هل تتحول "الحرب الكلامية" بين إسرائيل وتركيا إلى حرب حقيقية؟
١٠ أبريل ٢٠٢٥
منذ أيام، تتبادل إسرائيل وتركيا علنًا التهديدات والإهانات فيما بينهما. وجاءت أحدث التعليقات أواخر الأسبوع الماضي عقب القصف الإسرائيلي في سوريا للمرة الثانية.
ويحذر مسؤولون إسرائيليون من أن تركيا تحاول إقامة "دولة عثمانية جديدة في سوريا"، مؤكدين على أن إسرائيل ستتحرك إذا تجاوزت تركيا "الخطوط الحمراء".
ومع استمرار هجماتها الجوية في غزة ولبنان وسوريا، وصف المسؤولون الأتراك حكومة إسرائيل بأنها "أصولية وعنصرية" تمثل "أكبر تهديد لأمن منطقتنا" بـ"سياساتها العدوانية والتوسعية".
ومنذ الإطاحة بالنظام السوري الاستبدادي السابق بقيادة الديكتاتور بشار الأسد في ديسمبر 2024، ضربت إسرائيل أهدافًا متعددة في سوريا. وتقول السلطات السورية الجديدة، المنشغلة بمحاولة لمّ شمل البلاد بعد 14 عامًا من الحرب الأهلية المثيرة للانقسام، إنها لا تريد أي صراع مع إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، تقول إسرائيل إنها اضطرت للقصف في سوريا لضمان عدم استخدام الحكومة الجديدة لأسلحة النظام القديم ضدها.
إلا أن الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل الأسبوع الماضي كانت مختلفة حيث صرَّح مسؤول إسرائيلي لوسائل إعلام محلية بأنها كانت بمثابة رسالة لتركيا. وضربت طائرات مقاتلة إسرائيلية مطارًا عسكريًا في حماة، بالإضافة إلى ضرب قاعدة التياس الجوية (T4) في حمص وفرعًا لمركز الدراسات والبحوث العلمية في دمشق.
وتتفاوض تركيا منذ عدة أشهر على اتفاقية دفاع مشترك مع الحكومة السورية الجديدة، ويشمل ذلك تدريب القوات السورية واستخدام القواعد الجوية السورية، كتلك التي ضربتها إسرائيل.
وترى تركيا أن هذا الاتفاق سيسمح بملء الفراغ الذي تركته إيران وروسيا، الداعمان السابقان لنظام الأسد المخلوع، للمساعدة في استقرار سوريا ومواصلة العمليات ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" المتطرف.
إسرائيل ترى الأمر بشكل مختلف!
في مقال رأي لصحيفة يديعوت أحرونوت المحلية، كتب مراسل الشؤون الدفاعية الإسرائيلي رون بن يشاي: ”تشكل نية تركيا إدخال أنظمة دفاع جوي ورادار إلى المطارات المركزية السورية تهديدًا مباشرًا لحرية إسرائيل في العمل في سوريا".
ويرى بن يشاي أن وجود تركيا في سوريا لن يُمكن إسرائيل من استخدام المجال الجوي السوري بحرية للتحرك نحو إيران، على سبيل المثال. وكان استخدام المجال الجوي السوري أكثر تقييدًا، في ظل نظام الأسد.
كما استغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقريرًا صادرًا عن "لجنة ناجل" لتقييم ميزانية الأمن وبناء القوات، والتي تأسست في أغسطس 2024 برئاسة مستشار الأمن الإسرائيلي بالإنابة جاكوب ناجل لتقديم توصيات حول ميزانية الدفاع الإسرائيلية المستقبلية. وعندما صدر تقرير اللجنة في يناير، قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إنه حذر مما وصفه بـ"حرب قادمة مع تركيا".
وفي مقابلة أجريت معه مؤخرًا، قال ناجل نفسه أن التقارير الإخبارية "بالغت في الأمر". وأشار ناجل إلى أن الوجود المتزايد لتركيا في سوريا يعتبر "أمرا يجب الانتباه إليه"، ولكن "لم نوصي أبدًا ببدء صراع مع تركيا"، على حد قوله.
وظهرت في إسرائيل أيضًا مخاوف من ظهور "هلال سني" يجمع تركيا وسوريا ومصر في تحالف ضد إسرائيل، ليحل محل "الهلال الشيعي" الذي كان يُخشى منه سابقًا بقيادة إيران. لكن خبراء يقولون أن فكرة "الهلال السني" غير مرجحة بسبب "عدم رغبة أي من هذه الدول في الواقع محاربة إسرائيل".
