قبل أربعين عاما وضع آية الله الخميني أسس الجمهورية الإسلامية في إيران. كيف تبدو الحماسة للثورة بين الأمس واليوم؟ وما رصيد النساء من النضال في سبيل التغيير بعد أن أخذ التعب من القوى الإصلاحية مأخذاً؟
إعلان
في شبابه وأيام دراسته الجامعية دعم صادق زيباكلام الثورة الإسلامية وأمضى سنتين من عمره في معتقلات الشاه. إلا أن أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران يعرف أيضاً معنى القمع في إيران الثورة. فقد حكم عليه بالسجن 18 شهراً لدعمه في مقابلة مع DW التظاهرات في إيران قبل عام.
"في الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في إيران يعيد الخطباء تكرار شعارات وعبارات طنانة بعيدة كل البعد عن الأهداف الحقيقية للثورة"، ويضيف المختص بالعلوم السياسية صادق زيباكلام في حديث خاص بـ DW "وعدتنا الثورة بالديمقراطية ودولة القانون وحرية الصحافة والتعبير دون الخوف من الاعتقال والتعذيب"، يقول صادق.
إيران الإسلامية: بين الأمس واليوم
البعض "يتمنى" عودة الشاه الذي أطاحت به الثورة الإسلامية: "في أحسن التقديرات لا تفوق نسبة من ما يزالون يؤمنون بالجمهورية الإسلامية 30 في المائة من الإيرانيين"، حسب تقدير زيباكام، الذي كرمته مؤسسة DW الإعلامية بجائزتها لحرية التعبير.
قبل أربعة عقود كانت الأمور غير ما هي عليه اليوم. آنذاك صوّت 98 من الإيرانيين لصالح قيام جهورية إسلامية. وحتى وإن كانت النسبة "غير صحيحة"، كما قال دبلوماسيون ألمان في طهران حينها، إلا أنه لم تكن شخصية آية الله الخميني كقائد للثورة موضوع شك أو تساؤل.
استطاع الخميني فرض وجهة نظره بشأن شكل نظام الحكم: نظام الولي الفقيه. ولم تستطع القوى العلمانية اليسارية والليبرالية منافسة آيات الله بعد الإطاحة بالشاه. وساعدت ميلشيات كالحرس الثوري الخميني في بسط سيطرته. ومن ثم جاءت حرب الثمان أعوام مع العراق هدية منحت النظام فرصة للإطاحة بمعارضيه تحت شعارات ضروريات المعركة.
موجات إصلاحية
مهما يكن من الأمر مرت البلاد بمراحل استطاعت بها تيارات وأصوات إصلاحية وليبرالية فرض نفسها لبعض الوقت. ارتبطت الموجة الأولى بالرئيس محمد خاتمي الذي حقق ببرنامجه الانتخابي الإصلاحي فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية عام 1997. تضمن برنامجه الحريات الثقافية وحرية المرأة وضمان حقوق الأقليات. إلا أن النظام العميق لم يمنحه الفرصة لتحقيق مشروعه.
أدت احتجاجات على إغلاق صحيفة في صيف 1999 إلى قمع دموي من قبل السلطات واعتقال مئات الطلاب وأحكام إعدام لم يتم تنفيذها واعترافات تحت التعذيب بالتعاون مع قوى أجنبية. وتم التضييق على حرية الصحافة واعتقال مفكرين ليبراليين، من بينها شيرين عبادي التي ستفوز بعد ذلك التاريخ بجائزة نوبل للسلام.
الموجة الثانية الكبرى في تاريخ الجمهورية الإسلامية كانت قبل عشر سنوات عشية تزوير الانتخابات الرئاسية في 12 تموز/يوليو. قرر الملالي في ذلك الوقت فرض فوز محمد أحمدي نجاد ضد المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي. بعد إعلان النتائج المزورة خرج مئات الآلاف إلى الشارع. واستمرت، ولو بشكل متقطع، تظاهرات "الموجة الخضراء" حتى تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2010 حتى قمعت بشكل نهائي من النظام وعلى رأسها الحرس الثوري.
وحسب المؤرخ البريطاني-الإيراني ميشائيل أكسورتي فقد تحول النظام بعد قمع الموجة الخضراء إلى ديكتاتورية عسكرية كالتي أطاح بها، ولكن بفعالية أكبر وبشكل أكثر كفاءة.
النساء رائدات التغيير
منصورة شجاعي تقول لـ DW إن النساء كنا على الدوام في مقدمات طلائع التغيير وتستشهد بتاريخ الحركة النسوية الإيرانية منذ الثورة الدستورية 1906 وحتى اليوم.
