الحماية الثانوية تحطم أحلام وآمال اللاجئين السوريين
٤ فبراير ٢٠١٧يجلس اللاجئ السوري أبو فيصل على أريكة قديمة وسط غرفة الجلوس التي استقبلنا فيها، وإلى جانبه ابنه الذي كان شاهداً على مأساة عائلته. وبالإضافة إلى قيام ابنه بضيافتنا في منزلهم الصغير، كان هذا الفتى يقوم بمساعدة والده في كل شيء؛ ولكن مهمته الكبرى كانت عمله كمترجم لوالده في معظم تحركاته ومعاملاته مع الدوائر الرسمية، حيث تعلّم اللغة الألمانية خلال وقتٍ قصير نسبيا.
عاش أبو فيصل مع عائلته في (حيّ الشيخ مقصود) بحلب، وكانت تلك المنطقة نقطة اشتباكات بين مختلف الفصائل والكتائب المتناحرة في سوريا، يقول: "بدأت الاشتباكات في المناطق القريبة منّا، وأصبحت القذائف تتساقط على حيّنا، فشعرت أنّ الرحيل أمرٌ لابدّ منه". كانت منطقتهم تحت سيطرة النظام السوري في بداية الاشتباكات، ومن ثمّ بدأت تظهر كتائب وقوى مسلحة سيطرت على المنطقة، مما جعل الوضع يزداد سوءاً. اشتعلت المواجهات بعدئذٍ بين الكتائب المحسوبة على المعارضة وبين وحدات حماية الشعب التي تنظر لها تلك الكتائب بوصفها حليفاً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وجدت عائلة أبو فيصل نفسها بين مطرقة الكتائب الإسلامية المتشددة وبين سندان وحدات حماية الشعب الكردية والنظام السوري، مما دفعهم إلى النزوح بداية الأمر إلى إحدى القرى في ريف حلب، يقول أبو فيصل في حوار له مع DW عربية "هربت مع عائلتي بسبب القذائف العشوائية من الشيخ مقصود إلى قريتنا في ريف حلب".
تركيا محطة اللجوء الأولى باتجاه أوربا
بعد أن ضاقت بها السبل، وجدت عائلة أبي فيصل أنّ فكرة الهرب من هذا الجحيم أمرٌ لا مفرّ منه، فكانت رحلة اللجوء الأولى نحو تركيا، أملاً في إيجاد عمل يضمن لها قوت يومها. يقول أبو فيصل: "في تركيا لا يوجد أمان، فأنت معرض للابتزاز أو السرقة أو النصب، كما أنّ متطلبات الحياة غالية جداً. لذا قررت الرحيل مجدداً". بالطبع كانت أوربا جنة اللاجئين الموعودة، هي مقصد أبي فيصل وزملاء رحلته في قاربهم المطاطي باتجاه جزيرة ميلوس اليونانية، ومن هناك حمل أبو فيصل ولده، وسار به باتجاه ألمانيا. لم يكن يملك المال اللازم لتغطية نفقات باقي أفراد أسرته في رحلته نحو أوربا، لذلك اضطر إلى تركهم في تركيا ريثما يتمكن من لمّ شملهم. في حين ترك والده وشقيقته في ريف حلب، لتغدو أسرته مشتتةً بين بلدانٍ ثلاثة (سوريا، تركيا، ألمانيا) بعد أن كانت مجتمعة في بيت واحد في حلب.
تعمل ابنته الكبرى وعمرها أربعة عشر عاماً في إحدى ورشات الخياطة، وتحصل على أجرٍ لا يغطي نفقات معيشتهم. أجرى أبو فيصل اتصالاً هاتفياً مع زوجته، إلا أنّ الزوجة العائدة من العمل برفقة ابنتها لم تكن تقوى على التحدث لشدّة مرضها، لتزداد معاناته أكثر وتنهمر دموعه ويختنق صوته، وهو يحاول أن يسرد كيف تعيش أسرته داخل غرفة صغيرة تمّ استئجارها في تركيا، ريثما يستكمل الإجراءات القانونية الخاصّة بلم شملهم.