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد صرح لوكالة رويترز للأنباء، بعد يومين من الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، بأن تركيا "لا تريد مواجهة مع إسرائيل". وقال فيدان أثناء وجوده في بروكسل لحضور اجتماع لحلف شمال الأطلسي: "سوريا لا تنتمي إلى تركيا؛ سوريا لا تنتمي إلى إسرائيل. الأمن السوري يجب أن يقرره السوريون. إذا أرادوا الشراكة مع دول ومجتمعات دولية معينة، فهم مرحب بهم".
أعمق صدع منذ سنوات بين إسرائيل وتركيا
نتيجة للحرب الكلامية الأخيرة، يرى مراقبون أن العلاقات التركية الإسرائيلية وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.
واتفق الخبير في الشؤون التركية والمحلل السابق في مركز ويلسون للأبحاث (أغلقته إدارة ترامب أواخر الأسبوع الماضي)، يوسف جان، بالنظر إلى الخلاف الحال باعتباره أعمق صدع منذ سنوات. ويقول جان: "لفترة طويلة، كان لدى تركيا وإسرائيل هذا الترتيب الغريب. حتى عندما كانا على خلاف سياسي، استمر تدفق التجارة. لكن هذا الحاجز يتآكل الآن... أصبحت الحرب بالوكالة الآن تهديدًا حقيقيًا للغاية، وهو ما لم يكن موجودا من قبل".
وتعتبر تركيا واحدة من أوائل الدول ذات الأغلبية المسلمة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 1949. وعلى الرغم من الخطاب التحريضي من كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حافظت الدولتان على العلاقات الاستخباراتية والتجارية والعسكرية بينهما حتى العام الماضي. وهكذا تثور علامات الاستفهام حول حقيقة ما يحدث الآن.
ويشير تعليق صادر عن مجموعة الأزمات الدولية في منتصف مارس/آذار إلى أن "استمرار العدوان الإسرائيلي ومحاولات نزع السلاح من جنوب سوريا والتدخل في السياسة السورية قد يزيد من احتمالية قيام (الحكومة السورية الجديدة) بتعميق التعاون الدفاعي مع تركيا، لردع المزيد من التوسع الإسرائيلي".
"أفعال كل جانب تبرر مخاوف الآخر"
وقال جان لـ DW: "يرى كلا الجانبين أن الآخر هو أصل المشكلة. لكن في الواقع يعتمد الأمر على من يُوجَه له السؤال. كلاهما على حق. لا شك أن الغارات الجوية الإسرائيلية وسياستها تجاه غزة تغذي الغضب وعدم الاستقرار. لكن تدخلات تركيا الإقليمية ودعمها للفصائل الإسلامية ساهمت أيضًا في الفوضى، وخاصة في سوريا. إنها منافسة ذاتية التعزيز حيث تبرر أفعال كل جانب مخاوف الآخر".
ومع ذلك، من غير المرجح أن تدخل إسرائيل وتركيا في مواجهة مباشرة. ويبدو أن محادثات لتهدئة التوترات جارية هذا الأسبوع، لأنه حتى لو أصابت إسرائيل الجيش التركي عن طريق الخطأ، فقد يُنذر ذلك بصراع خطير.
وخلف الكواليس، يبدو أن كلا الجانبين يدركان أن الصدام العسكري المباشر سيكون كارثيًا، خاصة وأن تركيا عضو في حلف الناتو وإسرائيل حليف رئيسي للولايات المتحدة. ويقول جان: "هناك حديث عن وساطة أمريكية أو روسية محتملة لتجنب دوامة كاملة. لذا، على الرغم من أن خطر التصعيد حقيقي، فمن الواضح أن كلا الجانبين يحاولان السير على خيط رفيع".
ويضيف جان أنه من غير المرجح أن توافق الولايات المتحدة، الحليف الأقوى لإسرائيل، على التصعيد حيث يلعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دورًا رئيسيًا في المحادثات بين الطرفين نظرًا لعلاقته بزعيمي البلدين.
وخلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن هذا الأسبوع، صرح ترامب بأنه يتمتع "بعلاقة جيدة جدًا" مع تركيا ومع زعيمها، كما دعا نتنياهو إلى "التحلي بالعقلانية وحل أي مشاكل" لديه مع تركيا.
ويخشى مراقبون من أن يتفاقم التنافس بين الدولتين داخل سوريا حيث أن أهدافهما متعارضة، بحسب الباحثة الزائرة بكلية لندن للاقتصاد، سيلين ناسي، لإذاعة فرنسا الدولية. وتقول ناسي: "تركيا تريد رؤية سوريا دولة موحدة آمنة ومستقرة. أما إسرائيل، فتريد رؤية سوريا ضعيفة ومجزأة. لطالما كان همها (إسرائيل) الرئيسي تأمين حدودها الشمالية".
أعدته للعربية: دينا البسنلي