان الأمريكية؟
مؤسس ويكيليكس توقف في جزيرة سايبان ليحضر جلسة محاكمته، ضمن اتفاق أبرم مع الولايات المتحدة في النزاع الطويل حول تسليمه. وضمن الاتفاق يقر أسانج في جلسة المحكمة بالتآمر للحصول على وثائق سرية وتوزيعها بشكل غير قانوني كجزء من صفقة مع النظام القضائي الأمريكي ويحكم عليه بالسجن لأكثر من خمس سنوات. ويتوافق الحكم مع طول الفترة الزمنية التي قضاها مسرب المعلومات بالفعل في سجن شديد الحراسة في لندن. 2024.06.26
صورة من: Eugene Hoshiko/AP Photo/picture alliance
أسانج حارج القفص
أعلنت قاضية أمريكية الأربعاء 2024.06.26 أنّ جوليان أسانج أصبح "رجلاً حرّاً" بعدما أبرم صفقة إقرار بالذنب أنهت مسلسلاً قضائياً طويلا. وإثر مثول مؤسّس موقع ويكيليكس أمام المحكمة الفدرالية في سايبان بجزر ماريان الشمالية وإقراره بذنبه بتهمة "التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها" قالت القاضية رامونا في. مانغلونا "بهذا الإقرار، يبدو أنّك ستتمكن من الخروج من هذه القاعة رجلاً حرّاً".
صورة من: DW
أسانج الرجل "السعيد"
رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، قال تعليقا على عودة جوليان أسانج إلى أستراليا، إنه "سعيد" لأن مؤسس موقع ويكيليكس في طريقه "للاجتماع بعائلته". وقال ألبانيز "على مدى العامين الماضيين منذ تولينا منصبنا، شاركت حكومتي ودعت إلى حل هذا الأمر على مستوى القادة." وأضاف ألبانيز "لقد استخدمنا جميع القنوات المناسبة، وكانت هذه النتيجة نتاج عمل دقيق وصبور وحازم. وهو عمل أنا فخور به جدا." 25.06.2024
صورة من: Wikileaks/PA Wire/dpa/picture alliance
أسانج يعود إلى أحضان أستراليا
يوم الإربعاء 26 يونيو حزيران 2024 أصبح جوليان أسانج مؤسس ويكليكس حرا، وعاد إلى وطنة أستراليا. وكانت زوجته ستيلا في مقدمة مستقبليه وتظهر بالصورة في عناق معه. وصل أسانج في طائرة خاصة إلى كانبيرا في ما يشكل الفصل ألأخير من هذه الرحلة التي بدأت بالافراج عنه من سجن بيلمارش في لندن وقادته إلى جزر ماريانا الشمالية الأمريكية حيث مثل أمام القضاء.وبعوداع إلى وطنه يُطوى مسلسل قضائي طويل دام 14 عاما.