التنقيب عن الثروات.. امتحان جديد لعلاقات المغرب وإسبانيا
١٤ نوفمبر ٢٠٢٣
يرغب المغرب بالاستفادة من السواحل البحرية في المحيط الأطلسي بشكل أكبر، لكن ذلك يصطدم بقلق إسباني، خصوصاً من جزر الكناري التي تنظر بشك كبير إلى نيات المغرب بشأن الخلافات على الحدود البحرية.
إعلان
أثار حديث ملك المغرب، محمد السادس، عن "تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية"، في الواجهة الأطلسية تخوّفات كبيرة من سياسيين في جزر الكناري، التي لا تفصلها سوى مئة كيلومتر عن مدينة طرفاية، الواقعة جنوب المملكة المغربية، بحكم إشكاليات قديمة تخصّ تحديد المياه الإقليمية بين المغرب وإسبانيا.
وتتمتع جزر الكناري بحكم ذاتي تحت السيادة الإسبانية. وطالبت نائبة في البرلمان المحلي لهذه الجزر، كريستينا فاليدو، الأسبوع الماضي، "بإجابات شافية" من الخارجية الإسبانية حول نية ملك المغرب القيام بالتنقيب عن النفط في هذه المياه الإقليمية.
كلمة ملك المغرب جاءت في خطاب "المسيرة الخضراء" الذي يلقيه في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، وهي ذكرى مسيرة شارك فيها 350 ألف مغربي عام 1975، لأجل المطالبة بجلاء الاستعمار الإسباني عن الصحراء الغربية.
وذكر ملك المغرب ضرورة تحقيق "اقتصاد بحري"، من معالمه التنقيب عن الثروات الطبيعية في المحيط الأطلسي، وتحديداً المنطقة المتاخمة للصحراء.
قلق من الكناريين
وقالت كريستينا فاليدو، المنتمية إلى حزب "تحالف الكناريين" وهو حزب قومي مدافع عن جزر الكناري، إنها ترفض صمت الحكومة بهذا الشأن، وقالت إن "جزر الكناري تخاطر بحاضرها ومستقبلها" إزاء قضايا مشابهة، وطالبت بعدم وضع الجزر في هامش العلاقات الثنائية المغربية- الإسبانية، وأن تكون الجزر ممثلة في أيّ اتفاق بين البلدين.
ولأجل دعم حزب العمال الاشتراكي، الذي ينتمي له بيدرو سانشيز، بتكوين أغلبية تتيح له تشكيل الحكومة، وقع حزب "تحالف الكناريين" اتفاقاً مع حزب سانشيز، أول أمس السبت من بين نقاطه، أن تكون جزر الكناري ممثلة بشكل خاص في كل الحوارات التي تجريها حكومة مدريد مع المغرب وتهم هذه الجزر، وخصوصاً ثلاث مسائل رئيسية، منها الحدود البحرية، ومراقبة الهجرة، واستغلال الموارد الطبيعية.
ويكافح سانشيز لتشكيل حكومة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة التي أعطت الصدارة لمناوئه حزب الشعب الإسباني، دون أن يتمكن من حصد الأغلبية، ثم فشله في تشكيل الحكومة، ما يمهد الطريق لسانشز، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، للاستمرار. وعُرف سانشيز مؤخراً بمواقفه الداعمة للمغرب، خصوصاً تأييده لمبادرة الحكم الذاتي المغربية لإنهاء نزاع الصحراء الغربية.
وأدت مواقف سانشيز المتعلقة بالمغرب إلى الهجوم عليه من سياسيين ووسائل إعلام. وقالت صحيفة ABC في افتتاحية لها مؤخراً إن "الصمت المزعج لحكومة تصريف الأعمال في مواجهة مناورة المغرب بالتنقيب عن النفط في المياه القريبة من جزء الكناري أمر مفاجئ"، متهمة بدورها رئيس الحكومة بانعدام الشفافية فيما يخصّ علاقات إسبانيا والمغرب.
