بات نهر الراين، الذي يعتبر شريان حياة وخط نقل رئيسي في أوروبا في خط، فقد حذر باحثون من أنه خلال ثلاثين عاما قد لا يبقى نهر الراين على حاله الذي نعرفه حاليا.
إعلان
أصبح لتغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية تأثيرات واضحة على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، إذ أن الجفاف والطقس المتطرف وارتفاع درجات الحرارة باستمرار هي الأمور السائدة حتى في المناطق المعتدلة مثل ألمانيا. وكما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، فإن أزمة المناخ هي السبب الأكبر لانخفاض مستويات المياه.
وقد تأثر بشدة نهر الراين ، وهو أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم. و يحذر باحثون من أن نهر الراين قد يختفي من الوجود خلال عقود، بحسب ما نشره موقع (فرانكفورتر روند شاو) الألماني.
و تظهر الأحوال الجوية تأثير التغير المناخي في أوروبا، حيث ارتفعت درجات الحرارة بمعدل ضعف باقي مناطق العالم. نتيجة لذلك، شهدت ألمانيا انخفاضا ملحوظا في منسوب المياه في الأنهار، حتى أن أكثر العديد من المناطق قد أعلنت حالة الطوارئ الصيف الماضي بسبب نقص المياه.
أما نهر الراين ، فقد انخفض منسوب مياهه بشكل كبير، حيث تم قياس عمق المياه في بعض المناطق بـ1.16 متر فقط، بينما يعتبر العمق الطبيعي للنهر حوالي 2.40 متر.
ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا الانخفاض، الجفاف المستمر وتراجع تساقط الثلوج في الشتاء. فقد أدى التغير المناخي إلى انخفاض معدل تساقط الثلوج، الأمر الذي أثر بدوره على كمية تدفق المياه الجارية في الراين خلال فصل الصيف، بحسب ما نشره موقع (تاغيس شاو) الألماني.
ويؤكد العلماء أن انخفاض مياه نهر الراين قد يؤدي لتداعيات كارثية في ألمانيا وتبعات اقتصادية وبيئية واجتماعية متعددة. فمن الممكن أن يتقلص منسوب المياه في الراين بنسبة تصل إلى 50 في المائة خلال الصيف، مما سيؤثر على مصادر المياه الصالحة للشرب والزراعة والطاقة والنقل. ولن يكون التأثير السلبي مقتصرا على البشر فحسب، بل سيؤثر أيضا على الحياة البرية والنباتات.
وقد لا يختفي نهر الراين عن الوجود تماما، ولكن الحياة حوله ستتغير بشكل جذري، وعلى الإنسان والطبيعة التكيف مع هذه التغييرات.
ر.ض
يقاوم الجفاف وتغير المناخ.. الراين معلم طبيعي وشريان حياة بقلب أوروبا
ليس نهر الراين مجرد نهر غزيز يمرّ عبر ست دول أوروبية، بل هو أيضاَ معلمة تاريخية ورمز حضاري يؤرخ لتاريخ ممتد، وشريان حياة وخط نقل رئيسي في قلب أوروبا، لكنه يواجه أياما صعبة بسبب التغيّر المناخي، إذ تراجع منسوبه بشكل كبير.
صورة من: Peter Schickert/picture alliance
من سويسرا إلى هولندا
ينبع نهر الراين تحديدا من بحيرة توما في كانتون غراوبوندن شرق سويسرا، لكن عمقه لا يزداد إلا بعد تدخل مصادر أخرى للمياه منها بحيرة توماسي. هو أكبر نهر في سويسرا، ويشكل جزءا من حدودها مع النمسا وألمانيا وفرنسا، ومن أجمل معالمه الطبيعية في سويسرا شلالات الراين.
صورة من: imago/Westend61/W. Dieterich
يقطع ست دول بموقع استراتيجي مهم
اسمه يعود إلى اللغة السلتية، رينوس، وتعني "الجاري"، يتدفق النهر على مسافة 1230 كيلومترا. يمر في سويسرا وألمانيا وفرنسا والنمسا وليختنشتاين وهولندا، حيث يصب في بحر الشمال، ورغم أنه لا يوجد في قائمة خمس أكبر أنهار أوروبا، إلّا أن موقعه الاستراتيجي يجعله ضمن أهمها على الإطلاق.
