1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

التناقص الحاد في عدد الأطفال يضع ألمانيا أمام تحديات مستقبلية

تعاني القارة الأوربية عامة وألمانيا خاصة من تناقص حاد في عدد المواليد يثير مخاوف من عواقب سلبية مثل النقص الحاد في الأيدي العاملة المؤهلة وتراجع أعداد الأكاديميين في المستقبل.

روضة أطفال في برلينصورة من: dpa

الإحصائيات الألمانية الأخيرة تشير إلى تراجع عدد المواليد في الأربعين عاما الماضية إلى النصف، أما متوسط عمر الأمهات الألمانيات فوصل إلى 29.3 عاما، إضافة إلى أن متوسط عدد الأطفال لكل إمرأة تناقص بمعدل 1.29 طفل. والمثير في الأمر أن 40 % من الأزواج الذين ليس لديهم أولاد مقتنعين كلية بفكرة عدم الإنجاب، خوفا من الأعباء المالية الناتجة عن ذلك ومن فقدانهم لوظائفهم الحالية.

المجتمع الألماني يعاني من الشيخوخة

معضلة التوفيق بين الوظيفة و الإنجابصورة من: dap

كله هذه المؤشرات تدفع المجتمع الألماني إلى الوقوف على الأسباب التي أدت إلى ظهور تلك المشكلة التي أضحت في بؤرة إهتمامه. فالهرم السكاني منقلب رأسه على عقبه والمشكلات الاجتماعية تتركز أكثر حول ذوي الأعمار ما فوق الستين وخاصة وأن متوسط العمر ارتفع في مقابل انخفاض معدل المواليد. وإذا ما نظرنا إلى وسائل الإعلام نجد مثلا أن الإعلانات التليفزيونية تركز أكثر على كبار السن، حيث أنهم صاروا يمثلون قدرة شرائية قوية، أما باقي الإعلانات فتهتم بإظهار الصورة العصرية للرجل والمرأة دون أطفال، أو تنادي بالتفكير في عدد مبالغ فيه من التأمينات الخاصة مثل التأمين على الحياة أو استثمار الدخل في أسهم لتدر ريعا يساعد الأفراد في الحفاظ على مستوى معيشتهم بعد الوصول إلى سن التقاعد. وإذا ما تحدثنا مع رجل الشارع الألماني فما يلبث أن يحدثنا عن أحلامه ما بعد الستين، حيث يتوقف عن العمل و يبدأ بالتمتع بحياته، وهذا ما يجعل الشعب الألماني "عدواً للطفولة"، وهو مصطلح صار في الآونة الأخيرة متداولا ومع ذلك لا تتحدث عنه الصحف ووسائل الإعلام.

الوظيفة أم الأطفال؟

الشيوخ أكثر من الأطفالصورة من: AP

يزداد عدد النساء العاملات اللواتي لا ينجبن أطفالاً بشكل كبير، فمعظمهم يرى أن وجود أطفال في الأسرة يعيقهم وظيفيا، فقوانين العمل الألمانية تكفل للمرأة الاحتفاظ بمكان العمل في أثناء فترة الرضاعة، إلا أنها لا تضمن لها العودة إلى نفس المنصب الذي كانت تعمل به، وهذا ما يقلق الكثير من النساء، اللواتي يعتبرن ذلك عبء كبيرا عليهن، كما أنهن لا يدفعن خلال إجازة رعاية الأطفال أي نوع من التأمينات الاجتماعية مما يتسبب في إنخفاض المعاش في فترة التقاعد. و إذا ما حاولت المرأة العاملة رعاية الأطفال والاحتفاظ بالوظيفة في آن واحد فيصبح هذا غير مجز على الإطلاق، فالراتب الذي تتقاضاه يصرف للحضانات الخاصة، إذا لم تتمكن في إيجاد مكان في الحضانات الحكومية المحدود عددها. وبالإضافة إلى ذلك فإن العديد من النساء العاملات يشكين من عدم مساعدة الأزواج لهن في هذه المرحلة الصعبة، بالرغم من أن الحكومة تيسر للرجل الحصول على إجازة من العمل لرعاية الأطفال، إلا أن عدد قليل جدا من الرجال يبدي استعداده لتقبل فكرة البقاء في المنزل، بينما تواصل المرأة عملها.

المرأة العصرية مابين الأمس و اليومصورة من: GRUNER+JAHR, BRIGITTE

وفي هذا السياق تعد مشكلة البطالة من أكثر الأشياء التي يخشاها معظم العاملين في ألمانيا، لذلك يحرصون على أن يكونوا على حد كبير من المرونة حتى إذا ما تطلب ذلك الانتقال وظيفيا من مدينة إلى مدينة، أو حتى من ولاية إلى أخرى. ولذلك يصعب في وجود أولاد في سن صغير الانتقال من ولاية إلى أخرى، خاصة في ظل عمل الوالدين، مما يضطر أحد الطرفين إلى التخلي عن وظيفته أو يقرر الطرفان من البداية عدم الإنجاب للمضي قدما في الحياة العملية.

تغير مفهوم الأسرة

صورة من: dpa

ابتداء من فترة الستينات شهد المجتمع الألماني تغيرا كبيرا في مفهوم الأسرة. فوسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا في إحداث هذا التغيير الجذري، فلقد سلطت الأضواء على الأسرة العصرية التي عادة ما تتكون من زوجين عاملين كل منهما يحاول إثبات ذاته في الحياة العملية، كما أن اتجاه معظم الشباب إلى التعليم الجامعي وفترة الدراسة الطويلة كانا من العوامل الأساسية في تغير مفهوم الأسرة. فالشباب عادة ما يتخرج من الجامعة في سن متأخرة و يبدأ بعد ذلك رحلة البحث الصعبة عن فرصة عمل. ومن الملاحظ أيضا أن الأزواج ذوي التعليم الجامعي يفضلون عدم إنجاب أطفال حتى ما يتمكنوا من الترقي في وظائفهم.

الأطفال كعائق مادي

الطفل يكلف والداه 400 ألف يوروصورة من: AP

وجود أطفال في الأسرة الألمانية صار يمثل نوعا من أنواع الرفاهية نظرا للتكاليف الباهظة التي تتكبدها الأسرة لرعاية وتربية الطفل، فالطفل يكلف والديه في المتوسط 400 ألف يورو حتى انتهائه من التعليم المدرسي. و بالرغم من ألمانيا تقدم المساعدات و التسهيلات المادية للأسر إلا أنها تغطي 25% فقط من إجمالي تكاليف الطفل مما يعني أن الأسرة يقع على عاتقها النصيب الأكبر. لكن حتى ذوي الدخل العالية والمتيسرين لا يفكرون في الإنجاب، فهم يستمتعون بحياتهم العصرية ولا يبغون التخلي عنها من أجل الأطفال.

التشاؤم والخوف من المستقبل

صورة من: dpa

الوصول إلى السبب الرئيسي الذي يفسر عزوف الجيل الشاب في المجتمع الألماني عن فكرة الإنجاب ليس بالمهمة السهلة، فهناك العديد من العوامل المتشابكة التي تؤدي إلى ذلك، ولعل أحد الأسباب أيضا يكمن في أن الكثير من الشباب في سن الـ24 و حتى الـ 35 يعانون من الخوف من المستقبل والنظرة المتشائمة للحياة، فلقد انتشرت في الثمانينات جملة "لا أبغى أن أهب إلى هذا العالم أطفالا" وذلك سخطا على الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم. ولعل تلك النظرة التشاؤمية تجمع بين المجتمع الغربي والشرقي، وإن كانت طريقة التعبير عنها مختلفة. فبينما يعزف المجتمع الألماني عن الإنجاب ويقرر الاستمتاع بحياته الخاصة، يرى المجتمع الشرقي في الإنجاب أملا في تحقيق ما لم يتم يحققه الأب والأم.

هبة الله إسماعيل

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW