1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الحلقة المفرغة: الإيدز في العالم العربي بين الإنكار والجهل

ماريان وجدي١٨ أغسطس ٢٠٠٦

لو كان حل معضلة الإيدز يكمن في الأدوية المعالجة المطيلة للعمر فقط، لكانت مسألة القضاء عليه مسألة وقت. لكن مخاطره لا تقتصر على آثاره الصحية فحسب، بل تعدتها الى الآثار الاجتماعية والاقتصادية وخصوصا في العالم العربي.

الشريط الأحمر رمز التوعية ضد الإيدز ومخاطرهصورة من: Montage DW/dpa/picture-alliance

عندما سئل طالب مصري مرة عن معلوماته بشأن الايدز أجاب قائلا: "ليس لدينا مصابين بالإيدز في العالم العربي. الإيدز لا يصيب إلا المثليين جنسيا والعاهرات، ونحن لا توجد لدينا مثل تلك الأنماط". هذه المقولة تمثل قطبا من قطبي معضلة الإيدز في المجتمعات العربية وهي الإنكار. المجتمعات العربية لا تزال تعاني من رفض الاعتراف بوجود أنماط في المجتمع مرفوضة من وجهة نظرها أخلاقيا وتعتبرها غير كائنة أصلا. وعندما تتحد تلك الظاهرة مع الجهل المتفشي في الكثير من المجتمعات، فإنهما يشكلان معا حلقة مفرغة يصعب معها الاحتفاظ بالأمل في إمكانية القضاء على الإيدز في المستقبل.

المجتمعات الدينية ترفض تلك الأنماط من الأساس

مؤتمر الايدز المنعقد في تورنتو/كندا ـ فرصة لانقاذ ما يمكن انقاذهصورة من: AP

تتسم المجتمعات الدينية التقليدية برفضها للتغيير وثباتها على المبادئ الموروثة. عندما يتضح في مجتمع ما أن الأنماط المخالفة للعادات والمبادئ موجودة أصلا ويتم ممارستها، وان كان ذلك على نطاق ضيق، فان ردود فعل المجتمع تتراوح ما بين إعلان الحرب عليها وعلى ممارسيها أو إنكار وجودها والتظاهر بـ"سلامة" المجتمع منها". ويرتبط بهذا الإنكار عامل الخوف الشديد من انحراف المجتمع باتجاه نمط حياة المجتمعات الغربية البعيد كل البعد عن أصول الدين. وبالطبع يساهم عصر العولمة الذي نعيش فيه في زيادة حدة هذا الخوف، لاسيما وان الإعلام الغربي ساهم عبر تقنيات الوسائط المتعددة في نقل نمط وأسلوب حياة المجتمعات الغربية إلى جيل الشباب في المجتمعات المحافظة وهذا ما يشير إليه البعض بالغزو الثقافي، الأمر الذي يقود إلى احتماء الكثير بالدين بل واللجوء إلى التطرف لحماية أنفسهم من هذا "الغزو".

لكن الواقع الاجتماعي القمعي والواقع الاقتصادي المتجه من سيء إلى أسوأ يجبران الكثير من الشباب على الابتعاد عن المبادئ الدينية والالتزام بها. فالأوضاع الاقتصادية المتردية مصحوبة بنسبة بطالة مرتفعة لا تسمح للكثيرين بتحمل نفقات الزواج، وهذا جعل الكثيرين يتجهون إلى الزواج العرفي أو زيارة بيوت الدعارة أو إلى ممارسة الجنس مع رجال آخرين، ناهيك عن انتشار مشكلة المخدرات في بعض المجتمعات. هذه الأنماط متواجدة في مجتمعاتنا العربية وبكثرة، لكنها تحدث دائما في الظلام، ليس فقط خوفا من المجتمع ولكن لأنها في كثير من الأحوال ممنوعة قانونيا. هذا الاستتار يدفع بالناس إلى عدم التحدث عن تلك التصرفات أو الظواهر ولو كان هذا حديثا عاما لأنها تعتبر مواضيع محظورة في المجتمع، مما يساعد على تفشي الجهل بخصوص مخاطر تلك العادات إذا مورست بطريقة خاطئة. الحل يكمن هنا في توعية الناس الى طرق الإصابة بالإيدز وكيفية الوقاية من تلك الأخطار. هنا يلعب الجزء الثاني من المعضلة دوره.