حظ عاثر وأحلام مؤجلة
لم يتوقع أبو فيصل أن يعانده القدر إلى هذا الحد، فقد غامر باللجوء إلى ألمانيا أملاً بحياةٍ أفضل له ولعائلته، ولكنّه فوجئ بمنحه حق الحماية الثانوية، وهذا يعني (مصيبة كبرى) على حد وصفه في حديثه مع DW عربية، فـ "مع منحي حق الإقامة والحماية الثانوية لن أتمكن من التقدم بطلب لمّ شمل عائلتي حتى ربيع عام 2018، وإذا أضفنا مدّة تقديم الطلب وما يتبعها من إجراءات تغدو المدة ثلاث سنوات وهذه مصيبة كبرى". وبسبب صرامة القوانين الألمانية، وإجراءاتها البيروقراطية حاول جلب عائلته عن طريق البحر أيضاً، لكن مرض زوجته وحالتها الصحية وضيق ذات اليد حرمته من هذه المحاولة أيضاً. ولم تفلح محاولات منظمات المجتمع المدني في مساعدته، الأمر الذي جعل حالته النفسية تزداد سوءاً كلّ يوم، وهو يرى ابنه يتألم حنيناً لوالدته وأشقائه الذين تركهم في تركيا.
بيروقراطية وقوانين صارمة
وعن منح حق الحماية الجزئية للاجئين السوريين حدّثنا هاينز كولر، الخبير الاجتماعي في منظمة (دياكوني) في مدينة هاغن بولاية شمال الراين وستفاليا، حيث قال: "يعتمد الأساس القانوني لمنح صفة اللجوء على اللجوء المبرر مثل الملاحقة أو الاضطهاد أو بسبب العنصرية أو المعتقدات السياسية أو الانتماء الديني". وأكد كولر أنّ من يتمكن من إثبات تعرضه لمحاولة الاضطهاد في بلده سيحصل على الحماية الكاملة (صفة لاجئ). أمّا عن تبعات هذه الحماية الثانوية فيقول كولر في حواره مع DW عربية: "المشكلة الكبرى هي حق لم شمل العائلة، حيث يتوجب على اللاجئ الانتظار لفترة أطول، بالإضافة إلى منحه جواز سفر بلون رمادي يختلف عن ذي اللون الأزرق الذي يمنح لمن يحصل على حق الحماية الكاملة".
وحسب كولر، فإنّ اللاجئ الذي يحصل على وثيقة السفر ذات اللون الرمادي لا يحقّ له السفر خارج البلاد، طبعاً في حالة لم يكن لديه جواز سفر سوري، أمّا لو قام اللاجئ السوري بتقديم طلب للحصول على جواز سفر من السفارة السورية في ألمانيا، فهذا يعني أنه تحت حماية الدولة السورية. وعن حق اللاجئ في الاعتراض على منحه حق الحماية الثانوية، يقول "بعد أن يتسلم اللاجئ قرار الحماية الثانوية من مكتب الهجرة، يجب عليه الإسراع بإجراءات رفع دعوى (استئناف القرار) من خلال محام مختص بقضايا اللاجئين". لم يفوت أبو فيصل هذه المعلومة، وبمساعدة بعض الأشخاص قام بالاتصال بأحد المحامين، وتقديم طلب الاعتراض عن طريقه، ولكن تبقى الإجراءات البيروقراطية العائق الأكبر أمامه ويقول إنه غامر "بكل شيء كي أصل إلى هنا وأجلب عائلتي، في البداية رحبوا بنا واستقبلونا، والآن أشعر أنّهم يقولون لنا: مع السلامة".
ليست حالة أبي فيصل هي الوحيدة، فهناك كثيرون غيره ممن حصلوا على مثل هذا النوع من الحماية، ولم يعد أمامه سوى حل وحيد حسب قوله: "طلبت من مكتب الأجانب أن يسمحوا لي بجلب عائلتي، ولكنهم رفضوا ذلك، ولا يوجد حل أمامي سوى العودة إلى تركيا والعيش مع عائلتي في حال لم أتمكن من جلبهم إلى هنا. وهناك كثير من السوريين مثلي يفكرون بالرجوع إلى عائلاتهم".
أحمد العجيلي