الحرب في السودان ـ لماذا لا يتم اللجوء للمكون الصوفي؟
صلاح شرارة
٢ ديسمبر ٢٠٢٣
للمكون الصوفي في السودان تواجد متجذر في المجتمع منذ مئات السنين وله تأثير على ملايين الناس هناك. فما موقف الطرق الصوفية من الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من سبعة شهور؟ وهل يمكن التعويل عليها لإيقاف القتال؟
إعلان
"هذه الحرب الدائرة في السودان، إنما هي دماؤنا تسيل على الأرض، إنها حرب فرضت علينا بجهلنا"، يقول الداعية والحقوقي السوداني هاشم السنهوري لبرنامج "السودان الآن".
ويتساءل السنهوري خلال حديثه للبرنامج الإذاعي الذي تبثه DW كل أربعاء: "من أوصلنا إلى هذه المرحلة؟ نحن نستعجب من هذه الحرب الدائرة بين أبناء الوطن الواحد بهذه الشراسة".
"حرب عبثية"
وتدور في السودان منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، رحى الحرب، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان من جهة، وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) من جهة أخرى. وتسبب النزاع حتى الآن في مقتل أكثر من 10400 شخص، وفق تقديرات متحفظة لمنظمة "أكليد"، كما أدى إلى نزوح أكثر من 4,8 ملايين شخص داخل السودان و1,2 مليون إلى دول الجوار، وفق الأمم المتحدة.
"هذه الحرب ليست على حق .. لأن الكل يحارب من أجل الحكم أو السلطة ولذلك فهي حرب عبثية كما أسمتها الأطراف المتحاربة نفسها"، حسبما يقول الشيخ يوسف عز الدين البشير، أحد أبناء الطريقة القادرية.
أما الطريقة التيجانية فترى على لسان أحد أبنائها، الشيخ على عبد المكرم، أن "ما حدث ليس من صالح الأمة السودانية، فهي حرب بين جيش الوطن والدعم السريع، الذي هو ابن من أبناء القوات المسلحة تمرد عليه ولهذا فكأن الابن رفع العصا على والده.. ولابد من الإصلاح بينهما وإيقاف إراقة الدماء"، بحسب تعبير الشيخ عبدالمكرم.
"طرف ثالث سبب اندلاع الحرب"
بينما يرجع الشيخ عادل حامد يونس، وهو إمام جمعة بأحد مساجد السودان ومعلم مدرسي، بذاكرته إلى أصل نشوب الحرب الحالية ويقول لـ DW إنه عندما طرحت القوى المدنية ما يعرف بـ"الاتفاق الإطاري"، والذي شهد نقاشات بين الجانب المدني والجانب العسكري ووقع عليه المكون العسكري بشقيه، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع "ظهر بقوة طرف ثالث يناهض هذا الاتفاق وهم الإخوة في حزب المؤتمر الوطني المخلوع، الذي كان يحكم السودان في فترة الإنقاذ، وهذا هو أهم أسباب اندلاع الحرب".
ويقول الصحفي السوداني المقيم في باريس محمد الأسباط، رئيس تحرير موقع مشاوير، إن هناك شبه إجماع بين هؤلاء، من مشايخ ومريدي الطرق الصوفية، بأنه "لا سبيل إلا بإيقاف هذه الحرب".
نجاح جزئي في وقف القتال
ويضيف الأسباط في حواره مع DW إن الطرق الصوفية كان لها دور في إيقاف الحرب في مناطق عديدة في السودان على سبيل المثال في الفاشر. وبجهد مشترك مع الإدارة الأهلية وهي أيضا قوة مؤثرة على الأرض، "استطاعوا أيضا أن يوقفوا القتال في مناطق مدنية سواء كان ذلك في الضعين بشرق دارفورأو الفولة بغرب كردفان أو الدبيبات بجنوب كردفان ولحد كبير في الأبيض بشمال كردفان".
وبالتالي هذا يؤكد أن للطرق الصوفية دورا أساسيا وفاعلا بسبب وجود أتباعها اليومي وسط الناس وتواصلهم معهم، في المساجد ودور الطرق الصوفية على مدار اليوم. وهم حاضرون في الأفراح والأتراح وأثرهم على الأرض أكثر فعالية وبالتالي "يمكنهم أن يسهموا بشكل فعال في إيقاف الحرب إذا تم البناء على ما قاموا به خلال أشهر الحرب السبع الماضية".
"لا يمكنها أن تفعل شيئا"
لكن هناك آراء لا تتفق مع ما يراه الأسباط من قدرة الطرق الصوفية على المساهمة في إنهاء الحرب. فمثلا الطبيب الصيدلي طه الطاهر أحمد بدوي، وهو أحد نشطاء مجتمع ولاية البحر الأحمر، يرى أن "الطرق الصوفية بوضعها الحالي لا تستطيع أن توقف الحرب، رغم أن لديها علاقات مع جانبي الصراع".
ويضيف: "شهدنا خلال فترة الثورة استقطابا كبيرا للطرق الصوفية من قبل مجموعات مسلحة معينة كانت موجودة إبان حكومة ثورة ديسمبر المجيدة".
ويوضح بدوي وهو أيضا رئيس مجلس إدارة مركز دلتا للدراسات البيئية والعلمية في بورتسودان أن "القوى الحديثة" تشتكي دائما من أن "الطرق الصوفية دائما تحت جلباب السلطة".
ويقول بدوي إن الطرق الصوفية تتمركز في جغرافية محددة مما لا يجعل لها تمددا كبيرا في السودان كاملا، "يعني أنها يمكن أن تكون موجودة في الفيافي البعيدة والأرياف والتجمعات القريبة من المدن ولكن في المدن يختفي دورها.. صحيح أن لها مريدين في المدن لكن هذا لا يجعل بإمكانها أن تؤثر تأثيرا كبيرا جدا..".
أما الصادق علي حسن، من هيئة محامي دارفور فيقول إن "الطرق الصوفية لا يمكنها أن تفعل شئيا". ويذهب بعيدا بشأن الصراع في السودان ويضيف: "قد ينتهي الحال في السودان بتدابير دولية مثل الوصاية الدولية على البلاد".
جهود "صوفية" لحل الأزمة
لكن حتى لا يحدث ذلك، تحدث أتباع الطرق الصوفية لبرنامج "السودان الآن" عن جهودهم من أجل حل الأزمة فقال الشيخ علي عبد المكرم من الطريقة التيجانية إن أهل الطرق الصوفية من القادرية والسمانية والتجانية وغيرها، كلها تدخلت لدى مسؤولي القوات المسلحة ومسؤولي الدعم السريع، "داعين إلى وقف هذه الحرب، والإصلاح بينهم لكن هناك اختلافات بسيطة في وجهات النظر".
ويعرب عبد المكرم عن تفاؤله من "حدوث صلح بين أهل السودان قريبا"، ومؤكدا أن هناك "أطرافا وطنية " رحبت بمفهوم الطرق الصوفية لتقريب وجهات النظر بين الجيش والدعم السريع.
أما الشيخ عادل يونس فيؤكد على أن الطرق الصوفية "كان لها جهد واضح في إيقاف الحرب أولا عبر الدعاء إلى الله وكذلك عبر المنابر في الجمع واللقاءات الدينية" ويضيف "أنا نفسي كإمام مسجد تحدثت في خطب عديدة عن رغبة الشعب السوداني في إيقاف الحرب التي دمرت الأخضر واليابس".
وأوضح يونس أنه تحدث مع القادة من الجيش والدعم السريع "الموجودين حولنا في منطقتنا وكلهم أبدوا مرونة ورغبة في إيقاف الحرب إلا أن الأمر لم يكن بأيديهم باعتبار أنهم قادة مسؤولين عن إدارة مناطق صغيرة".
ويتمنى الصيدلي طه الطاهر أحمد بدوي أن "تكون هناك في المستقبل رؤية حديثة لموضوع الطرق الصوفية والإدارة الأهلية كي تغير من مفاهيم اتجاه دولة البناء الحديث، الذي يتم عبر ركيزة التعليم وطرح رؤى مستقبلية لسودان الغد".
صلاح شرارة/ شارك في التقرير: ندى فاروق
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.