الحرب في السودان: نزوح المدنيين وسط مخاطر المجاعة والأمراض
١٦ يونيو ٢٠٢٤
مضى أكثر من عام على الحرب الأهلية في السودان، مع نزوح حوالي 10 ملايين سوداني بالداخل وأكثر من مليوني نازح إلى دول مجاورة، في ظل ظروف صعبة تتضمن مخاوف من المجاعة وانتشار الأمراض المعدية، وتحديات حكومات الدول المجاورة.
إعلان
اندلعت حرب أهلية واسعة النطاق في السودان، في منتصف شهر نيسان/ أبريل 2023، عندما نشبت معارك عنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وسرعان ما امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
وأدت هذه المعارك المستمرة منذ أكثر من عام، وفقاً لبرنامج "تتبع النزوح" التابع لمنظمة الهجرة الدولية، إلى ارتفاع عدد النازحين السودانيين إلى 9.9 مليون نازح داخلي في جميع ولايات السودان، البالغ عددها 18 ولاية، من بينهم 2.8 مليون قبل حرب نيسان/ أبريل 2023، و7.1 مليون منذ ذلك الحين. وبحسب المنظمة، يعيش 70% من هؤلاء النازحين في أماكن معرضة لخطر المجاعة، مع توسع بقعة القتال ومحدودية وصول المساعدات الإنسانية.
وشرحت المنظمة أن 20 ألف مهاجر يجبرون على الفرار من منازلهم كل يوم، مشيرة إلى أن 53% من النازحين من الأطفال. كما أشارت إلى وجود تقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف العرقي والاغتصاب وكذلك الاغتصاب الجماعي كأدوات للحرب.
وقالت إيمي بوب المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، في بيان إن الاحتياجات الإنسانية في السودان هائلة وماسة، وتنبغي تلبيتُها على الفور، ومع ذلك لم يتم تقديم سوى 19% من الأموال التي طلبناها، ويجب تضاف ر الجهود الدولية لتجنب المجاعة التي تلوح في الأفق".
وبالإضافة إلى النزوح الداخلي، غادر نحو مليوني سوداني إلى البلدان المجاورة بحثا عن الأمان، ما تسبب في وقوع هذه البلدان في أزمة شديدة للتعامل مع تدفقات المهاجرين. وحتى نيسان/أبريل الماضي، بلغ عدد الوافدين إلى دول الجوار 730.550 في تشاد، و629.902 في جنوب السودان، و514.827 في مصر، و119.525 في إثيوبيا، و29.444 في جمهورية أفريقيا الوسطى، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
كيف يعيش السودانيون في البلدان التي نزحوا إليها؟
وفي نهاية آذار/مارس الماضي، كشفت 27 منظمة حقوقية عن تعرض الفارين من الحرب في السودان إلى سوء المعاملة على يد السلطات المصرية، منددين بحملات توقيف واحتجاز السودانيين وترحليهم بشكل قسري.
وفي بيان مشترك، نبهت منظمات محلية ودولية من تدهور الأوضاع لا سيما منذ نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، في أعقاب إصدار السلطات المصرية القرار رقم 3326، والذي يسمح بـ"اعتقال واحتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين في ظروف غير إنسانية"، بعد إخضاعهم "لمحاكمات غير عادلة، وإعادتهم قسراً إلى السودان في انتهاك لالتزامات مصر الدولية ومبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان والدستور المصري".
ومنذ آب/أغسطس الماضي، تدهورت أوضاع المهاجرين السودانيين في مصر، بسبب فرض السلطات المصرية المزيد من القيود، حيث أصدرت قرارا يفرض على كل سوادني دفع كفالة مادية تبلغ قيمتها ألف دولار، إضافة إلى غرامات تأخير.
إثر هذا القرار، "تلقت منصة اللاجئين في مصر والتحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا ومنظمات حقوقية أخرى مئات البلاغات عن الاعتقالات الممنهجة للاجئين والمهاجرين والاحتجاز التعسفي وحملات الإعادة القسرية".
انتشار الأمراض المعدية بين النازحين السودانيين في ليبيا
وفي الكفرة، وهي واحة يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة وتقع في قلب الصحراء الليبية الجنوبية الشرقية، لا تظهر أي علامات على تراجع تدفق اللاجئين الفارين من الحرب في السودان، وقد وصل عددهم إلى ما بين 40 ألفاً و50 ألفاً، موزعين على 51 منطقة، وفقاً لما صرح به رئيس لجنة الطوارئ لـ "وكالة نوفا" إسماعيل العطية، موضحاً أن حكومة شرق ليبيا (غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي) تتعاون مع منظمة الصحة العالمية و مع اليونيسيف والمنظمة الدولية للهجرة لتقديم المساعدة لهؤلاء النازحين.
وشرح المسؤول الليبي أنه تم إصدار بين 19 إلى 22 ألف بطاقة صحية بعد الفحوصات الطبية التي تم إجراؤها، و"كشفت الاختبارات أن العديد من السودانيين يحملون أمراضا معدية".
وأضاف عطية أنه مع اشتداد القتال في السودان، "يتزايد تدفق النازحين، وهناك قلق بشأن احتمال انتشار الأمراض المعدية مثل شلل الأطفال، الذي تم القضاء عليه في ليبيا في التسعينيات".
ومن جانبها، تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن حوالي 130 ألف سوداني موجودون حاليا في ليبيا، منهم حوالي 30 ألفاً مسجلون لدى المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالإضافة إلى أكثر من 6000 وصلوا بعد اندلاع الصراع الدائر في البلاد، وهو رقم أقل بكثير من الأرقام التي تنشرها حكومة بنغازي (بين 40 و50 ألفاً). وتؤكد المنظمة الدولية للهجرة وجود تركز كبير للسودانيين في منطقة الكفرة، موضحة أن الكثير منهم يرغبون في الاستقرار في طرابلس للتسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو في بنغازي.
ووفقاً لتقارير إعلامية، لا توجد حالياً سيطرة حقيقية على الحدود بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر، ولا أي جهة أمنية تراقب الوضع فعلياً، وترجح المصادر ذاتها أن بعض الأجهزة الأمنية الليبية تسمح للمهاجرين بالتوجه نحو شمال ليبيا، مقابل المال. وتشترك ليبيا في آلاف الكيلومترات من الحدود في منطقة صحراوية، حيث تشابكت في السنوات الأخيرة أنشطة العصابات المسلحة والعنف والاتجار غير المشروع.
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.