الحرب التي غيرت وجه الشرق الأوسط في ستة أيام
٥ يونيو ٢٠١٧نشبت حرب حزيران / يونيو سنة1967 بين إسرائيل من جهة ومصر والأردن وسوريا من جهة ثانية. وشكلت تلك الحرب انتكاسة تاريخية للعرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، إذ احتلت إسرائيل على إثرها سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان. ميدانيا تمكن الجيش الإسرائيلي من تدمير 80% من العتاد العسكري العربي وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية وإطلاق العنان للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
تداعيات هذه الحرب لا تزال قائمة إلى هذا اليوم، ومع أن الدولة العبرية أعادت صحراء سيناء لمصر، إلا أنها ضمت القدس الشرقية وهضبة الجولان في خطوة لم يعترف بها المجتمع لدولي. كما لا تزال إسرائيل تحتل الضفة الغربية وتوسع الاستيطان فيها، في حين انسحبت بشكل أحادي الجانب من قطاع غزة الذي تفرض عليه حصارا مطلقا منذ عام 2006. ومن وجهة نظر إسرائيلية كانت حرب يونيو/ حزيران أول محاولة عربية كبيرة للقضاء نهائيا على الدولة العبرية الفتية.
وقائع حرب غير عادية
جاء اندلاع الحرب كأوج لتوتر دام أسابيع. فقد طالبت مصر بقيادة جمال عبد الناصر حينها قوات حفظ السلام المرابطة في صحراء سيناء بمغادرة، كما تم إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية، ما تسبب بحصار خليج العقبة. وفي إجراء استباقي قصفت طائرة إسرائيلية في فجر الاثنين الخامس من حزيران/ يونيو، قواعد جوية مصرية. ثم بدأت الدبابات الإسرائيلية بالتحرك باتجاه الحدود المصرية. بعدها أعلنت الدول العربية الحرب ضد إسرائيل.وفي منتصف الليل من اليوم نفسه أعلنت تل ابيب في أنها دمرت سلاح الجو المصري بالكامل بتعطيل ما لا يقل عن 400 طائرة بينها 300 مصرية و50 سورية. وكان هذا التفوق الجوي الإسرائيلي حاسما في حسم المعركة منذ اليوم الأول من الحرب.
وفي اليوم الثاني من الحرب سيطر الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة الذي كان آنذاك خاضعا للإدارة المصرية. بعدها بسطت إسرائيل سيطرتها على القدس الشرقية. وفي السابع من حزيران / يونيو، اندلعت معركة مثيرة بالدبابات في سيناء، سيطر على إثرها الجيش الإسرائيلي على الضفة الشرقية لقناة السويس، كما اكتسحت البحرية الإسرائيلية شرم الشيخ وفتحت الطريق باتجاه خليج العقبة الأردني. وتمكن الجيش الإسرائيلي في ظرف قياسي من بسط قبضته على أراضي الضفة الغربية لنهر الأردن، ما دفع المملكة الأردنية إلى القبول بوقف إطلاق النار.
وفي اليوم الرابع من الحرب تقدم الإسرائيليون إلى قناة السويس وانتهت معركة سيناء. وبعدها أعلنت مصر عن موافقتها على وقف إطلاق النار الذي دعا إليه مجلس الأمن. وفي التاسع من حزيران/ يونيو، فاجأ الرئيس جمال عبد الناصر المصريين والعالم بتقديم استقالته في لحظة دقيقة شعر فيها العالم العربي بالهلع. وخرج الناس في شوارع القاهرة في حشود مطالبينه بالبقاء في السلطة، فتراجع عن قراره. في ذلك الحين اشتدت المعارك على الجبهة الإسرائيلية- السورية. وبعد سقوط القنيطرة، أوقفت سوريا القتال. وتمكنت إسرائيل في ستة أيام من وضع حدود جديدة لها في قناة السويس والأردن والجولان، وتركت العالم العربي في حالة صدمة.
نزوح مئات الآلاف من العرب واليهود
شملت الخسائر البشرية للحرب نزوح حوالي أربعمائة ألف عربي من المدن الواقعة على طول قناة السويس إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أجبرتهم الحرب إلى مغادرة أراضيهم، ما فاقم معضلة اللاجئين الفلسطينيين التي أضيفت إلى اللاجئين الذين أجبروا على النزوح عام 1948 بعد تأسيس الدولة العبرية. الحرب أجبرت أيضا ما لا يقل عن مائة ألف سوري على النزوح من الجولان إلى داخل سوريا.
إنشاء الدولة العبرية ومختلف الحروب العربية الإسرائيلية أدت أيضا إلى مغادرة اليهود الدول العربية والإسلامية في موجات هجرة مختلفة قدر عددهم بحوالي ثمانمائة ألف شخص خلال القرن العشرين خصوصا بعد نشأة إسرائيل عام 1948 وبعدها حرب 1967. بعض اليهود استقر في إسرائيل والبعض الآخر فضل بلدان أخرى كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. حرب الأيام الستة كانت حاسمة إذ أدت إلى تضاؤل بشكل شبه كامل للجاليات اليهودية في العالمين العربي والإسلامي. وهذا يعني عمليا وضع حد لوجود يهودي دام آلاف السنين في بلدان كالعراق ومصر وبلدان شمال إفريقيا. فحركات التحرر من الاستعمار وانتشار القومية العربية أدى إلى تهميش الأقليات. كما أن انتشار الصهيونية دفع بالكثير من اليهود إلى الاستقرار في إسرائيل سواء لدوافع دينية أو سياسية أو اقتصادية. ويستعمل تعبير "اللاجئين اليهود من الدول العربية والإسلامية" كموازاة مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تعترف الأمم المتحدة بوضعيتهم كلاجئين عكس الساكنة اليهودية التي نزحت بسبب نفس النزاع.
ويقدر مجموع الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية والمهجر بحوالي 11 مليون نسمة، يعيش 48% في الداخل، بينما يتوزع 39% منهم في دول الجوار، فيما ينتشر الباقون في مختلف دول العالم. ويعيش معظم اللاجئين الفلسطينيين في أوضاع صعبة وإن بدرجات متفاوتة. فاللاجئون الفلسطينيون في الأردن والذي يقدر عددهم بحوالي مليون نسمة يتمتعون بحقوق مواطنة أفضل وبقدر عالٍ من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي. ونفس الأمر كذلك في سوريا، ولكن دون التمتع بنفس الحقوق السياسية كما هو الحال عليه في الأردن. فيما توصف أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالأسوأ على الإطلاق حيث يقدر عددهم بـ 430 ألف شخص، لكنهم ممنوعون من مزاولة العديد من المهن كما أنّ المخيمات التي يعيشون فيها تفتقر لمواصفات العيش الكريم، إضافة إلى ضيق مجالات الحقوق السياسية والقانونية التي يتمتعون بها. ويتمسك الفلسطينيون بالقرار 194 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يضمن لهم حق العودة إلى أراضيهم ووجوب دفع تعويضات للضرر الذي لحق بهم ويعتبرون ذلك عنصرا أساسيا في أي اتفاق سلام مستقبلي مع إسرائيل.
ح.ز/ م.م (أ.ف.ب / د.ب.أ / رويترز)