التقارب السعودي العراقي.. حضور امريكي وغضب إيراني
٢٣ أكتوبر ٢٠١٧بعد قطيعة دامت أكثر من رُبع قرن، توَّجت السعودية والعراق تقارُبَهُما، خلال الأشهر الأخيرة، بتوقيع مذكّرة تأسيس "مجلس تنسيق مشترك"، هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات بين البلدين. علاقاتٌ شهدت مدّاً وجزراً امتاز في أغلب فتراته بالحذر والقطيعة.
وربّما لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد أن السعودية والعراق سيؤسّسان مجلساً تنسيقياً مشتركاً، بحكم طبيعة العلاقات التي سادت بينهما بعد غزو صدام حسين للكويت بداية تسعينات القرن الماضي، خصوصًا وأن بغداد ظلّت قريبة جداً من طهران، هذه الأخيرة التي مثّلت على الدوام الخصم الأساسي والعدو اللدود للرياض في المنطقة.
العاصمة السعودية شهدت يوم الأحد (22 تشرين الأول/ أكتوبر 2017) إطلاق المجلس التنسيقي رسميًا من طرف العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، برعاية أمريكية تجسّدت في الحضور الشخصي لرئيس الدبلوماسية الأمريكية ريكس تيلرسون.
ملامح التقارب بين بغداد والرياض بدأت في التجلّي مع افتتاح منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية في آب/أغسطس الماضي، وصولاً إلى قيام شركة الرحلات السعودية الاقتصادية "طيران ناس" (فلاي ناس) بداية الأسبوع المنصرم بأول رحلة تجارية بين الرياض وبغداد منذ 1990.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية السعودية، فإن المجلس المشترك الجديد يؤسس لمرحلة "طموحة من العمل التجاري والاقتصادي والاستثماري غير المحدود" على أن يشكل "حَجَر الأساس في العمل والتخطيط المتوسط وبعيد المدى".
"عودة العراق للحاضنة العربية"
وعن خلفيات "المصالحة" بين العراق والسعودية، أوضح مناف الموسوي، مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، في حديث معDW عربية، أن "التقارب السعودي العراقي هو نتيجة مباشرة لبرنامج حكومة العبادي، المعتمِد منذ بدايته، على الابتعاد عن الدخول في محور معين وإعادة بناء علاقات دبلوماسية جديدة مع دول الجوار"، مضيفاً أن "العمل خلال الثلاث سنوات الماضية أثمَر فتح السفارة السعودية بالعراق من جديد، مع فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين على عدة مستويات".
الموسوي أكد أيضاً، في معرض حديثه، على أن "عودة العراق إلى الحاضنة العربية على المستوى السياسي تبقى الدلالة الأبرز لفتح علاقات جديدة بين الرياض وبغداد"، خاصة وأن العراق يوجد في موقع قوة بعد انتصاره على "داعش".
مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، قال إن "الحديث حول أن الحكومة العراقية هي حكومة صفوية تتحكم بها إيران، أصبح كلاماً من الماضي"، قبل أن يضيف بأن "العراق لحدود هذه اللحظة، يبقى ماسكاً للعصا من الوسط؛ فرغم كل هذه الاتفاقيات وإجراءات التقارب مع السعودية، إلا أن العراق ما زال يحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران، وبالتالي فإن "رؤيته لا تتقاطع مع رؤى دول المنطقة"، يضيف الموسوي.
واعتبر الموسوي أن "تأكيد العبادي على أن العراق لن يكون محطة انطلاق لضرب إيران هو رسالة تطمين للإيرانيين على أن التقارب مع الرياض لن يضرّ بعلاقة بغداد وطهران"، مشيراً إلى أن "العراق يثبت أنه ليس طرفاً في محور معين بالمنطقة بقدر ما يشكل أمل المنطقة في ضمان الأمن والاستقرار".
علاقات تاريخية بعمق استراتيجي
محمد بن عبدالله آل زلفه، الأكاديمي بجامعة الملك سعود والعضو السابق في مجلس الشورى السعودي، أكد على العمق التاريخي للعلاقات السعودية العراقية، قائلاً إن "العارفين بتاريخ العلاقات السعودية العراقية منذ بداية القرن العشرين يدركون تماماً أنه من الغريب ألا يكون هناك تقارب عراقي سعودي، حيث الرياض، وعلى مدى تاريخها الحديث، ظلت تعتبر العراق عمقاً استراتيجياً لها"، قبل أن يُعرّج على العلاقة الجدلية بين أمن البلدين الجارَيْن بقوله إن "أمن العراق كان دوماً مرتبطاً بأمن السعودية، وأمن هذه الأخيرة يتأثر طبعاً بأمن العراق"، بحسب تعبير آل زلفه في حوار مع DW عربية.
