الجدل حول "البوركيني" يثير تساؤلات حول "البيكيني"
١٩ أغسطس ٢٠١٦ يتواصل الجدل الكبير الذي أثاره قرار مدن وبلدات فرنسية بحظر ارتداء "البوركيني"، أو ما يطلق عليه أيضا "المايوه الشرعي"، في شواطئها ومسابحها، خاصة بعد انتقال الحظر إلى مناطق في إيطاليا أيضا رغم أن وزير الداخلية الإيطالي استبعد أن يتم فرض حظر البوركيني في بلاده.
ويأتي الجدل حول منع البوركيني بالتزامن مع نقاش مشابه حول حظر ارتداء النقاب أو ما يسمى "البرقع" في ألمانيا. وسائل الإعلام ركزت على خبر محاكمة خمسة أشخاص في جزيرة كورسيكا الفرنسية يوم الخميس على خلفية مشاجرة وقعت الأسبوع الماضي، وقال شهود إنها مرتبطة بارتداء الـ"بوركيني". وأدت إلى إصابات بجروح وتدخل مئات من عناصر الشرطة. كما أدت هذه المشاجرة إلى حظر ارتداء البوركيني في البلدية، التي وقعت فيها المشاجرة، على غرار ما قرره عدد من رؤساء البلديات في فرنسا خلال الأسابيع الأخيرة.
"لماذا لا يحظر العرب البيكيني؟"
وكان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قد عبر الأربعاء (16 آب/ أغسطس 2016) عن دعمه لقرارات الحظر التي اتخذها رؤساء البلديات. وهي القرارات التي أثارت جدلا في البلاد بين أنصار تطبيق العلمانية في الأماكن العامة وأولئك المدافعين عن الحرية الشخصية.
هذا الاحتدام في أوروبا بخصوص الرموز الإسلامية في الأماكن العامة وتحديدا البرقع والنقاب والبوركيني شغل حيزا في مواقع وصحف عربية ناقشت هذه القرارات وتداعياتها في أوروبا، لكن التركيز كان بشكل أكبر على قرارات حظر البوركيني في فرنسا.
عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية أورد في مقال رأي له أن موقف رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس يصب في مصلحة الأحزاب والجماعات التي تطالب بمنع "البوركيني"، من منطلقات عنصرية سياسية معادية للإسلام والمسلمين، والأجانب بشكل عام.
وقارن عطوان بين قرارات الحظر الحالية والجدل حول منع النقاب وأيضا الحجاب في المدارس والأماكن العامة. ويرى أن منع البوركيني سيخلق جدلا واستياء أكبر، على اعتبار أن فئة من المسلمين أنفسهم لا ترى أن النقاب أو البرقع ملزم للمسلمات، إضافة إلى أنه قد يشكل خطرا أمنيا باعتقادهم لأنه يخفي الوجه. أما منع البوركيني بالنسبة لعطوان فهو "انتهاك صارخ" للحريات الشخصية التي نص عليها الدستور الفرنسي نفسه، حسب قوله.
ويقارن عطوان بين قرارات الحظر في فرنسا والحرية التي تحظى بها الأوروبيات عندما يسبحن في شواطئ السعودية مثلا بملابس بحر تخفي القليل من أجسادهن، دون أن تتدخل السلطة مع أنها على علم بذلك. كما لا يجري منع الأوروبيات من السباحة بالبيكيني في الشواطئ والفنادق بالدول الخليجية، التزاما بتعاليم الدين والشريعة، وهي الدول التي تصنف من قبل أوروبيين على أنها متخلفة نظرا لأنها محافظة لا سيما فيما يخص المرأة.
جمعيات تلجأ للقضاء ضد المنع
في مقال بعنوان "حرب البوركيني تغزو الشواطئ و المسابح الفرنسية" تساءلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن أسباب كل هذا الجدل "فلا أحد مثلا يحتج على ارتداء البكيني أو تعرية صدر المرأة، وهو أمر شائع في الشواطئ الفرنسية ولا يثير انتباه أحد". بل حتى أن بعض البلديات تخصص أجزاء من الشواطئ لهواة العري الكامل، من النساء والرجال. واعتبر المقال أن قرارات حظر البوركيني في عدة مناطق فرنسية ليس له سند قانوني؛ لأنه لا يوجد في القانون الفرنسي ما يمنع "البوركيني" عكس البرقع. لذا تقول الصحيفة إن الكثير من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان قررت أن تلجأ إلى القضاء لكسر هذه القرارات. وتختم الصحيفة بالقول "مازلنا في أول الغيث، والثابت أن الأشهر المقبلة ستكون في فرنسا حبلى بالكثير من المفاجآت. السباق انطلق والمزايدات معه، ولا أحد يدري ما الذي سيأتي بعد حرب البوركيني".
وركزت العديد من المواقع والصحف الإلكترونية العربية على خبر جاء فيه أن رجل أعمال فرنسي من أصل جزائري يدعى رشيد نكاز، وعد بدفع أي غرامة تفرضها السلطات الفرنسية، وقيمتها 38 يورو على من تخالف قرارات حظر البوركيني. وسبق لنكاز أن تعهد بدفع كل غرامة مالية تفرض على أي امرأة مسلمة بسبب ارتدائها النقاب أو البرقع الممنوع في فرنسا منذ 2010.
حرب ضد البوركيني
صحيفة "الخبر" الجزائرية اعتبرت في مقال لها أن الطبقة السياسية في فرنسا دخلت في "حرب ضروس ضد البوركيني لدرجة جلبت إليها استهجان العالم". ويضيف المقال أن الكثير من الفرنسيين أنفسهم ينتقدون هذا الجدل "العقيم" معتبرين أنه من الأولى بالحكومة محاربة البطالة التي تنخر في المجتمع بدل الدخول "في صراع ضد قطعة قماش".
وتناول موقع البوابة المصري خبر حظر البوركيني في مقال حمل عنوان: "البيكيني" إرادة شعب.. مدينة ثالثة تمنع "المايوه الشرعي".
على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا حظي الموضوع بحيز مهم خاصة على تويتر حيث غرد الكثيرون ونشروا آراءهم باستخدام وسوم "البوركيني"، وتنوعت الآراء لكن معظمها صب في خانة الرفض لقرارات حظر البوركيني.
وأثارت تغريدة لروبير مينار عمدة بزييه على تويتر الكثير من الجدل إذ قال فيها "حان الوقت لنشرح لهؤلاء الأهالي أن فرنسا ليست مملكة عربية من القرن العاشر".
على فيسبوك أيضا تفاعل الكثيرون مع الجدل القائم في أوروبا حول البوركيني تحديدا، وبينما ركز بعض المعلقين على انتقاد قرار فرنسا الذي يتعارض في اعتقادهم مع مبدأ الحرية الدينية ويعطي الفرصة للمتطرفين في خلق شرخ بين الأوروبيين والمسلمين. اعتبر آخرون أن البوركيني لا يمثل أصلا اللباس الشرعي الإسلامي.
محمد مروان الخياط علق في فيسبوك يقول "البوركيني يفضح عورة فرنسا. عدوة الحريات الحقيقية أم أن الحريات لا تكون إلا بالتحرر من القيم؟".
أما مستخدمة باسم حيبة مايزة فقد علقت قائلة: "وماذا تقولون عن بلد عربي مسلم يمنع ارتداء البوركيني في المسابح؟". ودعت زينب بنور إلى الرد على قرار فرنسا بمنع السائحات أيضا من ارتداء البيكيني في شواطئ تونس "مادات الحرية تأخذ وتعطى عند أحفاد روسو"، حسب ما كتبت.