1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"الحرب السادسة" و"الصيف الساخن" اختبار لمهنية وحيادية الفضائيات العربية

لؤي المدهون ١٥ أغسطس ٢٠٠٦

تشكل الحرب في لبنان اختباراً حقيقاً لدرجة المهنية والحيادية التي تتمتع بها القنوات الفضائية العربية، فبينما تركز "الجزيرة"على نقل نبض الشارع العربي، تتبنى "العربية" نهجا معتدلا وحيادية نسبية في تغطيتها للحرب.

حرب الصور تعبير عن تباين الرؤية الصحافيةصورة من: AP/DW

لم تتوقع المحطات الإخبارية العربية الفضائية الرئيسية، التي سارعت إلى تغطية الحرب المفتوحة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، اثر قيام حزب الله بخطف اثنين من جنوده في 12 تموز/ يوليو الماضي، لم تتوقع هذه المحطات أن تكون هذه الحرب الشرق أوسطية الجديدة على هذا القدر من الضراوة وأنها ستدوم أكثر من شهر كامل. وسرعان ما اتخذت قناة "الجزيرة" القطرية شعار "لبنان تحت الحصار" لتغطيتها بعد أن شلت الغارات الإسرائيلية مطار لبنان الوحيد وأغلقت مرافئه. غير أنها أبدلته بشعار أكثر دلالة على حجم المواجهات هو "الحرب السادسة". أما قناة "العربية" ومقرها دبي، فقد اختارت "الصيف الساخن" شعارا للمواجهات الدائرة، كما عمدت بسرعة إلى تغطية الأحداث الميدانية على مدار الساعة تتضمن برامج بث مباشر مثل "لبنان تحت النار" و"يوميات الحرب".

"الجزيرة" و"العربية" وجها لوجه

الجزيرة: الراي والرأي الآخر والكلمة الاخيرة للشارع العربي!!

وفي معرض تعليقه على تعاطي الإعلام الفضائي العربي مع رحى الحرب في لبنان الجريح لفت جهاد بلوط، المتحدث باسم "العربية" التي تمثل مع "الجزيرة" أهم محطتين إخباريتين في العالم العربي، إلى أن "كافة وسائل الأعلام أخذت على حين غرة". وبالإضافة إلى هاتين المحطتين الرئيستين، تشارك محطات عربية أخرى، فضلا عن المحطات اللبنانية الخاصة في تغطية الحرب. وقد رفدت المحطات اللبنانية نظيراتها العالمية بالكثير من التغطية المصورة من خلال مصوريها المنتشرين في معظم المناطق اللبنانية الساخنة.

ونظرا لنسبة المشاهدة المرتفعة للمحطات الفضائية في العالم العربي، فقد نجحت محطتا الأخبار الرئيسيتان في نقل رحى الحرب إلى المنازل من خلال الشاشة الصغيرة. وأضاف بلوط أن عامل المفاجأة "يسري على كافة الوسائل الإعلامية العربية والعالمية. لقد استدركنا الموضوع بسرعة قصوى .(..) لدينا تواجد في بيروت تمكنا من استغلاله حتى تم تعزيزه مع الوقت بشريا وتقنيا". وينبغي في هذا السياق الإشارة إلى أن تاريخ لبنان حافل بالصراعات، بما فيها الحرب الأهلية بين 1975-1990 واجتياحان إسرائيليان في 1978 و1982. لكن المواجهات الحالية هي أول حرب لبنانية تغطيها هاتان المحطتان. فقد بدأت "الجزيرة" عملها عام 1996 بينما تأسست "العربية" عام 2003، أي بعد أن انتهت حروب لبنان. وقد خبرت الاثنتان التغطية الحربية في العراق خلال وبعد احتلاله من قبل قوات التحالف عام 2003، فيما كانت "الجزيرة" الوحيدة المتواجدة في كابول إبان الحرب في أفغانستان ضد حركة طالبان في 2001.

تعبئة الكادر الصحفي

العربية: ميل إلى الإعتدال وتبني المفردات الرسمية

وتلبية لمتطلبات الحرب أرسلت قناة "العربية" عددا من مراسليها المخضرمين في حرب العراق لدعم فريق مكتبها في بيروت، أما "الجزيرة" فذهبت إلى ابعد من ذلك، ناقلة بعضا من مقدمي الأخبار من استوديوهاتها الرئيسية في الدوحة إلى بيروت. ومن على سطح احد أبنية وسط بيروت التجاري، يدير مقدمو الأخبار نشرات قناة "الجزيرة" الرئيسية بتقارير متواصلة عن الوضع الميداني من اشتباكات وغارات. وتظهر "العربية" و"الجزيرة" بشكل واضح اهتماما بالصراع الدائر اكبر من اهتمام محطات التلفزة العالمية، وذلك يعود بالطبع لكونهما محطتين اقليميتين ناطقتين بلغة المنطقة.

أما بالنسبة لتغطية الصراع من جانبيه -أي الجبهة اللبنانية والإسرائيلية - فقد عبأت المحطتان فريقهما في إسرائيل والأراضي الفلسطينية لنقل أخبار سقوط صواريخ حزب الله على مناطق مختلفة في شمال إسرائيل. وأثناء هذه التغطية الإعلامية المكثفة، بدا مراسلو القناتين أكثر من مرة يخلون مراكز اتخذوها قرب الحدود إما بأمر من القوات الإسرائيلية أو لتجنب الخطر. وبعد أن كانت "الجزيرة" أول من نقل خبر تعرض مدينة حيفا في شمال إسرائيل للقصف للمرة الأولى، أوقفت السلطات الإسرائيلية اثنين من مراسليها لفترة وجيزة. وعمدت "العربية" و"الجزيرة" أيضا إلى فتح المجال أمام متحدثين إسرائيليين لتقديم وجهة نظر دولتهم للمشاهدين العرب.