خلافات الحدود البحرية
ورد وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون بالنيابة، خوسيه مانويل ألباريس، على الانتقادات، وصرح أن "المغرب شريك استراتيجي لإسبانيا"، لكن أضاف أن كل القرارات سيتم اتخاذها باستحضار مصالح جزر الكناري وإسبانيا.
وقال محمد شقير، محلل سياسي مغربي لموقع "فبراير" المحلي، إن "رسم المغرب لحدوده البحرية مع إسبانيا سيساهم في استغلال ثرواته البحرية السمكية والمعدنية"، مبرزاً إمكانية اعتماد المغرب على خبرات أجنبية في إطار "شراكات رابح-رابح"، كما تطرق إلى موضوع ميناء مدينة الداخلة التي يعول عليه المغرب بشكل كبير لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا.
ويشهد ملف ترسيم الحدود البحرية خلافات كبيرة بين المغرب وإسبانيا، وكان البرلمان المغربي قد صادق عام 2020 على تحديد المساحة البحرية للمغرب بما يشمل سواحل قريبة من جزر الكناري، وهو ما احتجت عليه إسبانيا، مبررة ذلك بتداخل الحدود مع مياه إقليمية إسبانية، كما أبرزت حينها الوضع الدولي لمياه الصحراء الغربية.
واهتم المغرب كثيراً بالاستثمار في المياه البحرية، خصوصاً بعد تقارير عن وجود كميات من المعادن والثروات الطبيعية تحت سطح البحر، وفي مقدمتها معادن تستخدم في السيارات الكهربائية.
بالصور.. حلاوة فراولة جنوب إسبانيا لا تُخفي مرارة جنيها!
هذا العام وصلت 15 ألف عاملة موسمية مغربية للعمل في جني الفراولة بإسبانيا. لكن العملية لم تمر دون ضجة، خصوصاً بعد شكاوى بعضهن من مضايقات جنسية . DW عربية زارت المنطقة والتقت بعدة عاملات حكين قصصهن عن تجربة مضنية.
صورة من: DW
ويلفا.. مملكة الفراولة في إسبانيا
يعدّ جني الفواكه الحمراء، خاصة الفراولة، أحد أكبر الأنشطة الزراعية بمنطقة الأندلس، وتحديداً في إقليم ويلفا، ما يساهم في جعل إسبانيا أحدى أكبر ثلاثة مصدرين لهذه الفاكهة عبر العالم. يحتاج كبار المنتجين في الإقليم إلى اليد العاملة الموسمية لعملية الجني، ما يدفعهم إلى الاستنجاد بالعمال المهاجرين، وبالعاملات الموسميات، خصوصاً القادمات من المغرب.
صورة من: DW
ظروف عمل صعبة بأجور زهيدة
يبدأ العمل مبكراً في الضيعات. يختلف الأجر بشكل طفيف، لكن العاملات يحصلن عموماً على 37 يورو (صافي) يوميا عن سبع ساعات ونصف، مع إمكانية تلّقي تعويضات مالية عن الساعات الإضافية. يعدّ هذا الأجر من الأضعف في إسبانيا، ولا يجذب، إلا نادراً، أبناء وبنات البلد. تبقى ظروف الجني جد صعبة، وعدة عاملات وعمال يُضطرون إلى التوقف بعد بضعة أيام.
صورة من: DW
مشاكل متعددة تُلاحق العاملات المغربيات
وصلت آلاف المغربيات على مراحل إلى الإقليم. لكن كثيرات منهن عانين مشاكل عديدة، من أبرزها أنهن لم يعملن مدة العقد الكاملة (3-4 أشهر)، ممّا أثّر على أجورهن، فضلاً عن نُدرة المترجمين وكثرة العراقيل أثناء الحصول على الأجور وأحياناً غياب المرافقة الطبية. مصادر تحدثت عن تعرّض عاملاتٍ لمضايقات جنسية، لكن هناك شبه إجماع أنها حالات معزولة.
صورة من: DW/I. Azzam
الفقر.. الدافع الأكبر للعمل الموسمي
الفقر أكبر الأسباب التي دفعت بالعاملات الموسميات إلى خوض تجربة العمل في إسبانيا. تحكي هذه السيدة أنها تعمل لأجل إعالة أبنائها، خاصة أن واحداً منهم يعاني إعاقة، مؤكدة أنها على استعداد للعودة العام المقبل ما دامت تجني هنا أكثر بكثير ممّا يمكن أن تجنيه بالمغرب. تنحدر جلّ العاملات من مناطق قروية، واختيارهن كان حكراً في الغالب على من لهن أبناء، حتى لا يبقين سراً في إسبانيا بعد نهاية العقد.
صورة من: DW/Ismail Azzam
السكن قرب الضيعات تفاديا لتكاليف أخرى
يعيش العمال والعاملات في مساكن خشبية قرب الضيعات. في كل بيت هناك 3 أو 4 غرف. بكل غرفة 3 أو 4 أشخاص، بينما توجد أحيانا غرف مخصصة للأزواج.توّفر الشركات أهم احتياجات الحياة بهذه المساكن، لكن على العمال تحمّل نفقات طعامهم، فيما يؤدي آخرون جزءاً من تكاليف السكن. توجد جنسيات متعددة في هذه المساكن، أهمها المغاربة والرومان والقادمون من إفريقيا جنوب الصحراء.
صورة من: DW/I. Azzam
"المسمن" المغربي حاضر بإسبانيا!
تحرص العاملات الموسميات على العيش وفق الطريقة المغربية. زرنا هذا المسكن في شهر رمضان حيثُ كانت سيدتان تعدّان مائدة الإفطار، وخصوصاً خبز "المسمن". بعض العاملات عبرن عن ارتياحهن للسكن بينما جرى العكس عند أخريات. تزامن موسم الجني مع شهر رمضان زاد من صعوبة العمل، خاصةً مع الحرارة المفرطة، وتأخر غروب الشمس للتاسعة والنصف أو أكثر.
صورة من: DW/I. Azzam
"الخطافة" في إسبانيا كذلك!
تحتاج العاملات إلى "الخطافة"، وهو لفظ يطلق على ممتهني النقل السري بالمغرب، لأجل بلوغ محلات التسوق. النقل الذي توّفره شركات الفراولة يخصّ فقط المسافة بين الضيعات والبيوت. تسعيرة "الخطافة" تتنوع حسب المسافة وتبدأ من يورو للعاملة الواحدة. بفضل العاملات الموسميات، حقق فرع سوق ممتاز ببلدة موغر أرقام مبيعات مرتفعة جعلته الأكثر نشاطاً بالإقليم ككل!
صورة من: DW/I. Azzam
تجارة مزدهرة.. بفضلهن!
تستغل العاملات الموسميات فرصة العمل بإسبانيا لشراء عدة سلع يأخذنها معهن إلى المغرب. تزامن موعد عودة الكثيرات منهن مع عطلة عيد الفطر، ما جعلهن يشترين هدايا لأقربائهن. وهو ما ساعد العاملات في بلدة موغر هو وجود محلات تجارية كثيرة يعمل بها مغاربة، ما سهل عليهن التواصل. بفضل هؤلاء النساء، حققت فروع تحويل المال في البلدة أرقام معاملات كبيرة، إذ يحرصن على تحويلات دورية لأسرهن بالمغرب.
صورة من: DW/I. Azzam
أكواخ البلاستيك "الصالحة" للسكن!
العمال المغاربة يستفيدون بدورهم من ضيعات الفراولة. لكن، بسبب حرص عدد منهم على توفير المال، أو معاناة آخرين في إيجاد الإيجار، أوعدم توّفرهم على وثائق الإقامة، يكون البديل في السكن هو أكواخ بلاستيكية تفتقر لشروط العيش الكريم. توجد في هذه الأكواخ بعض النساء لكن عددهن قليل. يسكن عمال آخرون في مراقد جماعية أفضل حالا بما بين 60 و100 يورو شهريا، بينما استطاع آخرون الظفر بسكن يُوّفره مُلاك المزارع.