الجولة الأولي من الانتخابات المصرية بين غياب الرؤية وخروقات المرشحين
٢٩ نوفمبر ٢٠١١في ختام المرحلة الأولى للانتخابات المصرية، قل الإقبال على التصويت على عكس اليوم الأول، وبدت اللجان شبه خاوية، كما استمرت خروقات الدعاية ومحاولة التأثير علي الناخبين حتى باب اللجان، بينما انقسم الجمهور بين من لا يعرف من ينتخب، أو يعرف عنه معلومات قليلة، أو ينتخب وفقا لقاعدة: "من أعرفه خير ممن لا أعرفه"، دويتشه فيله جالت بين دائرتين كبيرتين بالقاهرة واستطلعت أراء الناخبين.
"إفساد الصوت خير من المقاطعة"
على عكس شكاوى الناخبين من الازدحام بالأمس، أدلت مها موسى (مديرة بمشروعات المجتمع المدني) بصوتها في لجنة شبه خالية صباح اليوم بدائرة مصر الجديدة. وعلى الرغم من كونها المرة الأولى التي تنتخب فيها إلا أنها أبطلت صوتها، وقالت تفسيراً لذلك في مقابلة مع دويتشه فيله إنها لا تعرف برامج الأحزاب ولا المرشحين، لذلك فقد رفضت التصويت كما رفضت نصائح أهلها ومعارفها بالتصويت لأحزاب بعينها مشيرة إلى أن "هناك أحزاب تغير برامجها الانتخابية على الهواء، وتذكر أشياء عبر شاشات التلفزيون لا تتوافق مع برامجها المعلنة".
مها موسى اختارت إبطال صوتها لأنه في رأيها أسلوب أكثر إيجابية، حيث تقول: "أنا ليبرالية ووجدت أن موقف المقاطعة لن يكون إيجابيا، الإيجابي أكثر هو إفساد صوتي، علي الأقل كي أوجه رسالة لمن تعجلوا الانتخابات من كل الأطراف. وأبطلت صوتي كي أضمن أيضا عدم تلاعب أحد به، فلا ضمانة لدي أن تخرج الانتخابات بنتائج معبرة عن الناس بعد كل هذا التعجل والارتباك". تنفي موسى أن يكون لموقفها علاقة بأحداث ميدان التحرير أو بتوقعها فوز الإسلاميين قائلة: "مثلما أرفض ممارساتهم (الإسلاميين)، أعيب على القوى المدنية والديمقراطية قبول اللعبة بهذه الشروط التي لا تحترم ناخبيهم".
"نعرف جيدا ما لا نريده والإخوان يخالفون القانون"
وعلى العكس من مها، صوت عمرو حبيشي (محاسب وتاجر) في اليوم الأول بعد انتظار 9 ساعات في نفس دائرة (مصر الجديدة)، رغم كل الصعوبات التي واجهت الناخبين، مثل قلة عدد العاملين باللجان وعدم معرفتهم بمهامهم على وجه التحديد، ما جعل البعض يسأم الانتظار وينصرف، ويردف قائلا:"أضف إلى ذلك أن 90 بالمائة من الناخبين خرجوا لا يعرفون من سينتخبون، بل يعرفون جيدا من لن ينتخبوهم، بمعني أنني مثلا أعرف أني لن أصوت للإسلاميين، لكني لا أعرف البديل، وقضينا الساعات في الطوابير لاستطلاع مؤشرات من بعضنا البعض عن من نعرفهم ومن لا نعرفهم". رغم كل هذه المشاكل يرى حبيشي أن تصويته مهم "لأننا في سنة أولى ديمقراطية".
وفي حين أثنت موسي علي الإجراءات وعدم وجود مخالفات من الأحزاب أو المرشحين، اشتكي حبيشي من مخالفات ظاهرة للعيان من قبل الإخوان والسلفيين قائلا:" كانوا يوزعون كراسي وطعام علي الناخبين أمام اللجان، بل إنهم سحبوا كرسيا من رجل عجوز ينتخب قال لهم إنه لن يرشحهم، حاولنا إثناءهم بعد أن رفضنا صباحا قيام أحد المرشحين المستقلين بتنظيم الطابور، بالإضافة لقيامهم بالتصويت الجماعي عبر إحضار الناس بعربات جماعية، ورغم ذلك لا أتوقع أن يحصلوا على أصوات كثيرة في لجنتي".
البحث عن الاستقرار
في دائرة الأزبكية بوسط البلد، وأمام مقر لجنة جمعية الطلبة الوافدين بشارع عماد الدين، لاحظ مراسل دويتشه فيله خلو اللجان من الناخبين، فمندوبو المرشحين يتجمهرون أمام اللجنة بحثا عن ناخب شحيح يأتي كل ربع ساعة، وبحضور الشرطة والجيش ترتكب مخالفات الدعاية من ملصقات وتأثير علي الناخبين أمام اللجنة بالحديث ومحاولة الإقناع، من الناخبين النادرين التقينا علي السيد(نجار)، الذي قال بعد أن نفض من حوله المندوبين:"جئت للانتخاب كي ينصلح حال البلد وتتحقق العدالة الاجتماعية، لست من أنصار التحرير ولا العباسية، أعمل نجارا وأحوالنا سيئة، ووجود برلمان سيضمن أن تتحرك العجلة ولو قليلا، انتخبت حزب "العدالة والحرية" لأنه يحقق العدالة الاجتماعية، لم أقرأ برنامجه أو أي برنامج للأحزاب لكني أسمع عنه كلاما جيدا، لم أسمع لأحد عند دخولي اللجنة، وعائلتي بالكامل نزلت أمس لكنها عادت بعد أن قضينا ساعات في الطوابير".
"من نعرفه خير ممن لا نعرفه"
عند هذا الحد تقاطعه إيمان فؤاد ربة منزل تعمل في الدعاية الانتخابية لأحد المرشحين، ورغم ذلك لم تصوت أصلا، بل نزلت للعمل مقابل أجر، وتشرح موقفها قائلة إنه:"كان مرشحا للحزب الحاكم ونائبا للدائرة، لم يخدم أحدا لكننا ندعو له لأن من نعرفه خير ممن لا نعرفه". تعتقد إيمان فؤاد أن الناخبين نزلوا وازدحموا بالأمس خوفا ًمن غرامة الخمسمائة جنيه المقررة على من يتخلف عن الإدلاء بصوته.
ولذلك فهي ترى أن الناس تراجعوا اليوم عن التصويت بعد أن عرفوا بالأمس من القنوات التلفزيونية أن الغرامة لن تطبق، وتضيف: "بصراحة نحن تائهون ولا نعرف من المرشحين أحد، ففي الأزبكية مثلا ينزل المرشحون ليسلموا علي أصحاب المحلات بينما لا تخطوا أقدامهم الحارات الفقيرة لبحث هموم الناس، نحن بلا وحدات صحية ولا مدارس، وعندما وجدت الشرطة أولادي يلعبون في حديقة ميدان رمسيس قبضوا عليهم كأحداث، الفقراء لا ظهر لهم في البلد، قالوا الثورة ستغير الأوضاع وبقت أوضاعنا كما هي، لعل الحاج لو نجح يحل أزمة بيوتنا المهددة بالإزالة، لعل وعسى".
هاني درويش
مراجعة: سمر كرم