اختبار واقعي للمهنية الصحافية

العاطفية يمكن أن تشكل عائقاً امام الموضوعية والحيادية في تغطية الحدثصورة من: Presse

لكن على الجانب اللبناني، حيث المراسلون من السكان الذين يرون قراهم وبلداتهم تدمر وتسوى بالأرض، بينما يسقط مواطنوهم بالمئات ضحية للقصف الإسرائيلي، تشكل أخلاقيات العمل الصحافي المتمثلة بالموضوعية والمهنية اختبارا للكادر الصحافي للقناتين على أرض الواقع. وفي معرض تعليقه على هذا التحدي قال بلوط: "الصحافي لا يمكن عزله عن جذوره ومشاعره ولا أتصور أن تكون المشاعر محايدة .(..). خصوصا في هذا الوضع حيث أن الضحايا من الأبرياء". لكنه لفت الانتباه في الوقت نفسه إلى "إجراءات عملية لحفظ الموضوعية كتأمين المصادر أو الشهود." وتلعب القنوات الفضائية دورا لافتا مباشرا كان أم غير مباشر في تجييش المشاهدين العرب الغاضبين من خلال العرض المباشر وشبه المتواصل لصور القتلى من أطفال ونساء تنتشل جثثهم من تحت الركام.

تجييش عواطف الشارع العربي

وفي خضم تحليل تعاطي الإعلام الفضائي مع الحرب في لبنان يلاحظ المرء التهميش الذاتي لقناة "الحرة" الفضائية الممولة أمريكيا، وهو ما يعود إلى عدم تمتعها بالمشروعية والمصداقية، التي تعتبر العمود الفقري لنجاح كل مؤسسة إعلامية. أما التعبير الأكثر وضوحا لأسلوب تغطية قناة "الجزيرة"، فقدمه لنا تعليق مذيع أخبار "الجزيرة" جمال ريان، حين علق على المناظر المرعبة لضحايا حمام الدماء الثاني في بلدة قانا قائلا: "ما نعرضه الآن هو جزء يسير من المشاهد الفظيعة التي قررنا أن نحجبها عن مشاهدينا"، بينما كانت القناة تعرض صورا استلمتها للتو من موقع غارة إسرائيلية قرب قرية القاع البقاعية أودت بحياة 28 مزارعا لبنانيا، من أكثر المواقف الصعبة، التي تدل على صعوبة الموافقة بين أهوال ما يعايشه الصحفي وبين ضرورة السيطرة على عواطفه والحفاظ على مهنيته في نقل الوقائع الميدانية. ونفث الإعلامي المخضرم ريان غضبه الواضح من جراء المناظر الرهيبة مسددا أسئلته بلهجة حادة إلى معلق إسرائيلي حاول تبرير الهجوم بالقول انه استهدف شاحنة يشتبه بنقلها صواريخ لحزب الله، بينما ظهرت أشلاء القتلى على الشاشة. وقاطع ريان ضيفه عبر الهاتف صارخا في وجهه: "لا ادري إن كان احد سيصدق كلامك، لكن شكرا لك."

.... مقابل الحيادية الصحافية و"الاعتدال النسبي"

الخبير الألماني كاي حافظ، باحث في الإعلام المقارن في جامعة إيرفورتصورة من: universität erfurt

وعلى النقيض من التوجه الإعلامي الواضح لقناة الجزيرة القطرية، التي يعتبرها المحلل الإعلامي الألماني البروفيسور كاي حافظ "أكبر حزب سياسي فاعل في الخارطة السياسية العربية"، بدت قناة "العربية" أكثر تحفظا في اختيار المشاهد الدامية التي تعرضها وان كان كثير مما تعرضه لا يجد طريقه إلى شاشات التلفزة العالمية.

أما بالنسبة لتسجيل نبض الشارع العربي الغاضب، فقد عمدت "الجزيرة" إلى تخصيص برامج على الهواء مباشرة عبر الهاتف لتوجيه انتقادات للقادة العرب، وهو أمر لم تفعله "العربية"، التي اتسم نهجها الصحفي بالميل إلى الاعتدال السياسي والتبني النسبي لمواقف الدول العربية الرسمية المهيمنة على مصادر تمويل الإعلام العربي المتلفز. وفي معرض تحليله للتغيير في توجهات قناة "الجزيرة" في السنوات الاخيرة أشار الباحث الألماني إلى "تغيير نوعي من توجه نقدي يحترم أصول الحيادية والمهنية الصحافية التلفزيونية لدى صناع القرار في هذه المؤسسة الرائدة إلى توجه تعبوي يميل إلى تبني عقلية وثنائية العدو والصديق من أجل كسب تأييد الشارع العربي المغيب سياسيا".

ورغم الفروقات الواضحة بين عمل القناتين العربيتين المهيمنتين على سوق القنوات الفضائية، إلا أنه يمكن القول عموما أن المحطتين نجحتا في المقام الأول في نقل الحدث الميداني وجملة خلفياته وتداعياته السياسية إلى المشاهد، المحلي وغير المحلي على حد سواء، في قالب يسهل عليه هضمه دون الغرق في تفاصيل محلية تحول دون فهم خلفيات وتداعيات المواجهة الإسرائيلية ـ اللبنانية.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW