التونسيون صوتوا بكثافة وهم يرددون "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"
٢٣ أكتوبر ٢٠١١في أجواء إقبال كثيف من التونسيين على مكاتب الاقتراع، اتسمت انتخابات المجلس التأسيسي بمظاهر وصفها عدد من التونسيين الذين تحدثوا لموقع دويتشه فيله بأنها غير مسبوقة في تاريخ البلاد. الحضور المكثف للشباب في الاقتراع لم يحجب مشاركة الشيوخ وقد ردد منهم وحتى الشباب على مواقع فيسبوك، بتأثر عبارة "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" كتعبير عن انتظارهم الطويل لهذه اللحظة وهذا اليوم، وهي ايضا تكريم للمواطن التونسي احمد الحفناوي الذي عُرف بهذه العبارة منذ يوم هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الى السعودية في 14 يناير/كانون الثاني 2011 وتناقلتها على نطاق و اسع قنوات تلفزيونية وإذاعية.
ومن جهته أعلن كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا للانتخابات في أن النسبية العامة للمشاركة في الانتخابات "فاقت كل التوقعات" إذ قاربت 70 بالمائة وتجاوزت 80 بالمائة في بعض الدوائر الانتخابية. وكان الجندوبي أعرب قبل أيام عن الأمل في أن تبلغ نسبة المشاركة 60 بالمائة حتى تكون الانتخابات "ناجحة".
ويحق الانتخاب في تونس لكل مواطن بلغ 18 عاما باستثناء القضاة والموظفين في الجيش والشرطة. وأعلنت هيئة الانتخابات أن 7 ملايين و200 ألف شخص من أصل 12 مليون يعيشون داخل البلاد يحق لهم الاقتراع مشيرة إلى أن 4 ملايين فقط من هؤلاء سجلوا أنفسهم في مكاتب الاقتراع.
"هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"
ما يلفت النظر أمام مختلف مكاتب الاقتراع أن كل ناخب يخرج من مكتب الاقتراع وسبابة يده مخضّبة بحبر أزرق اللون لا يمّحي إلا بعد 24 ساعة. ويعتبر غمس مقدمة سبّابة اليد في هذا الحبر شرطا إجباريا للانتخاب والغاية منه عدم إعادة التصويت في مكاتب أخرى.
وكان حضور المسنين من الجنسين لافتا يوم الانتخاب فرغم حرارة الطقس والطوابير الطويلة أصرّ بعضهم على الانتظار للاقتراع. وقد تم في كثير من المكاتب تقديم المسنين وإعطاؤهم أولوية التصويت.
محمد عفيف رئيس مكتب الاقتراع بمدينة حمام الغزاز التابعة لمحافظة نابل (شمال) أعلن في تصريح لإاذعة تونسية محلية أن رجلا متقدما في السن توفي أمام مكتب الاقتراع جراء أزمة قلبية. وقال عفيف إن الهالك يعتبر "شهيدا" نظراً لإصراره على التصويت رغم كبر سنه والمرض الذي يعانيه.
وكان كثير من المسنين مرفوقين بأبنائهم أو أحفادهم الذين التقطوا لهم صورا بالهواتف المحمولة ساعة خروجهم من مكاتب التصويت.
ونشرت على فيسبوك صور لمسنين يصوّتون وكتب عليها "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" في إشارة إلى العبارة التي ردّدها مواطن تونسي وقال رجل في العقد السابع يدعى خليفة لدويتشه فيله :"عمري 70 عاما عشت في عهد بورقيبة (أول رئيس لتونس المستقلة) وبن علي لكني لم انتخب وهذه أول مرة أشارك في انتخابات لأني أشعر أنها انتخابات حقيقية وليست مسرحية تنتهي بفوز الحزب الحاكم بنسب تسعينية".
"غنوشي ارحل"، و رؤساء الأحزاب في الطوابير
اضطر راشد الغنوشي رئيس حزب "حركة النهضة" الإسلامي الى المشي مسافة كيلومتر ليقف في مؤخرة طابور للناخبين بعد أن رفض مواطنون في حي "المنزه السادس" الراقي وسط العاصمة تونس السماح له بدخول مركز التصويت دون الاصطفاف في الطابور.
الغنوشي الذي كان مرفوقا بأفراد من عائلته همّ بدخول المركز لكنه تراجع أمام تعالي صياح محتجين قال له أحدهم:"لقد ولّى عهد المحاباة والمجاملات منذ سقوط نظام بن علي، والديمقراطية الحقيقية تبدأ باحترام الطوابير".
وقد فجّر إطلاق سيدة من أتباع الغنوشي لزغاريد بعد خروج رئيس النهضة من مكتب الاقتراع موجة من الغضب في صفوف مئات من الناخبين شرعوا في ترديد "غنوشي ارحل" و"تونس حرة والغنوشي على برّة". بعض السيدات تعقّبن الغنوشي إلى خارج مركز الاقتراع مرددات "ارحل" ومنهن من وصفه بالإرهابي و"المجرم" ما أثار استياء ابنته سميّة التي وصفت في تصريح لدويتشه فيله ما حدث مع والدها بأنه "شكل من أشكال التطرّف". وترجح بعض استطلاعات الرأي تقدم حزب النهضة الإسلامي في هذه الانتخابات.
وشوهد كل رؤساء الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات في طوابير مع عامة الشعب.
تجاوزات انتخابية "محدودة"
ورغم أن العملية الانتخابية جرت بشكل عام في هدوء ودون اضطرابات أمنية مثلما كان يخشى عامة التونسيين إلا أن المراقبين الذين تابعوا العملية الانتخابية رصدوا عديد التجاوزات. حيث تابع انتخابات تونس أكثر من 5500 مراقب بينهم أكثر من 500 أجانب.
وتمثلت أهم التجاوزات في مواصلة أحزاب لحملتها الانتخابية في محيط مراكز الاقتراع وحتى داخلها رغم أن ذلك محظور قانونيا، وفي محاولة هذه الأحزاب التأثير في الناخبين من خلال محاولة شراء أصواتهم بمقابل. وقالت هيئة الانتخابات إنها ستطبق القانون على المخالفين. وشرع المراقبون في نشر تقاريرهم تباعا حول هذه التجاوزات. ويعتقد عدد من المراقبين بأن هذه التجاوزات كانت محدودة ولا يتوقع أن يكون لها تأثير كبير على العملية الانتخابية التي جرت بشكل عام في أجواء هادئة.
منير السويسي - تونس
مراجعة: منصف السليمي