صورة من: picture-alliance/blickwinkel/S. Ziese
شريان نقل وسط القارة الأوروبية
بفضل هذه الأهمية الاستراتيجية، استُخدم الراين وسيلة مثلى للنقل منذ أيام الحكم الروماني، واليوم هو شريان نقل أساسي للبضائع بين الدول التي يمر عليها، فمثلا ينقل الجزء الأكبر من البضائع التي تصل ألمانيا عبر الأنهار والمقدرة بـ195 مليون طن، ويربط مناطق صناعية ضخمة في ألمانيا وفرنسا وسويسرا وهولندا.
صورة من: H. Blossey/blickwinkel/picture alliance
أهمية كبيرة في التاريخ الألماني
رغم أنه يأتي في المرتبة الثانية داخل ألمانيا بعد نهر الدانوب، إلّا أن الراين كان له دور كبير في تشكيل القومية الوطنية الألمانية. يعود ذلك بسبب مروره عبر دول كانت منافسة لألمانيا منها فرنسا، وما نجح عن ذلك من أزمة بينهما عندما طالبت باريس أن يشكل النهر حدودا طبيعية لفرنسا. تقدم الأغنية الشهيرة " Die Wacht am Rhein" الصادرة عام 1871 لمحة عن هذه المشاعر القومية.
صورة من: picture-alliance/Zoonar/N. Okhitin
يضفي على المدن جمالا ساحرا
شكل هذا النهر مصدر إلهام للكثير من الفنانين، منهم رسام المناظر الطبيعية الإنجليزي ويليام ترنر الذي استلهم لوحاته من رومانسية نهر الراين، وكذلك الشاعر لورد بايرون. كما حضر النهر في العديد من الأفلام السينمائية منها Watch on the Rhine. يمر عبر العديد من المدن الجميلة، خصوصا في ألمانيا حيث يقطع 13 مدينة أشهرها كولونيا (الصورة)، وكذلك في روتردام الهولندية.
صورة من: manfredxy/Zoonar/picture alliance
الجفاف يضرب الراين مرة أخرى
تعرّض النهر لموجات جفاف عبر التاريخ استطاع أن يقاوم آخرها عام 2018. هذه الأيام يعاني مجددا من تراجع منسوبه، إذ تراجع مستواه في كوبلنز الألمانية إلى 48 سنتمتر فقط، وهو أقل ثلاث مرات مما تحتاجه السفن للإبحار. صور متعددة التقطت لتراجع المياه وهناك توقعات بأن تنحسر أكثر خلال الأيام القادمة، لكن الخبراء يثقون في صموده مرة أخرى.
صورة من: Ina Fassbender/AFP
تضرر كبير في المجال الاقتصادي
تداعيات الجفاف كبيرة جدا على المستوى الاقتصادي، سيكون لزاما على العديد من شركات النقل تأجيل أو خفض نقل بضائعها، ومن ذلك النفط والفحم الحجري والغاز. يتحدث خبراء عن أن السفن لن تستطيع نقل أكثر من 600 طن حتى وإن كان قدرتها تتجاوز ألفي طن. يحدث هذا في وقت تتخوف فيه ألمانيا وأوروبا من أزمة طاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلا عن تضرر حركة النقل السياحي.
صورة من: Getty Images/M. Hitij
خطر كبير على البيئة
التداعيات تصل كذلك إلى المجال البيئي. نهر الراين هو موطن الكثير من النباتات والحيوانات والطيور. بسبب انخفاض منسوبه يزداد التلوث وترتفع درجة الحرارة. تعيش في النهر أنواع سمكية متعددة ما يشكل خطرا على التنوع البيئي، كما تتضرر النباتات التي تنبت على ضفاف النهر، ويؤثر الجفاف بشكل كبير على الغطاء الغابوي القريب من النهر.