التشكيك في قدرات أجهزة الأمن الإيرانية بعد اغتيال فخري زاده!
٣٠ نوفمبر ٢٠٢٠
عالم الفيزياء النووية محسن فخري زاده كان يُعتبر من الأشخاص الذين يتمتعون بحماية شديدة في إيران. لكن اغتياله في وضح النهار بالقرب من طهران، يلقي بظلال قاتمة على جهاز الأمن التابع للحرس الثوري وقدراته الاستخباراتية.
إعلان
موجة غضب واستياء كبيرة من أجهزة الأمن الإيرانية في مواقع التواصل الاجتماعي بعداغتيال عالم الفيزياء النووية الإيراني محسن فخري زاده،حيث كتب أحد المغردين "في الوقت الذي تنشغل فيه أجهزة المخابرات والجهاز الأمني بقمع الطلبة والناشطات النسويات والصحفيين وأصحاب الفكر المختلف، يتم في وضح النهار اغتيال علماء نوويين في الشارع"، فقد نشرت الكثير من التعليقات والتغريدات المماثلة على مواقع التواصل الاجتماعي عقب اغتيال محسن فخري زاده. إذ أنه وللمرة الثالثة في أقل من عام تفشل الأجهزة الأمنية الإيرانية، وهي التي تتبجح ببسط سيطرتها الكاملة على كل شيء في ايران.
وفي الـ 27 من تشرين الثاني/ نوفمبر تعرض عالم الفيزياء النووية محسن فخري زاده، أحد أهم العلماء النوويين الإيرانيين بالقرب من العاصمة طهران للاغتيال. وإلى ذلك الحين قلما وُجدت صورة له في الانترنت. وفخري زاده الذي يُعتبر أب البرنامج النووي الإيراني كان من الأشخاص الذين يتمتعون بحماية كبيرة في إيران، وفي عام 2008 نجا من محاولة اغتيال، وحينها قام سائق دراجة نارية بتثبيت متفجرات في سيارته؛ لكن فخري زاده تمكن في الوقت المناسب من القفز من سيارته والنجاة من محاولة الاغتيال. لكن هذه المرة لم تكن هناك فرصة للنجاة.
وحسب ما أفاد به وزير الدفاع أمير حاتمي تم أولا إطلاق النار على سيارة فخري زاره ثم انفجرت عربة محملة بمتفجرات على بعد 15 إلى 20 مترا من سيارته، فنقل فورا إلى المستشفى حيث توفي هناك متأثرا بجراحه.
الموساد يسرق عام 2018 وثائق هامة من إيران!
وفخري زاده كان خبيرا في صنع الصواريخ.ومنذ مايو/ أيار 2018 على أبعد تقدير تعرف عليه الرأي العام العالمي كشخصية محورية في البرنامج النووي الإيراني، وحينها عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال مؤتمر صحفي وثائق تمكن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الموساد من الوصول إليها في إيران ةجلبها إلى إسرائيل. وعرض نتانياهو تفاصيل هامة حول البرنامج النووي الإيراني وقال مؤكدا "تذكروا هذا الاسم: فخري زاده". وحسب المعطيات الإسرائيلية ترأس فخري زاده مطلع الألفية الجديدة مشروع البرنامج النووي العسكري الإيراني تحت اسم "الأمل".
وحصل الموساد خلال عمليته في عام 2018 على أكثر من 55 ألف صفحة من الوثائق السرية في طهران. ويبدو أن عملاء الموساد فتحوا بأجهزة خاصة عدة خزائن مغلقة بإحكام شديد في مكان محصن، لا يمكن الوصول إليه وإلى الوثائق بدون مساعدة أشخاص من داخل المكان نفسه. وعملية الموساد تلك وفي قلب طهران كانت بمثابة فضيحة لأجهزة الأمن الإيرانية، لاسيما بالنسبة إلى جهاز مخابرات الحرس الثوري المسؤول عن الجزء العسكري من البرنامج النووي الإيراني، والذي يوظف لهذا البرنامج أشخاص من دوائرته الضيقة.
