الجدل حول قانون الحجاب بإيران ـ صراع سياسي على حساب المرأة؟
١٩ ديسمبر ٢٠٢٤أقر البرلمان الإيراني مؤخرًا قانونًا جديدًا للحجاب، اعترض عليه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وطلب التدخل من مجلس الأمن القومي - وهو أعلى هيئة تتخذ القرارات في جمهورية إيران الإسلامية حول المسائل الأمنية. ويأمل مسعود بزشكيان أن يعاد النظر هناك في هذا القانون - على الأقل جزئيًا. وبحسب صحيفة "همشهري" اليومية فقد برر المستشار الرئاسي علي ربيعي هذه الخطوة بتداعيات هذا القانون وعواقبه الاجتماعية المحتملة.
وهذا القانون قدّمه إلى البرلمان متشددون إسلاميون وهو ينص على فرض عقوبات صارمة على النساء اللواتي ينتهكن الالتزام بالحجاب الإجباري. وتشمل هذه العقوبات فرض غرامات مالية عالية، والحرمان من الخدمات العامة، واتخاذ إجراءات محددة ضد الشخصيات البارزة مثل حظر العمل أو السفر خارج البلاد، وكذلك مصادرة ما يصل إلى خمسة بالمائة من الممتلكات.
وطالب خلال الأسابيع الأخيرة في عدة بيانات الكثير من الإعلاميين والمعلمين ونشطاء حقوق الأطفال بإلغاء قانون الحجاب هذا المثير للجدل. ووصفوه بأنَّه "إهانة صارخة" للشعب وحذروا من تبعاته وعواقبه الاجتماعية.
جبهات متصلبة
وفي مناقشة على منصة "آزاد ميديا"، التي أسستها جامعة شريف من أجل تعزيز التفكير النقدي - انتقد أستاذ القانون الجنائي محسن برهاني هذا القانون بشدة في الـ9 من كانون الأول/ديسمبر. وكتب أنَّ "البرلمان يزيد بمثل هذه القوانين الزائفة الانقسام في داخل المجتمع".
والأستاذ محسن برهاني اعتقل في عام 2023 وتم إيقافه عن العمل في جامعة طهران بسبب انتقاده النظام السياسي، ولكنه تمكن من العودة إلى عمله كأستاذ جامعي في عهد الرئيس مسعود بزشكيان. والآن يحذر أستاذ القانون والخبير في علم الجريمة من عواقب قانون الحجاب هذا، الذي - بحسب تعبيره - لا ينتهك الحقوق المدنية فقط، بل يقوض أيضًا الإيمان بالدين.
وكذلك يرى المراقبون في الجدال الدائر حول هذا القانون صراعًا على السلطة بين المتشددين والقوى المعتدلة. ومن جانبه كان الرئيس مسعود بزشكيان قد وعد خلال حملته الانتخابية باتباع نهج أكثر اعتدالًا.
وحول ذلك قالت الناشطة الحقوقية والصحفية السابقة فايزة عبدي بور في حوار مع DW إنَّ مسعود بزشكيان نفسه غير مستعد لفهم ما تريده النساء حقًا. والنساء في إيران ملزمات بارتداء الحجاب منذ الثورة الإسلامية عام 1979. والآن جاء هذا القانون الجديد لتشديد العقوبات أكثر.
وفايزة عبدي بور، التي اعتقلت عدة مرات بسبب التزامها بحقوق الأقليات الدينية وحقوق الإنسان، تشدد على أنَّ: "النساء في الجمهورية الإسلامية تعلَّمن الكفاح يوميًا وبثبات من أجل حريتهن وحياتهن. وهن يردن أن يقررن بأنفسهن ما يرتدينه. ولكن من المؤسف أنَّ النظام السياسي لن يخضع في هذه المسألة".
والوضع بات يتفاقم أكثر بالنسبة للنساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب، كما تقول فايزة عبدي بور: "توجد دوريات لشرطة الآداب في مترو الأنفاق وعند تقاطعات الطرق، وغرامات مالية ومخالفات لعدم ارتداء الحجاب". فقبل بضعة أشهر تمت مصادرة سيارتها بسبب "انتهاكها" الاتزام بالحجاب الإجباري. وحول ذلك تضيف أنَّ "الغرامة المالية، التي كان يجب علي أن أدفعها، كانت مرتفعة للغاية".
وتقول إنَّ " النساء اللواتي يرفعن أصواتهن بشكل علني أو كذلك ينشرن صورًا من دون حجاب في وسائل التواصل الاجتماعي، يتعرضن للضغط من أجل حذف المحتويات المنشورة، وغالبًا تحت تهديدهن بعواقب قانونية. والسجينات السابقات - مثلي - يستمر اضطهادهن من قبل السلطات الأمنية".
تحول اجتماعي عميق
والكثير من النساء في المدن الإيرانية الكبرى لم يعدن يلتزمن بقواعد اللباس الإسلامية الصارمة. لقد جاء هذا الاتجاه نتيجة الاحتجاجات الجماهيرية في خريف عام 2022، والتي حركت الرأي العام العالمي تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية".
وكذلك تم انتقاد قانون الحجاب الجديد واعتباره جوابًا غير صحيح على هذا الاتجاه حتى من قبل سياسيين من الأوساط المحافظة، مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، المقرب من المرشد الأعلى آية الله خامنئي. فقد أكد لاريجاني قائلًا: "نحن لا نحتاج إلى مثل هذا القانون، بل نحتاج على أكثر تقدير إلى محاولة إقناع ثقافي".
بيد أنَّ سياسة الإقناع الثقافي هذه بالذات قد باءت بالفشل، كما تقول الناشطة الإيرانية شوفا كيانفر، التي لجأت إلى ألمانيا بسبب تعرضها للقمع الحكومي. وهي ترى في احتجاجات عام 2022 نقطة تحول، وتقول: "حدثت في المجتمع الإيراني إعادة تفكير على أبعد تقدير منذ المظاهرات التي خرجت في جميع أنحاء إيران. والكثير من العائلات تقف اليوم إلى جانب النساء اللواتي لم يعدن يرغبن في الخضوع".
تعرضت شوفا كيانفر أثناء احتجاجات عام 2022 للاعتقال في مدينة أرومية وقضت عدة أشهر في سجن أرومية ذي السمعة السيئة. وحول ذلك تقول متذكرة: "رفضنا حتى هناك في السجن ارتداء الحجاب أمام المحققين".
وقد دفعت هي وعائلتها ثمنًا باهظًا نتيجة مقاومتهم، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بكفالة وظلوا بعد ذلك أيضًا يتعرضون لضغوطات. وبالنسبة لشوفا كيانفر فإنَّ مقاومة النساء المستمرة هي تعبير عن تحول اجتماعي عميق - وهو بحسب رأيها تحول لم يعد من الممكن إيقافه.
أعده للعربية: رائد الباش