التقاعد بأوروباـ متى يجب التوقف عن العمل لبدء "حياة ثانية"؟
١ يونيو ٢٠٢٥
أقرّ البرلمان الدنماركي في 22 أيار/مايو 2025 انونًا لرفع سن التقاعد. وصوّت 81 نائبًا لصالحه، بينما عارضه 21 نائبًا. وبموجب القانون الجديد فقد تم تحديد بلوغ سن التقاعد في سن 70 عامًا لجميع المواطنين المولودين بعد 31 كانون أول/ديسمبر 1970. علمًا أنَّ سن التقاعد في الدنمارك يبلغ حاليًا 67 عامًا.
ومن المقرر رفع بلوغ سن التقاعد إلى 68 عامًا بحلول عام 2030، وإلى 69 عامًا بحلول عام 2035. وفي هذا الصدد أعلنت العام الماضي رئيسة الوزراء الدنماركية (الاشتراكية الديمقراطية) مته فريدريكسن، التي يبلغ عمرها 47 عامًا، أنَّها مستعدة لمراجعة هذا النظام عندما يصل سن التقاعد الرسمي إلى 70 عامًا.
ويُلاحظ من خلال المقارنة الدولية مدى اختلاف بلوغ سن التقاعد. ومن الملفت للنظر أنَّ الناس يعملون في بعض البلدان لفترات أطول مما يجب عليهم.
نموذج صالح لألمانيا؟
ما تزال حاليًا الحكومة الألمانية الجديدة في "مرحلة بحث واكتشاف" - وما تزال الكثير من التفاصيل مفتوحة. لقد أشاد المستشار فريدريش ميرتس بنفسه وبزملائه في مؤتمر الحزب المسيحي الديمقراطي بمدينة شتوتغارت قائلًا: "لقد أدرجنا في اتفاق الائتلاف العديد من الأمور الصحيحة".
وهكذا يبقى أيضًا مستقبل أنظمة الضمان الاجتماعي غير واضح. ولكن: "لا يمكن أن تستمر الأمور كما هي اليوم إلا لبضع سنين قليلة في أحسن الأحوال"، كما قال المستشار. وأضاف أنَّ الأمر يتعلق الآن بإجراء إصلاح جذري في تأمين المعاشات التقاعدية والتأمين الصحي وتأمين الرعاية التمريضية.
وتحدّث قبل نحو أسبوع المستشار الحكومي السابق بيرند رافيلهوشن حول النموذج الدنماركي. وحول ذلك قال لصحيفة أوغسبورغر ألغماينه تسايتونغ: "يجب علينا أن نسرع كثيرًا في رفع سن التقاعد إلى 70 عامًا حتى نستفيد على الأقل من بعض المولودين في فترة ازدهار المواليد". وأضاف أنَّ مليون مواطن ألماني سيتقاعدون سنويًا حتى عام 2035، وهذا يزيد نسبة أقساط المعاشات التقاعدية بالنسبة للشباب.
بيفريدج مقابل بسمارك
يوجد مبدآن لتمويل أنظمة المعاشات التقاعدية، يعرف كل منهما باسم مُنظّره أو مؤسسه: التشريعات الاجتماعية للمستشار الألماني أوتو فون بسمارك من القرن التاسع عشر، ونموذج بيفريدج، الذي تم وضعه في أربعينيات القرن العشرين.
وهذا النموذج هو نظام رعاية يؤمن جميع المواطنين ويتم تمويله من أموال الضرائب. واعتمد على حسابات الاقتصادي البريطاني ويليام هنري بيفريدج، الذي كان في ذلك الوقت من أعضاء الكتلة الليبرالية في البرلمان البريطاني.
يقابله نموذج بسمارك، الذي يحدد وجود صندوق لنظام تأمين يساهم في تمويله العمال وأرباب العمل. وبعبارة بسيطة: هذا النموذج يُموّل فيه المواطنون العاملون من خلال أقساطهم المدفوعة معاشات تقاعد المتقاعدين.
وأنظمة التقاعد في أوروبا لا يمكن مقارنها إلا بشكل محدودة للغاية، وذلك بسبب وجود جمع في العديد من الدول بين نموذجي بسمارك وبيفريدج. بالإضافة إلى أنَّ التفاصيل المعقدة جدًا أحيانًا تختلف من بلد إلى آخر.