صحيح أن الثورة الإسلامية لم تسحب من المرأة الإيرانية حق التصويت، إلا أن سيطرة الملالي الرجال على الحكم أدى إلى انعكاسات سياسية سلبية على النساء. ووصلت رياح الثورة حتى إلى البيت؛ فقد حرمت المرأة من اتخاذ القرارات المهمة على مستوى الأسرة، وترك الأمر للأب أو الزوج. وللزوج الحق في منع المرأة من العمل خارج المنزل ومنعها من مغادرة المدينة أو إيران.
ولكن على الجهة المقابلة فقد أدت زيادة أعداد المتعلمين وحملة الشهادات الجامعية في إيران إلى تحسين وضع المرأة. وتشكل النساء نسبة أكثر من النصف هنا. وبالمقارنة مع دول مسلمة أخرى فإن نسبة تمثيلها في القطاع العام مرتفعة. "سيؤدي ارتفاع عدد المتعلمات بالضرورة وعلى المدى الطويل إلى تغييرات سياسية"، حسب ما يرى الخبير البريطاني-الإيراني.
التغيير "سلمياً" فقط
"في العشر سنوات الماضية على وجه الخصوص استغلت الإيرانيات كل فرصة للتعبير بشكل أكثر إصراراً على مطالبهن، وحتى خلف القضبان. في عهد أحمدي نجاد تم إلغاء لبس التشادور للمسجونات والمعتقلات". وقد تحقق ذلك الإنجاز على يد شيرين عبادي بعد إضرابها عن الطعام.
في عام 2018 تم اعتقال المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان نسرين ستوده من جديد. ومنذ ذلك التاريخ تقبع الفائزة بجائزة سخاروف لحرية الفكر في السجن بتهم من بينها التجسس ودعم التظاهرات المناهضة لارتداء الشادور في السجن. وتقول منصورة شجاعي إنها ونسرين وكل الناشطات الإيرانيات يؤكدن على التغيير عن طريقة المقاومة السلمية.
غير أن الأمر لا يتوقف على النضال ضد الحجاب أو ارتداء الشادور: "الحركة النسوية تحاول تجديد نفسها عن طريق طرق الربط بين حقوق المرأة والحقوق المدنية بشكل عام وذلك بغية تعبئة أكبر شريحة ممكنة في سبيل التغير"، تختم منصورة شجاعي حديثها مع DW.
شبانام فون هاين، هانس شبروس/خ.س
إيران - الأناقة الناعمة تتحدى الحجاب
فُرض الحجاب في إيران ليكون زياً إسلامياً للنساء يصادر حريتهن في ارتداء ما يرغبن فيه، لكنّ هذا الزي المفروض قسراً اتخذ بمرور الزمان هوية جديدة، ولم يفلح في تحويلهن الى صنف بشري موحد المظهر أسوة بالعسكر مثلاً.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Noroozi
تحجيب النساء أول قوانين "الثورة الإسلامية"
قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران لم يكن ارتداء الحجاب شائعاً، بل كنّ أغلب المحجبات يرتدين "تشادور"، والذي هو عبارة عن عباءة سوداء تغطيهن من قمة الرأس إلى أخمص القدمين. لكن بعض طالبات الجامعة اخترن ارتداء ربطة الرأس. بعد قيام الثورة تغير الوضع فشاع الحجاب الإسلامي في إيران ومنها انتشر إلى العالم العربي والإسلامي.
صورة من: bornanews.com
الأناقة ظاهرة "طاغوتية"!
نهاية سبعينات ومطلع ثمانينات القرن العشرين إبان سنوات الحرب مع العراق، فرضت الأزمات الاقتصادية الخانقة صعوبات حياتية جمّة على الإيرانيين، ولم يعد أحد يفكر في الأناقة ومستلزماتها، وهكذا باتت الموضة ظاهرة كمالية يصفها الثوريون بأنّها "طاغوتية". آنذاك شاعت الجبة (مانتو) وربطة الرأس داكنة اللون وباتت إلزامية.
صورة من: picture-alliance/dpa/Abedi
نهاية الحرب أعادت ذائقة المجتمع العصرية
مع انتهاء الحرب أواخر ثمانينات القرن العشرين، تراجعت الأزمات الاقتصادية والسياسية، ما انعكس على ملابس الناس بشكل مباشر، لاسيما أن انتشار أجهزة عرض الفيديو وأشرطته أعاد الحياة إلى ذائقة المجتمع العصرية؛ فظهرت على الجبة ألوان تنوعت بين الخردلي والحشيشي والبنفسجي الداكن. لكن الأقمشة خشنة الملمس بقيت سائدة.
صورة من: picture-alliance/dpa
الجبة المزررة والسروال الفضفاض إجبارية!
