يجري العراق أول تعداد سكاني منذ نحو 3 عقود. ولم يتمكن النظام السياسي بعد الإطاحة بصدام حسين بالغزو الأمريكي عام 2003 من إجراء مثل هذا الإحصاء لعدة أسباب ليس آخرها المخاوف من الإخلال بتقاسم السلطة الطائفي-العرقي.
إعلان
يجري العراق يومي الأربعاء والخميس (20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) أول تعداد شامل للسكان منذ أكثر من ثلاثة عقود، في لحظة محورية في سعيه لجمع بيانات عن السكان للاستفادة منها في التخطيط والتنمية في المستقبل. وسيشمل التعداد ما يتراوح بين 43 و46 مليون عراقي.
وأصدرت السلطات تعليمات بتعطيل المدارس والدوائر الرسمية في اليومين المذكورين.
سيطلب ما بين 120.000 و140.000 من القائمين على التعداد المدربين تدريباً خاصاً من السكان الإجابة على أكثر من 70 سؤالاً. وتقول السلطات العراقية إنه سيتم تسجيل الردود على الأجهزة اللوحية ويمكن أن تكون البيانات الأولية متاحة في غضون 24 ساعة، وستكون جميع النتائج جاهزة في غضون شهرين.
ويقول السياسيون إن التعداد السكاني المخطط له ضروري للتنمية الاقتصادية في البلاد. ومع ذلك، يشعر آخرون بالقلق بشأن الحساسيات السياسية، وحتى الخطر المحتمل، الذي قد يجلبه مثل هذا التعداد.
وأوضح عادل بخاوان، المدير التنفيذي لـ "المركز الفرنسي للأبحاث والدراسات العراقية"، ومقره باريس، أن "الوضع في العراق متفجر بشكل عام؛ إذ لم يتم حل أي من القضايا المركزية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي: المسلمين الشيعة، والمسلمين السنة، والأكراد". وتابع الباحث أن "المسلمين الشيعة في البلاد، الذين يشكلون الأغلبية، يعتبرون التعداد السكاني "ضرورة وطنية، لكن السنة يرون فيه آلية للهيمنة الشيعية على البلاد. والأكراد يعتبرون التعداد سلاحا تستخدمه الحكومة المركزية ضدهم".
إعلان
آخر إحصاء كان قبل 27 عاماً
أجري آخر تعداد سكاني للعراق في عام 1997 في عهد صدام حسين. وبعد الإطاحة به بفعل الغزة الأمريكي للعراق عام 2003 لم تتمكن السلطات من إجراء أي تعداد. وكان من المقرر إجراء التعداد السكاني عام 2007 ولكن تم تأجيله عدة مرات بسبب مخاوف من أنه قد يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد. وخلال محاولة عام 2009، قُتل العديد من القائمين على التعداد على يد مسلحين في الموصل.
ويكمن وراء فشل العراق في إجراء التعداد عدة أسباب.
منذ عام 2003، بني النظام السياسي في البلاد على نوع من نظام المحاصصة الطائفية والعرقية: رئيس وزراء العراق مسلم شيعي، ورئيس البرلمان مسلم سني، ورئيس الدولة كردي.
وأنشأت الولايات المتحدة بعد عام 2003 ذلك النظام السياسي لضمان أن تشعر المجموعات المختلفة بأنها ممثلة بشكل مناسب، ولإبعاد شبح التقاتل على السلطة في البلاد.
والتعداد السكاني الحالي الذي قد يوفر معلومات دقيقة عن المكونات العراقية يمكن أن يغير هذا التوازن كزيادة أو خفض عدد مقاعد البرلمان المخصصة لكل مكون. وحسب المعمول به من 2003 يكون لكل 100 ألف مواطن مقعد برلماني واحد، ويبلغ عدد السكان الآن ما بين 43 و46 مليون نسمة.
وتوقع عادل بخاوان أنه "من المحتمل جداً أن يرتفع عدد مقاعد البرلمان من 329 إلى حوالي 450".
ويميل الثير من العراقيين إلى التصويت لصالح سياسيين من داخل مكوناتهم الطائفية والعرقية. وأشار الباحث إلى أنه "بالنظر إلى أن معدل المواليد بين الأكراد هو 1.9 وبين الشيعة 4.99، فإن هذا يعني أن الشيعة سيؤكدون هيمنتهم الديموغرافية على البلاد بقوة أكبر".
وتهيمن الأحزاب الشيعية في عراق اليوم على البرلمان، ولكن أي تغييرات في ميزان القوى في البرلمان الاتحادي والمجالس المحلية يمكن أن تسبب توترات بين مختلف المكونات.
إيرادات النفط و"موظفون وهميون"
الجانب الآخر المثير للجدل في التعداد السكاني في العراق يتعلق بما يسمى "المناطق المتنازع عليها" في البلاد. وهي أجزاء من البلاد يقول أكراد العراق إنها تنتمي إلى منطقتهم التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في الشمال، لكن الحكومة العراقية تعتقد أنها جزء من العراق الفيدرالي. ومن أجل تحديد من تنتمي هذه المناطق، ينص دستور العراق لعام 2005 على أن التعداد السكاني يجب أن يكون جزءاً من الحل، لمعرفة من يعيش هناك بالضبط. لكن التعداد السكاني قد يقدم إجابات لا تعجب الأكراد ولا العرب.
هناك عامل إشكالي آخر يتعلق بإيرادات النفطالعراقية، والتي وصلت في عام 2023 إلى حوالي 8 مليارات دولار في الشهر في المتوسط. ويتم تقسيم الإيرادات بين محافظات العراق المختلفة، بحيث تحصل المحافظات الأقل كثافة سكانية على أموال حكومية أقل.
ومن الممكن أن يؤثر التعداد السكاني أيضًا على مشكلة العراق المستمرة منذ فترة طويلة مع ما يسمى بـ "الموظفين الوهميين". وهذه الفئة تشمل عشرات الآلاف من العراقيين الذين يشغلون عدة وظائف في وقت واحد، بحيث يحصل الرئيس المسؤول عن الموظف على جزء من راتبه في مقابل عدم حضورهم الدوام وحتى يتمكنوا من الاحتفاظ بالوظيفة.
هل الأكراد حلفاء لإسرائيل؟
04:23
ماذا عن المناطق التنازع عليها ككركوك؟
وقد حاولت الحكومة العراقية الالتفاف على بعض هذه المشاكل عن طريق حذف الأسئلة المتعلقة بالانتماء العرقي والطائفي من التعداد السكاني.
وقال جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"، إن ذلك سيجعل التعداد السكاني أقل خطورة. وقال لـ DW: "التعدادات القياسية في جميع أنحاء العالم لا تتضمن هذا السؤال [حول العرقية]". ويضيف طقرار الحكومة العراقية بحذف هذا السؤال من التعداد السكاني المخطط له يجعله أقل حساسية من الناحية السياسية".
وفيما يتعلق بالمخاوف الكردية بشأن "المناطق المتنازع عليها"، وافقت الحكومة الاتحادية على استخدام التعداد السكاني لعام 1957، الذي أجري أيام الملكية، كموجه أساس في مناطق مثل كركوك.
وانتقد عراقيون آخرون هذه التحركات باعتبارها قرارات سياسية من شأنها أن تجعل التعداد السكاني أقل أهمية. وحذر المحلل السياسي المحلي يحيى الكبيسي في مقال افتتاحي في شهر أيار/مايو في صحيفة القدس العربي الإعلامية ومقرها لندن، من أن تقديرات عدد السكان قبل وبعد الغزو الأمريكي الصادرة عن عدة جهات والإحصاء "ليست مجرد أرقام، بل هي سرديات ديموغرافية تنتج السياسات".
نتيجة "إيجابية"
ويعتقد جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مجموعة الأزمات الدولية"، من مجموعة الأزمات أن التأثير العام سيكون إيجابياً. ويتابع الخبير في الشأن العراقي أن "[التعداد] يوفر معلومات حيوية وضرورية للتنمية". ويضيف: "قد يكون هناك فساد أو لا يكون، ولكن بوجود معلومات دقيقة وحديثة يمكن على الأقل إطلاق استراتيجية تنمية مبنية على الواقع والأرقام".
ويجادل الخبير بأن "نقص البيانات حول حجم المجموعات العرقية المختلفة كان أمراً جيداً، الأمر الذي سوف يساعد في منع الصراعات العنيفة". ويتابع: "يجب أن يكون العراقيون مواطنين أولاً وقبل كل شيء، وأن يتم معاملتهم على هذا النحو من خلال استراتيجية الحكومة. وتقسيم المجتمع إلى مجموعات عرقية، كما حدث في لبنان و العراق ، لن يؤدي إلا إلى زيادة خطر نشوب صراع عنفي".
أعده للعربية: خالد سلامة
العراق - قصة النخيل المحارب في "أرض السواد"
طالما افتخر العراقيون بأنّ بلدهم يضم ثلاثين مليون نخلة، رغم عدم وجود إحصاء رسمي بذلك، لكنهم يذكرون من يسمعهم بعبارة "أرض السواد" التي تصف غطاء النخيل الذي يسود العراق. ولكن ماذا حل بالنخل اليوم؟ الجواب في ملف صور التالي.
صورة من: Wisam
نخيل ديالى.. "فوق النخل فوق"
احتفظ نخيل ديالى في أغلب الأماكن برونقه، وبقي باسقاً يانع الخضرة يظلل بساتين الحمضيات التي تميّز هذا الجزء من أرض الرافدين. معارك الحرب العراقية الإيرانية في هذه المنطقة أهلكت بالخصوص بساتين منطقة مندلي، فيما احتفظت البساتين الأخرى البعيدة عن خط التماس بيناعها. الصورة من بساتين منطقة شهربان، حيث حافظ توفر المياه على بساتين النخيل.
صورة من: Muhsin
بساتين النخيل مظلات للحمضيات
يزرع فلاحو ديالى النخيل ليوفر مظلة لأشجار الحمضيات التي تنتشر بكثافة في هذه المنطقة المجاورة للعاصمة بغداد. تضم بساتين الحمضيات أشجار البرتقال، والليمون الحلو، والليمون الحامض، وغريب فروت (السندي بلهجة أهل العراق)، واليوسفي (لالنكي). وهي أشجار تحتاج الحرارة، ولكنها تحتاج الرطوبة أيضاً، ولا تحب مساقط الشمس العمودية عليها، لذا توفر لها بساتين النخيل الظلال، ولا يهتم المزارع هنا بجني النخيل.
صورة من: Muhsin
النجاة من الحروب
منطقة ديالى في العراق من المناطق التي شهدت عمليات قتالية فيها كر وفر مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، حتى أنّ الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي قُتل في بساتين النخيل بمنطقة هبهب من محافظة ديالى متخفياً في كثافة البستان. لكنّ المعارك الموزعة هنا وهناك لم تدمر بساتين النخيل، كما جرى في مناطق أخرى من العراق. الصورة لبستان نخيل في ناحية ضباب، وسط ديالى.
صورة من: Muhsin
اليناعة رغم الإهمال
يحتاج النخل إلى الماء والسقي الصيفي خاصة، لكنّ عمليات إعداد النخلة للإثمار معقدة، وتتطلب رعاية وزيارات متكررة من الفلاحين المختصين بتسلقها وتقليمها وتلقيحها وحفظ اللقاحات ثم جني المحصول مرات عدة. روح النخلة في رأسها كما يقول العراقيون. الصورة لنخيل من منطقة السعدية شمال شرق ديالى، حيث لم يقم الفلاح برعاية النخل وحافظ على بقائها يانعة فحسب.
صورة من: Muhsin
نخيل البصرة المُحارب!
يصدق الوصف على هذا النخيل بالمحارب، لأنّ مصيره تشابك مع الحروب، الحرب العراقية الإيرانية، غزو الكويت وتحريرها، وحرب إسقاط صدام حسين عام 2003. أوسع عمليات تخريب طالت هذه الغابات الشاسعة في سنوات الحرب الثمان مع ايران، حين أمر صدام بحرق وتجريف بساتين النخيل خوفاً من تسلل قوات إيرانية إلى داخلها، وإمعاناً في حرب سكان مناطق الأهوار المتمردين. الصورة على ضفة شط العرب المواجهة لإيران.
صورة من: Wisam
نخيل الأهوار المنسي
أدت عمليات تجفيف الأهوار، في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين إلى تدمير ألوف الهكتارات من غابات النخيل في المنطقة الممتدة من هور الحمار إلى هور الصحين والجبايش اتصالاً بغابات نخيل البصرة. التجفيف جاء لتجريد عشائر الهور المتمردة على سلطة صدام حسين عن محيطها الطبيعي. الصورة لأطراف غابات النخيل الهالكة على نهايات هور الجبايش.
صورة من: Wisam
تدني أسعار التمر
أهمل فلاحو البصرة العناية بنخيلهم لأسباب عدة أخرى لا تتعلق بالحروب، بل تتعلق بتدني أسعار التمور في أسواق العراق، مقارنة بأسعارها في أسواق بلدان الجوار. رعاية النخلة حتى تؤتي جناها، تتطلب عمليات طويلة مستمرة ومكلفة، وفي البصرة يشكو الفلاح من أنّ عائد التمر لا يسد تكاليف زراعته، لذا أهمل الفلاحون بساتين النخل، وبدأ القصب والعلف يزحف عليها. الصورة لنخل منطقة السيبة.
صورة من: Wisam
التمور المستوردة تغزو أسواق "أم النخيل"
بسبب تدني حاصل التمور في البصرة، تدفقت على أسواقها تمور إيرانية وسعودية وخليجية. المستهلك يقول إنّ تمور العراق غير معتنى بتسويقها، تغليفاً وتعليباً وتنظيفاً، وتعرض في الأسواق بشكل بدائي، لذا لا تحظى برضا المشترين. الصورة لتمور إيرانية في أسواق البصرة "أم النخيل" ما يشكل مفارقة محزنة.
صورة من: Wisam
نخيل بغداد خسر الحرب مع الفساد
نخيل العاصمة بغداد تساقط ضحية حروب من نوع آخر، فالعاصمة تتسع منذ عام 2003 بشكل عشوائي غير مسيطر عليه، ويتدفق عليها العراقيون من كل ناحية، حتى بات مُلاك البساتين الأثرياء يقتلون غابات النخيل بسكب النفط في قلب كل نخلة حتى تهلك، لتجريف أراضيها وتحويلها إلى أراضٍ سكنية تباع بملايين الدولارات. الصورة من بساتين نخيل الدورة في قلب بغداد.
صورة من: DW/A. Malaika
بساتين الدورة - كيف تُباع اليوم؟
طبقاً للقانون، فإنَّ أراضي البساتين في عموم العراق مملوكة للدولة، ومؤجرة لمدد تصل إلى 99 عاماً للفلاحين الذين يزرعونها، وتسمى الأراضي الأميرية. لكنّ هذا القانون لم يعد فعالاً بعد عام 2003 حيث ضعفت الدولة. بساتين الدورة الهالكة الظاهرة في الصورة لا يمكن بيع أراضيها رسمياً، لكنّ سعر المتر المباع بشكل غير قانوني هنا يصل اليوم إلى 3 آلاف دولار حسب مكاتب بيع العقارات في العاصمة.
صورة من: DW:A. Malaika
الحرب على النخيل في شرق العاصمة!
شهدت مناطق جنوب وجنوب شرق العاصمة عمليات تجاوز على بساتين النخيل المملوك بعضها للدولة، والمملوك قسم منها لأشخاص. وهكذا يجري قتل النخيل في مناطق، بسماية، جسر ديالى، بوب الشام، والحسينية، وأطراف الراشدية. الصورة في أطراف منطقة محمد السكران، حيث تتلف البساتين لتحويل أراضيها إلى قبور تباع بأسعار باهظة للناس.
صورة من: DW/A. Malaika
تشجير قناة الجيش.. ذهبت الأموال ومات النخيل
منذ عام 2011 أطلقت أمانة العاصمة حملة لتشجير قناة الجيش التي تربط دجلة بنهر ديالى. بلغ طول مشروع التشجير بالنخيل 23.5 كم. أنفقت الأمانة مبلغ 146 مليون دولاراً، وأحالت المشروع إلى شركات متعاقبة فشلت كلها وهربت دون حساب. وحسب الصحافة العراقية، شُتلت أكثر من 20 ألف نخلة على ضفتي القناة، هلكت كلها بسبب عدم سقيها. الصورة لجزء من المشروع بمنطقة الشعب.
صورة من: DW/A. Malaika
نخيل بابل الذي لم يخض حرباً!
بساتين النخيل الشاسعة اليانعة العامرة في منطقة بابل جنوب بغداد وسط العراق، لم تطلها الحروب، ولم تطلها أيدي الفساد والتخريب غالباً. هذه البساتين احتفظت بيناعها وترتبط عادة ببساتين كربلاء وعين تمر. الصورة لبساتين النخيل قرب آثار بابل.
صورة من: DW/Samir
نخيل بابل الباسق
يتوفر الماء في بابل عبر نهري الحلة والفرات، وهكذا فإنّ بساتين النخيل تحصل على حصص مائية منتظمة تحفظ لها يناعها، وتمكنها من الحياة. النخل هنا مثل ديالى يظلل بساتين البرتقال، وبساتين الرمان.
صورة من: DW/Samir
الزحف السكاني
يعزو المختصون في بابل احتفاظ المدينة ببساتينها من النخيل إلى توفر المياه أولاً، وإلى حرص دوائر المحافظة على حماية البساتين. كما كشف مصدر في المحافظة حصريا لـDW عربية عن تخصيص ملايين الدولارات سنوياً، لزراعة التالات الشابة وتكثيرها مختبرياً ميدانياً. الصورة في طرف منطقة سكنية بمدينة الحلة، حيث لم تقاوم تالات النخيل اليافعة والنخلات الباسقة الزحف السكاني.
ملهم الملائكة - العراق