المشكلة الديموغرافية
وتوجد في مبدأ بسمارك المطبق في ألمانيا مشكلة تتضح أكثر باسمرار: شيخوخة المجتمع الألماني. حيث يزداد باستمرار عدد الحاصلين على معاشات تقاعدية، بينما يتناقص باسمرار عدد دافعي الأقساط التقاعدية - الذين يزاولون مهنة خاضعة للتأمينات الاجتماعية الإلزامية. وبالإضافة إلى أنَّ الحاصلين على معاشات التقاعد أصبحوا يعيشون لفترات أطول بسبب زيادة العمر الافتراضي المتوقع إحصائيًا - ويحصلون بالتالي على المزيد من المعاشات التقاعدية.
ونتيجة لذلك يزداد باستمرار العبء على صناديق التقاعد الممولة بأقساط تأمين التقاعد. وهذا يؤدي إما إلى ضرورة الاستمرار في زيادة أقساط التقاعد (انظر أعلاه)، أو إلى عدم الاستمرار في زيادة المعاشات التقاعدية من أجل تعويض التضخم؛ أو إلى انخفاض مستوى المعاشات التقاعدية كله.
البعض يريدون العمل لفترة أطول
ما من شك في أنَّ حياة العمل الأقصر والتقاعد المبكر أمران مغريان. إذ يمكن للمرء التقاعد عن العمل قبل أن يصبح جسده غير قادر على تلبية متطلبات الحياة. ويمكنه أن يبدأ في "الثلث الأخير من حياته" بممارسة نشاط مفيد ويرضيه، أو أن يقضي ببساطة وقتًا أطول مع العائلة.
ولكن هذا مفيد بالتأكيد من الناحية الاقتصادية أيضًا: لأنَّ الأشخاص الذين يتوفر لديهم وقت فراغ أطول توجد لديهم أيضًا فرص أكثر من أجل إنفاق المال - بشرط أن يسمح لهم معاشهم التقاعدي بذلك. ومن الممكن هكذا تعزيز الاستهلاك الخاص، مما يعود بالفائدة على الوضع الاقتصادي.
ومع ذلك فإنَّ العمل لفترة أطول يمكن أن تكون له حسنات أيضًا: فالكثير من الناس يشعرون حتى وهم في منتصف الستينيات من أعمارهم بأنهم ما يزالون محافظين على لياقتهم البدنية ويواصلون عملهم بكل سرور. ويرغبون في نقل تجاربهم وكذلك في مواصلة تواصلهم مع الشباب. وعندما لا تضيع معرفتهم وخبراتهم المكتسبة، يستفيد أرباب العمل أيضًا. بالإضافة إلى أنَّ ذلك يمكن أن يساهم قليلًا في تعويض نقص العمالة الماهرة.
أحيانًا في سن مبكرة، وأحيانًا في سن متأخرة
تبيّن الإحصاءات المعروضة في الرسم البياني الأول أنَّ بلوغ سن التقاعد القانوني يتوافق مع نهاية الحياة المهنية الفعلية في حالات قليلة جدًا فقط: ففي معظم الحالات، يتقاعد الناس في سن مبكرة. وسواءً كان ذلك لأنَّ أجسادهم لم تعد ببساطة تريد الاستمرار، أو لأنَّهم أصبحوا منهكين - خاصة في المهن الإبداعية.
وفي بعض الحالات القليلة، يعمل الناس أيضًا بعد بلوغهم سن التقاعد - مثلًا في نيوزيلندا واليابان، وحتى في السويد واليونان. ولكن هل يفعلون ذلك بمحض إرادتهم؟. على الأرجح أنَّ أسباب ذلك لها في بعض الحالات طبيعة شخصية للغاية، تحول دون عرضها في مسح إحصائي.
التوازن المجتمعي
ومع ذلك، توجد شروط عامة يمكن تغييرها. مثل نسبة التعويض الإجمالية، أي تحديد مبلغ المعاش التقاعدي بحسب حجم الراتب الأخير. وعندما يكون هذا الفرق كبيرًا جدًا، لا يستطيع بعض العمال تحمل أعباء تقاعدهم عن العمل.
ومن الممكن طرد شبح الفقر في سن الشيخوخة عندما يتم تعديل مستوى المعاشات التقاعدية بحيث يكفي للحصول بعد حياة مهنية طويلة على راتب تقاعدي مناسب. بيد أنَّ هذا يكلف أموالًا طائلة غير متوفرة في صندوق التقاعد. ومن ناحية أخرى، لا يمكن الاستمرار في زيادة العبء الشهري على دافعي أقساط تأمين التقاعد، لأنَّ ذلك قد يقضي على إمكانيات ادخارهم الخاص أيضًا من أجل تأمين تقاعدهم.
أعده للعربية: رائد الباش