كيف أمكن اغتيال فخري زاده؟
وحتى فخري زاده البالغ (63 عاما) كان ينتمي للحرس الثوري منذ شبابه. وكان يخضع لحماية الحرس الثوري، وذلك على غرار قائد فيلق القدس، قاسم سليماني الذي اغتيل في يناير/ كانون الثاني 2020 من طرف الجيش الأمريكي. ومعلومات حول مكان تواجد سليماني في العراق قدمها مترجم من فيلق القدس في سوريا للمخابرات الأمريكية والموساد، حسب ما أعلنه القضاء الإيراني في يونيو/ حزيران الماضي والذي قال إن اسمه محمود موسوي مجد وقد أُعدم في يوليو/ تموز بتهمة التجسس لصالح أجهزة الاستخبارات الامريكية وإسرائيل، مقابل مبالغ مالية كبيرة. وحقيقة أن موسوي مجد حسب مصادر رسمية كان معتقلا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018 يثير تساؤلات عديدة من قبيل: كيف حصل وهو في السجن وبعد عامين على معلومات حول مكان تواجد الجنرال سليماني ونقلها لغيره؟ لكن القضاء ومخابرات الحرس الثوري لم يجيبا على ذلك!
ثغرات أمنية مستمرة في أجهزة النظام!
"تفاصيل حول البرنامج النووي تُسرق وأشخاص يتمتعون بحماية شديدة يتم قتلهم، وفي المنشآت النووية تحصل أعمال تخريب. وسلطات الأمن ليس بوسعها فعل شيء ما عدا اعتقال صحفيين وقمعهم"، كما كتب الصحافي الإيراني مهدي مهداوي أزاد. وفي يونيو/ حزيران 2020 تعرضت المنشأة النووية في نطنز لعملية تخريب. وانفجار خلف في المنشأة النووية أضرارا كبيرة وعرقل إنتاج جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وفي أغسطس/ آب أكد المتحدث باسم وكالة الطاقة النووية في التلفزيون الحكومي الإيراني أن "الانفجار في نطنز كان نتيجة عمل تخريبي. والسلطات الأمنية ستكشف في الوقت المناسب السبب". لكن حتى الآن لم يعرف من كان وراء هذه العملية.
وعقب مقتل فخري زاده تعهد قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي بالثأر له، وهو إعلان أثار التهكم في مواقع التواصل الاجتماعي: "على غرار ما وقع بعد مقتل الجنرال سليماني. حينها هاجمتم قواعد عسكرية أمريكية فارغة، لكن في الوقت نفسه أسقطتم طائرة ركاب بريئين"، يكتب أحرهم في تغريدة على تويتر في إشارة إلى إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية من طرف ايران في يناير 2020 ومقتل 176 شخصا كانوا على متنها.
شبنام فون هاين/ م.أ.م
محطات في تاريخ النووي الإيراني وكيف خرج من يد واشنطن
مدى رفض الغرب لبرنامج إيران النووي معروف للجميع، لكن تاريخ نشوء هذا البرنامج النووي قد يفاجئ الكثيرين، سيما إذا ما عرفنا أنه بدأ غربيا وأمريكيا بالذات. تعرف في هذه الجولة المصورة على أبرز محطات هذا البرنامج المثير للجدل.
صورة من: ISNA
نتانياهو: "إيران خدعت العالم".
قبل أيام من اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقرار متوقع بشأن الاتفاق النووي مع إيران، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن حيازته لوثائق تثبت أن "إيران خدعت العالم بإنكار أنها كانت تسعى لإنتاج أسلحة نووية".
صورة من: Reuters/A. Cohen
الاتحاد الأوروبي حريص على الاتفاق
ردود الفعل الغربية على تصريحات نتنياهو جاءت متضاربة، فقد تحفظ الأوروبيون إلى حد كبير في مواقفهم مؤكدين على أهمية الاتفاق مع طهران، فيما أعلنت الخارجية الأمريكية أن الوثائق التي كُشف عنها "حقيقية".
صورة من: Getty Images/AFP/E. Vidal
البداية أمريكية مع آيزنهاور
بدأت قصة البرنامج النووي الإيراني في خمسينات القرن الماضي في إطار برنامج الرئيس الأمريكي آيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي عام 1967 تم التوقيع على اتفاقية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة وإيران لتوريد اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم. وفي العام نفسه تأسس مركز طهران للبحوث النووية بدعم أمريكي.
صورة من: gemeinfrei
التوقيع على المعاهدة
في الأول من يونيو/ حزيران عام 1968 وقعت إيران على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
صورة من: UN Photo/Eric Kanalstein
بداية الطموحات النووية
في السبعينات أعلن شاه إيران محمد رضا بهلوي عن خططه لبناء 23 مفاعلاً نووياً حتى نهاية التسعينات، معللاً ذلك بالتهيؤ لفترة ما بعد النفط، ومؤكداً أن بلاده لا تسعى لبناء أسلحة نووية، ولكنه أضاف "في حال بدأت دول صغيرة في المنطقة ببناء ترسانة نووية، فستعيد إيران النظر في سياستها."
صورة من: AP
الدور الألماني في البرنامج الإيراني
في عام 1975 كرافت فيرك أونيون التابعة لشركة سيمنز الألمانية العملاقة توقع اتفاقية مع إيران لبناء مفاعل بوشهر النووي. وفي 1977 وافقت الحكومة الألمانية لكرافت فيرك أونيون على بناء 4 مفاعلات إضافية في إيران.
صورة من: dpa
الثورة الإيرانية وتحول سياسة الغرب
1979 اندلعت الثورة الإسلامية في إيران والتي أزاحت نظام الشاه الحليف الغربي والمدعوم تحديدا من الولايات المتحدة، ما شكل منعطفاً في التعاطي الغربي مع الطموح النووي الإيراني. الولايات المتحدة أوقفت إمداداتها من اليورانيوم المخصب لإيران. أما كرافت فيرك أونيون الألمانية فعلقت أعمال بناء مفاعلي بوشهر قبل إتمامها.
صورة من: bachehayeghalam.ir
دخول روسيا على الخط
بعد انقطاع الدعم الغربي للبرنامج النووي الإيراني، بدأ في مطلع التسعينات تعاون إيراني روسي توج بتأسيس منظمة بحثية مشتركة مع إيران باسم "برسيبوليس" وأمدت روسيا إيران على زمن الرئيس بوريس يلتسن بخبراء الطاقة النووية الروسية، والمعلومات التقنية. وفي منتصف التسعينات تم توقيع اتفاق روسي إيراني لاستكمال العمل في مفاعل بوشهر غير المنتهي.
صورة من: AP
مفاعل آراك النووي أثار مخاوف الغرب
بدأت المخاوف الدولية إزاء البرنامج النووي الإيراني في مطلع الألفية الثالثة عند حصول الولايات المتحدة الأمريكية على معلومات من مصادر من المعارضة الإيرانية مفادها قيام إيران ببناء مفاعل لإنتاج الماء الثقيل في مدينة آراك، وهو نوع من المفاعلات يمكنه إنتاج مادة البلوتونيوم اللازمة لإنتاج السلاح النووي.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Kenare
بداية سياسة العصا والجزة الغربية
مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الأمنية والسياسية خافيير سولانا قام بزيارة إلى طهران وأعلن أن إيران ستسمع "أخبارا سيئة" إذا لم توقع على البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والسماح الفوري بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية "دون قيد أو شرط".
صورة من: AP
الأخبار السيئة كانت..
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تصدر قراراً في سبتمبر 2003 يلزم إيران بـ"الوقف الفوري الكامل" لكافة نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، وبتوقيع البروتوكول الإضافي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Schlager
الإيرانيون لم يستجيبوا للضغوط
لكن إيران لم تستجب للضغوط واستأنفت تخصيب اليورانيوم معلنة في أبريل/نيسان 2006 النجاح في عمليات التخصيب بنسبة 3.5% الصالحة لأغراض سلمية، والبعيدة عن الأغراض العسكرية التي تتطلب نسبة تخصيب تزيد على 90%.
صورة من: AP
بداية العقوبات على إيران
رد فعل مجلس الأمن الدولي جاء سريعاً حيث أصدر في ديسمبر 2006 قراره رقم 1737 الذي يمنع أي دولة من تسليم إيران أو بيعها أي معدات أو تجهيزات أو تكنولوجيا يمكن أن تساعدها في نشاطات نووية وبالستية، بالإضافة إلى تجميد أصول عشر شركات و12 شخصا لهم علاقة بالبرامج.
صورة من: AP
التوصل للاتفاقية بعد سنوات من الأزمة
بعد سنوات طويلة من المفاوضات الماراثونية ومبادرات عدة، توصلت طهران في 2 أبريل 2015 مع الدول الست الكبرى في مدينة لوزان السويسرية إلى "اتفاق إطار" يقود إلى حل نهائي لملف البرنامج النووي الإيراني. الإتفاق نص على تخلي إيران عن أجزاء من خطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها. ودخل حيز التنفيذ في 15 يناير 2016. إعداد: ميسون ملحم