"الفتور، الذي طبع علاقة بغداد بالرياض، خلال الثلاثة عقود الماضية، هو ما أدى إلى نشأة وانتشار وتغذية الصراعات المذهبية وحركات التطرف والإرهاب بالمنطقة"، يضيف آل زلفة الذي يرى أن عودة العراق لجسده العربي "يعطي انطباعاً بأن العرب عادوا إلى واقعهم مع اعتبارهم لإيران عدوهم الأول، فهم لا يريدون شراً بإيران، لكن يطلبون منها فقط أن تكون جارة صديقة لهم".
وتابع الأكاديمي السعودي آل زلفة قوله إن "عودة العلاقات يشكل فعلا منعطفاً مهماً جدا سيكون له الأثر الكبير في استقرار المنطقة خاصة بالخليج والشرق الأوسط، لافتاً إلى أن " التقارب الأخير قوبل بفرح عربي شعبي ورسمي".
غضبٌ في طهران ومبارَكة من واشنطن
مقابل الفرح العربي بعودة المياه العراقية السعودية إلى مجاريها، يعتبر آل زلفة أن إيران كانت أكبر الغاضبين من هذا التقارب، قبل أن يستطرد بالقول: "بكل أسف، إيران بعد ثورة الخُميني لم تدخل في مكان إلا وأفسدته. وهي أكثر الغاضبين على التقارب، حيث لعبت بقوة قصد إبعاد العراق عن جسده العربي، ودفعه إلى قطع علاقاته مع السعودية ودول الخليج".
وتابع الأكاديمي السعودي قائلاً "أعتقد أن الإدارة الأمريكية في ظل قيادة الرئيس ترامب أدركوا تماماً بأن أساس المشكل والاضطرابات في المنطقة هو إيران وتدخلاتها التي عاثت بها فساداً. ولكي تستقر الأوضاع وتعود العلاقات الجيدة، يروْن أن إبعاد إيران أصبح ضرورة".
وبينما اعتبر العضو السابق بمجلس الشورى السعودي حضورَ وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون لحفل توقيع الاتفاقية بمثابة "مبارَكةٍ للاتفاق وليس للرعاية"، لأن "واشنطن تريد للشرق الأوسط أن يكون مستقرا"، أكد المحلل السياسي العراقي موسوي على أن "علاقات أمريكا الجيدة مع الدول العربية والدول الخليجية بالذات هو ما جعها حاضراً وطرفاً مهما في معادلة التقارب بين السعودية والعراق"، كما أن واشنطن قد تشكل قوة ضغط من أجل عودة العراق للمجال العربي"
موسوي أضاف أن "البعض يعتبر أن رعاية أمريكا للمصالحة قد تكون ضداً على إيران، لكن أمريكا لم تُلغِ الاتفاق النووي الإيراني رغم التصعيد في التصريحات بين الطرفين. في حين يعتبر البعض أن النفوذ الإيراني بالمنطقة قد يصبّ في مصلحة أمريكا". وبالتالي "قد لا تبدو أمريكا راغبة كثيرا في القضاء النهائي على إيران، لكنها بالنتيجة تريد لطهران، في نفس الوقت، أن تعود لما قبل عام 2003 سواء من حيث تواجدها في المشهد العراقي أو نفوذها الإقليمي".
"السعودية حريصة على وحدة العراق"
"السعودية كانت حريصة، منذ البداية، ألا تنبعث، بعد هزيمة "داعش" قضية جديدة تحمِل مشاكل بالمنطقة والتي هي قضية استقلال كردستان"، يقول الأكاديمي السعودي آل زلفة، قبل أن يتابع موضحاً بأن "السعودية تدعو إلى وحدة البلدان العربية بصرف النظر عن المنطق المذهبي، لكن إيران هي التي تريد تقسيم الدول العربية وزرع الفتن بين مناطقها".
وخلُص آل زلفة إلى القول إن "السعودية مع حق الأكراد في التمتع بوضعٍ لا ينتقص من قوميتهم، لكن في ظل التوافق مع الحكومة المركزية في بغداد، تجنباً لنشوء دولة جديدة قد تهدد استقرار المنطقة بعد التخلص من داعش".
جدير بالذكر أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي سبق أن زار السعودية في حزيران/يونيو الماضي، بعد زيارة مماثلة لوزير الخارجية السعودية عادل الجبير إلى بغداد وكانت الأولى لوزير خارجية سعودي منذ 14 عامًا.
يوسف يعكوبي