خلال الثمانينات كانت الجبة فضفاضة طويلة تصل إلى مفصل القدم. أزياء النساء في تلك الفترة مقارنة بمرحلة التسعينات كانت أشبه بالمعاطف، وما لبثت أن زحفت على أكتفاها البطانات الضخمة. وكانت الجبب تزرر حتى نهايتها، بحيث لا يظهر سوى طرف سروال فضفاض من تحتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
من الجبة المعطفية الى الجبة الخفاشية
مطلع الثمانينات كانت ربطة الرأس قاتمة اللون، وتربط حافتها بإحكام تحت الحنك بحيث تغطي الرقبة، لكن انفتاح الاستيراد في مطلع التسعينات، أغرق الأسواق بسراويل الجينز القادمة من آسيا فبات شائعاً تحت الجبة التي تحول تصميمها إلى شكل "خفاشي" كما يصفنه الإيرانيات.
صورة من: picture-alliance/dpa/H. Fahimi
"المقنعة" ربطة رأس إجبارية منذ سن السادسة!
شاعت خلال الثمانينات والتسعينات "المقنعة" وهي ربطة رأس مخاطة مقفلة ترتديها المرأة كما تظهر الصورة. شاعت المقنعة في البداية في المدارس الابتدائية حيث ترتديها البنات منذ سن السادسة، ثم باتت إلزامية في المدارس وعلى العاملات في المصانع ودوائر ومؤسسات الدولة، واللواتي لم يلتزمن بها يجري نقلهن إلى أماكن نائية لإجبارهن على الاستقالة.
صورة من: picture-alliance/dpa
الجبة أقصر وأضيق وربطة الرأس زاهية الألوان
بحلول منتصف التسعينات تقاصرت جبب النساء لتصل مستوى الركبة وباتت ضيقة تظهر استدارات الجسد، كما تغيرت خاماتها إلى أقمشة رقيقة، وتغيرت موديلاتها فباتت تكشف عن مساحات أكبر من ملابس المرأة ولم تعد معطفاً محكم الغلق. واختفت الجبة الخفاشية بألوانها المعتمة. كانت قوات السباه تطارد النساء في المدن وتمنع التطور الجديد.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Taherkenareh
الشال طرد المقنعة وباتت الجبة معطفا قصيراً
منذ الألفية الثالثة باتت الجبب أقصر وأشد ضيقاً، وحلّ شال خفيف يلقى على الرأس بعفوية مقصودة محل ربطة الرأس والمقنعة. أكمام الجبة القصيرة اختلفت أيضا عن الجبة القديمة وكذلك ياقاتها فباتت أكثر انفتاحاً وتظهر جزءاً من عنق المرأة. وشاعت في طهران الجبب الكتانية ولم يعد للجبة الإسفنجية المعطفية وجود.
صورة من: picture-alliance/dpa/dpaweb/epa/A. Taherkenareh
جبة طويلة ضيقة بلا أزرار وربطة رأس رمزية
مع هذا الانفتاح بدأت الشرطة بالتشدد، وللالتفاف على إجراءاتهم التعسفية شاعت المعاطف الضيقة الطويلة الخالية من الأزرار التي مهما طالت تبقى كاشفة عن مساحة كبيرة من ملابس المرأة، وشاع تحتها ما يعرف ب "ليغنغ" أي السروال الملتصق بالجسد كما شاعت الأحذية الرياضية من الماركات الشهيرة. أما ربطات الراس فأضحت تكشف عن مقدمة ونهاية شعر المرأة بإصرارٍ شديدٍ رغم القيود.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Taherkenareh
وداعاً للجبة وللربطة وللسروال الفضفاض!
منذ العقد الثاني من الألفية الثانية شاعت موضة "سابورت" وبات زيا لكل البنات، أما سروايل الفيزيون اللحمية فباتت زي الطهرانيات الثابت، وأمست الجبة مجرد عباءة عصرية بألوان أنيقة مفتوحة من كل الجهات، فيما استقر الشال كغطاء نهائي للشعر. مع كل ذلك تعاظمت كمية الماكياج الذي يضعنه الإيرانيات حتى نهاراً.
صورة من: Khabarde.ir
الحجاب "الإسلامي" عنوان أنوثة المرأة وسحرها!
ببلوغ " الثورة الإسلامية" عقدها الرابع من العمر، لم يعد للحجاب المفروض على النساء أي شبه بالحجاب الذي فُرض في أعوام الثورة الأولى. بل أضحى زياً أنيقاً يميز المرأة الإيرانية عن غيرها ويكشف أكثر مما يخفي من أجسادهن وجمالهن. وبات إظهار الشعر الملون جزءاً من أناقة المرأة رغم ارتدائها الشال "الإسلامي".
صورة من: Instagram
حملة "الى حجاب أفضل" جعلت الحجاب زياً أنيقاً
منذ 2015 بدأت الإيرانيات بالظهور في الميادين الرياضية دون حجاب وبشعور مكشوفة خاصة على سفوح التزلج على الجليد لجبال البرز المطلة على مناطق شمال طهران. المرأة الإيرانية ترى أنها قد نجحت في خلق زي جديد أنيق يليق بها من خلال حملة سلمية صامتة جرت تحت شعار "إلى حجاب أفضل".DW / م.م