مشكلة عدم المعرفة وكارثة عدم الرغبة في المعرفة

حتى بعد عرض الحكومات امكانية اجراء فحوص الايدز مع الاحتفاظ بسريتها كاملة ، لم يتقدم الكثيرون بسبب خوفهم من مطاردة الحكومة لهم.صورة من: dpa

عندما يتضح في دولة ما أنها تعاني من مشكلة تعليمية يُنتظر من الحكومة أن تتولى تنظيم حملات توعية ودورات تعليمية لأنها قادرة على الوصول إلى جميع فئات الشعب. هذا الحال لا ينطبق على معظم المجتمعات العربية، إذ نها تعيش في خوف من الحكومات بصفتها ممثلة للقانون. لذلك لم يكن هناك استجابة لخدمة الفحص المجاني للإيدز التي قدمتها بعض الحكومات العربية كالحكومة المصرية مثلا ذلك أن الكثيرين يرون أن هذا الفحص ما هو إلا خدعة للقبض على المصابين بالإيدز لأنهم مثليين جنسيا أو مدمنو مخدرات. وفي هذا السياق تقول مها عون من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز UNAIDS (المكتب المصري) في حوار مع موقعنا: "رغم الخدمات الكثيرة التي تقدمها الحكومة المصرية مثلا مثل توفير الاختبارات الطوعية دون إعطاء أية معلومات شخصية أو توفير الأدوية المعالجة مجانا للمرضى، فإنها لا تستطيع الوصول إلى تلك الفئات، ليس فقط لأنها تعتبر خارجة عن القانون، لكن لأنها تخاف من الحكومة ولا تستجيب للخدمات التي تقدمها. هنا يأتي دور الجمعيات الأهلية التي تحاول الوصول بنفسها إلى تلك المجموعات."

شخصيات عالمية مثل الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون تحاول اعطاء عملية مكافحة الايدز دفعة قويةصورة من: AP

هذا بالنسبة إلى المجموعات المعرضة للإصابة بالإيدز. أما فيما يتعلق ببقية شرائح المجتمع، فتأتي محاولات الحكومة الحالية عن طريق التعاون مع رجال الدين الذين يحاولون في مواعظهم كسب العطف نحو المصابين عن طريق التركيز على ضرورة العناية بالمرضى. هنا يتضح دور التفسير الديني في توجيه تعامل المجتمع مع الأنماط المرفوضة فيه. ففي بداية انتشار المرض في العالم العربي كان الكثير من رجال الدين يصفونه في خطبهم ومواعظهم على أنه "عقاب الله على الفساد الجسدي والأخلاقي". هذا الموقف أدى بدوره إلى استقصاء المرضى من المجتمع وطردهم من عائلاتهم. وتضيف مها عون في هذا السياق: "للأسف تلك النظرة ما زالت منتشرة، ليس فقط في العالم العربي ولكن في العالم أجمع. لكن لأن الحالات المصابة به تفضل البقاء في الخفاء فان عملية معالجة المرض غير فاعلة بالشكل المطلوب." محاولات الحكومة وكل الجهات المهتمة بالمرض لتثقيف الناس ونشر التوعية عن الإيدز تبوء في كثير من الأحوال بالفشل بسبب رفض الكثير للحصول على تلك المعلومات. ان التوعية بأساليب الوقاية الجنسية تشجع على الجنس بدلا من الخوف منه واللجوء إلى أساليب خاطئة من وجهة نظر الكثيرين، وإعطاء مستهلكي المخدرات حقن نظيفة تشجعهم على الاستمرار في هذا الطريق على سبيل المثال. في هذا الإطار يقول د. أسامة طويل من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز UNAIDS (المكتب الإقليمي للشرق الأوسط): "أظهرت تجاربنا أن المناقشات مع رجال الدين ضرورية وأنه يمكنهم في أحوال كثيرة الإسهام في دعم ورعاية الأشخاص المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري HIV. فعلى سبيل المثال تم تجنيد رجال الدين في دول مثل الجزائر لكسب المزيد من التقبل والخدمات للمحتاجين إليها."

أخيرا، إن نسبة الجهل العالية تلعب دورا كبيرا في تضخيم هذه المشكلة. في مجتمع يسهل فيه نشر الشائعات مثل أن الإيدز ينتقل بالمصافحة أو أن المرض لا ينتقل إلا عن طريق ممارسة الجنس مع الغربيين يصبح من دروب المستحيلات الوصول إلى سيدة وتوعيتها أن الفيروس يمكن أن ينتقل إليها من زوجها إن كان قد سبق له إقامة علاقة مع سيدة أو رجل في دولة يختلف الواقع الكائن فيها تماما عن الواقع المفروض.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW